هل هناك تلازم بين إشكالية الوحدة، واستراتيجية البناء الديموقراطي…؟
بديهيا، الجواب لن يكون إلاّ بالإيجاب، لأن الوحدة الترابية أولاً هي ضرورة تاريخية وحضارية ومطلب شعبي متواصل. وهي ثانياً عملية ثورية تقتضي تغيير مختلف الهياكل التي ينطوي عليها المجتمع سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، لأن أخطر معوق من معوقات تحقيق الوحدة هو تجاهل المطلب الديموقراطي في علاقة الدولة بالمواطنين…. مجتمع وحدوي متحرر من جميع أنواع التبعية والاستيلاب، كل هذه المهمات تتطلب التعبئة والحوار والاقناع، وهي مهمات موكولة الى دينامية المجتمع والى استراتيجية الدولة على حد سواء.
إن المجتمع المدني يقتضي بالضرورة الاهتمام بالدرجة الأولى بالبحث عن استراتيجية جديدة للعمل الاجتماعي، وللعمل النقابي تسترجع الثقة المفقودة لان حبل ثقافة التطبيل والتجييش قصير ولا يخدم الوطن في شيء ولا مشروعه الوحدوي بقدر ما يثبت أرجل بعض الانتفاعيين في الحقلين الجمعوي والنقابي .
إن المغرب عبر تاريخه الممتد إلى ما يزيد عن 12القرن تمتع مغاربيا على الدوام بالريادة على مستوى المبادرة ،فعلى المجتمع المدني أن يتخلص من القطرية الضيقة وينخرط في رحاب الصرح المغاربي وفي رحاب العمق الافريقي .ومن خلال تجربتنا المتواضعة كرابطة مغربية للمواطنة وحقوق الانسان منذ 2012 ضمن اللجنة الإفريقية لحقوق الانسان والشعوب وما يجري على هامش ملتقياتها نصف السنوية أيقنا أن للمغاربة كافة فرص النجاح سياسيا واقتصاديا بفعل التأثير الثقافي والديني الذي مارسه الاجداد هناك من خلال الزوايا الطرقية والبعثات التعليمية والقوافل التجارية بدعم من إمارة المؤمنين ،لهذا نبهنا إلى خطورة الكرسي الفارغ الذي نهجته الديبلوماسية المغربية سنوات قبل 2017 ..
لقد عاد المغرب الى حضيرة الاتحاد الأفريقي ،وبالموازاة مع هذه العودة انخرطت الفعاليات المالية والاقتصادية المغربية في صلب الهياكل الاقتصادية الأفريقية وننتظر اقتحام المجتمع المدني لهذا المجال غير العصي علينا ،لأنه ببساطة هو صمام أمان استمرار رأسمال المغربي هناك : المادي واللامادي.
عندما ركز الملك على تقوية الجبهة الداخلية في خطاب غشت الأخير فهو يعي جيدا أن قوة هذه الجبهة لن تتأتى بدون دمقرطة حركية المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وطبعا الثقافية. والدولة مدعوة في هذا الصدد إلى تبني استراتيجيات جديدة، تهدف الى تقوية الجبهة الداخلية لأنها– وكما علمنا التاريخ– تعفينا من التبعية للقرار الأجنبي 🙁 اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء….إقرار اسبانيا وألمانيا بجدية الحكم الذاتي….مواقف فرنسا الحربائية….. )
الاعتراف هو نتيجة حتمية للنصر وليس العكس ،فكفوا عن ترديد اسطوانة الاعتراف لانها تعلي من شأن المعترف وتذل المعترف لصالحه….الأجداد لم يولوا كبير اهتمام الى هذا الهراء (الاعتراف ) بقدر ما اهتموا بتوحيد الجبهة الداخلية وفق قواعد العدالة الاجتماعية مما تراكم لديهم من أعراف محلية وقواعد دينية وتجارب تاريخية…ففتح الأندلس 92ه وعبور يوسف بن تاشفين الى الضفة الشمالية (الزلاقة)وبعده يعقوب المنصور ( الارك) وما حققاه من صدى أطبق افاق أوربا المسيحية، وملحمة واد المخازن المجيدة …..هذه الانتصارات لم تكن لتحصل لولا متانة الجبهة الداخلية ، انتصارات كان من نتائجها المباشرة الاعتراف بالمغرب كقوة إقليمية…إذن فالنصر يحقق الاعتراف اما الاعتراف فلا يحقق النصر .
تأسيسا على ما سبق يمكن القول أن تعامل الدولة مع الديموقراطية يجب ألا يكون تعاملا ظرفيا وبراغماتيا، وإنما يجب ان يرقى إلى مستوى القناعات الراسخة والالتزامات الاستراتيجية، وهنا لابد لها ان تتحصل على دعم جماهيري واسع وتابث بشرط دعوة الحكومات المتعاقبة الى مواصلة تحرير المواطنين من كل أشكال التضييق والاسكات والتوجيه والتطويع والترويض…فحرية الرأي وحرية التعبير والحق في التنظيم والحق في الاحتجاج والحق في المشاركة والحق في النقد كلها ادوات الديموقراطية ولبنات جدار الجبهة الداخلية