في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، برزت تقارير تفيد بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفض حضور أي محادثات في البيت الأبيض تتضمن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنقل سكان غزة إلى مصر والأردن.
هذا الموقف ليس مجرد رفض دبلوماسي، بل يعكس موقفًا استراتيجيًا مصريًا رافضًا لأي محاولات لإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية للمنطقة، خاصة عندما يكون ذلك على حساب الأمن القومي المصري والاستقرار الإقليمي.
في حديثه لجريدة “البوكلاج”، أكد الدكتور أحمد السوداني، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “مصر تدرك تمامًا أن أي عملية تهجير قسري للفلسطينيين ستشكل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي، وخاصة اتفاقيات جنيف التي تحظر النقل القسري للسكان تحت أي ظرف.
إن القبول بمثل هذه المخططات سيعني إضفاء شرعية على سياسات فرض الأمر الواقع بالقوة، وهو أمر يهدد المبادئ الأساسية للقانون الدولي”. وأضاف السوداني أن “موقف القاهرة الرافض لهذه الخطة ليس فقط التزامًا قانونيًا،
بل هو جزء من نهج استراتيجي طويل المدى يهدف إلى حماية المنطقة من تداعيات إعادة تشكيلها ديموغرافيًا وفقًا لمصالح قوى خارجية”.
وأوضح السوداني في تصريحه لـ”البوكلاج” أن “القاهرة لا يمكن أن تقبل بأن تتحمل وحدها تبعات أزمة بحجم القضية الفلسطينية، خاصة عندما يكون الحل المطروح قائمًا على تفريغ غزة من سكانها، وهو ما يعزز الاحتلال الإسرائيلي بدلًا من مواجهته.
القوانين الدولية واضحة في هذا الشأن، وأي تهجير قسري يعد جريمة ضد الإنسانية، ما يعني أن الدول التي تروج لمثل هذه الحلول تتحمل مسؤوليات قانونية أمام المجتمع الدولي.
ومع ذلك، يجب أن نكون واقعيين، فلا أحد يستطيع محاسبة الولايات المتحدة على انتهاك القوانين الدولية، لكن هذا لا يعني أن الدول الأخرى، ومنها مصر، يجب أن تقبل بسياسات الأمر الواقع”.
وأشار السوداني في تصريحه لـ”لوبوكلاج” إلى أن “من يعتقد أن اتفاقيات السلام تعني التخلي عن ثوابت الأمن القومي فهو واهم. فمصر تدير علاقاتها وفق مصالحها الاستراتيجية، وليس استجابة لضغوط خارجية.
ورغم أن اتفاقية كامب ديفيد وضعت إطارًا للسلام مع إسرائيل، إلا أنها لم تكن تفويضًا مفتوحًا لاستبدال الحل السياسي بعمليات تهجير قسري تتماهى مع سياسات الاحتلال”.
وأضاف: “تهجير الفلسطينيين ليس مجرد قضية سياسية أو قانونية، بل يمس التوازن الإقليمي واستقرار المنطقة.
أي تغيير ديموغرافي قسري في غزة لن يقتصر تأثيره على الفلسطينيين، بل سيمتد ليؤثر على الأمن المصري.
فحدودها الشرقية كانت دائمًا مصدر قلق أمني، وخلق واقع جديد هناك قد يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة. لذا، فإن رفض مصر لهذه الخطة لا يرتبط فقط بالبعد القانوني أو الأخلاقي، بل هو أيضًا قرار استراتيجي لحماية استقرارها على المدى البعيد”.
من جانبه، شدد الأستاذ ياسين العمري، الداعية الإسلامي وأستاذ التواصل بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، في حديثه لـ”لوبوكلاج”، على أن “التمسك بالأرض واجب شرعي، وليس مجرد خيار سياسي. الإسلام يحث على الصمود والثبات أمام الظلم، والتهجير القسري للفلسطينيين ليس فقط مخالفًا للحقوق الإنسانية،
بل يتعارض مع المبادئ الإسلامية التي تؤكد قدسية الأرض ورفض التنازل عنها تحت أي ظرف”. وأضاف أن “الحديث عن تهجير الفلسطينيين ليس جديدًا، بل هو امتداد لسياسات سابقة تهدف إلى اقتلاع السكان الأصليين وتغيير الواقع الديموغرافي للمنطقة، وهو ما يجب التصدي له دينيًا وسياسيًا”.
في اتصاله مع “لوبوكلاج” من القاهرة، أشار الدكتور سامح العلي، خبير العلاقات الدولية والسياسات في أفريقيا والشرق الأوسط، إلى أن “التهجير القسري يشكل تحديًا استراتيجيًا لا يقتصر على الفلسطينيين فقط،
بل يؤثر على الدول المضيفة والمنطقة ككل. إذا تم تنفيذ هذا التحول الديموغرافي، فإنه سيغير التوازنات السياسية الإقليمية ويهدد الاستقرار الداخلي للدول المعنية.
مصر والأردن، اللتان تواجهان تحديات اقتصادية وأمنية جسيمة، ستكونان في صدارة الأزمة، حيث سيترتب عليهما استقبال أعداد ضخمة من اللاجئين، ما يزيد من الضغوط في مجالات عدة، بدءًا من الأمن الوطني وصولًا إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية”.
وأضاف العلي: “هذا التحول قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمعات المضيفة، كما يزيد من حدة التوترات بين القوى الإقليمية الكبرى. الأثر الأكبر سيكون في العلاقات الدولية، خاصة تلك المرتبطة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث قد يسهم التهجير في تغيير هيكلي للعلاقات بين الأطراف الدولية المعنية”.
وتابع الدكتور العلي: “تداعيات هذا التهجير لن تقتصر على الأبعاد الداخلية فقط، بل ستمتد إلى تموضع مصر في النظام الإقليمي والدولي. إذا تم قبول هذا التغيير القسري، ستواجه مصر تحديات كبيرة في الحفاظ على سيادتها وسط التحولات الديموغرافية، ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل السياسة الإقليمية.
في هذا السياق، ستكون مصر مضطرة لمراجعة تحالفاتها الإقليمية والدولية، خاصة مع الدول التي تدعم هذا الحل، والذي يتجاهل الحقوق الأساسية، مما قد يعرضها لضغوط دبلوماسية متزايدة، لا سيما من القوى الكبرى التي تدفع في هذا الاتجاه”.
وأشار العلي إلى أن “موقف مصر يتطلب تحركات استراتيجية مدروسة للحفاظ على دورها المحوري في المنطقة. رفض التهجير القسري ليس مجرد موقف إنساني، بل هو خطوة أساسية لحماية الاستقرار الإقليمي وضمان حل سياسي عادل، يعتمد على حقوق العودة”.
ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن الموقف المصري يعكس تحفظًا على الخطة الأمريكية ويعبر عن حرصها على الحفاظ على التوازن بين علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن وأمنها القومي، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تُعتبر جزءًا أساسيًا من استقرار المنطقة.