كلما خطا المغرب بنجاح في مخطط استكمال السيادة على أراضيه، كلما شعر أعداء الوحدة الترابية بغصة في القلب، وفي مقدمتهم من كانوا في الأمس القريب، سندا ودعما له، وبين الأمس واليوم، تأرجحت مواقفهم بين الحقد الدفين والكراهية العدوانية، وزادت قسوة وغيظا كلما سنحت لهم الفرصة لذلك.
“لا فرق بين خيانة الضمير وخيانة الواقع إلا التنفيذ”
إن الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة. تكالب قوى الشر بقيادة أنظمة تحت حكم عسكري أو من أطياف حزبية بعثية وشيعة، يأتي في هذا الوقت بالذات للتشويش مرة أخرى على مسيرة التنمية الشاملة التي يقودها جلالة الملك بثبات وحكمة خصوصا إبان أزمة كوفيد 19. فلا حرج مادام أن ثمة أناس لهم تلك القدرة الخرافية على المشي فوق قلوب الآخرين دون شعور بالذنب. يأتون عندما نكف عن انتظارهم، ويعودون عندما يتأكدون أننا ما عدنا معنيين بعودتهم.
ومن جديد، تكشف الأزمة القائمة بين المملكتين المغربية والإسبانية على الوجه الحقيقي لبعض الدول، وترخي بظلال تداعياتها على مستوى دولي واسع النطاق.
-قرار اوربي باطل…
أوروبيا، يتفاجأ المنتظم الدولي من القرار اللا منصف وللا عادل الذي تبناه البرلمان الأوروبي بتوجيه أصابع الاتهام في حق المغرب، متهما إياه باستغلال ملف الهجرة للضغط على إسبانيا سياسيا. وقد كان واضحا أن القرار الأوروبي، كان متحيزا للإسبان، بمحتوى غارق إلى الأذنين في بحر من الأباطيل. ويا حسرتاه على إسبانيا مصدر نفوذ هام في عدة مناطق خلال العصور الحديثة، والإمبراطورية العالمية التي خلفت إرثا يضم أكثر من 500 مليون ناطق بالإسبانية، جعلها ثاني اللغات الأم استخداما، هذه الإمبراطورية العظمى سابقا، لم تنفع مناورات وضغوطات اللوبيات الاسبانية، لتمرير قرار ضد المغرب بأغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي المطلوبة، وفشلت في الحصول على الدعم المتوقع، وتحولت إسبانيا إلى مهزلة مسرحية عدوانية مفتعلة وإلى محط انتقاد وسخرية من طرف أعضاء من البرلمان الأوروبي نفسه، وبرهن أهل مكة ” البرلمان الأوروبي” أنهم أدرى بشعابها.
كان مؤسفا جدا، عدم تحقيق ما سعت إليه إسبانيا، بعد أن حاولت بكل ما أوتي لها من قوة، التمويه على أخطائها المتتالية والمتكررة، من أجل استدراج الاتحاد الأوروبي نحو مسارها الطائش. وتبقى ألمانيا البلد الأوروبي الوحيد الذي يشارك إسبانيا موقفها بشأن قضية الصحراء المغربية. وتواصل المسيرة الوطنية في تحدي لكل المناورات والدسائس.
-خيانة عرب ومسلمين..
أما على المستوى العربي والإسلامي، لم يفلت المغرب من طعن من الخلف، لكن دون أن يسبب له مكر الماكرين و خداع المخادعين أي مكروه. من بين الأقوال المأثورة ” الخيانة أكبر خطر، وليست وجهة نظر”.
بعد أيام معدودات من قرار البرلمان الأوروبي الهجين، بادرت منظمة التعاون الإسلامي ” 57 دولة ” على وجه السرعة، التشديد على مصداقية ومشروعية المغرب في سياسة الحد من الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر، وتخلفت أربعة دول فقط وفضلت التخندق في صف إسبانيا والبرلمان الأوروبي، ضدا في المغرب لأسباب ظاهرها مكر وباطنها مر. ظاهريا، يبدو أن رفض كل من الجزائر وسوريا وإيران ولبنان دعم المغرب، وتأييدهم لقرار البرلمان الأوروبي، يعود إلى رغبة التأكيد مرة أخرى على ما يكنونه للمغرب من عداوة وحقد دفين كما ألفنا ذلك على مر بضعة عقود. أما باطنيا، يمكن أن نعتبر أن تحالف العسكر والبعث والشيعة له مصالح سياسية أكثر ما هي مصالح اقتصادية نفعية.
-سوريا ولبنان خارج الحسابات..
اللافت للانتباه، هو كيف انصاعت سوريا ولبنان وراء الضغوطات الإيرانية المعادية للمغرب وإقحام أنفها في أزمة بين بلدين لا تربطهما بهما أي علاقة حدودية أو قارية أو جيو- استراتيجية. فسوريا الذي احتضن المغرب لاجئين منها في حضن وطن لا يفرق بين الانتماء، لها مشاكلها مع الحرب الأهلية التي لم يعرف أحد متى ستنتهي ولبنان دولة تعيش على نار الحروب الأهلية تحركها في غالب الأحيان خيوط إيرانية للتوغل في منطقة الشرق الأوسط، فلا سوريا ولا لبنان يشعران بالعواقب المترتبة عن قرارهما الأرعن. بينما الجزائر فهو البلد الوحيد الذي لا يفوت فرص كشر أنيابه خصوصا عندما تطرح أمام أعينه القضايا التي لها ارتباط وثيق و وطيد بسيادة المملكة المغربية.
مقابل تهور البلدان الثلاثة زائد إيران، أبان البرلمان العربي عن شجاعته من خلال التزامه بالمواقف الصادقة ونبه نظيره الأوروبي بالابتعاد عن اتخاذ أي مواقف طائشة من شأنها أن تزيد من حدة التوتر بين المغرب وإسبانيا، وربما قد يؤثر ذلك على المستوى القاري والإقليمي.
-الصحراء والمذهب الشيعي..
في حقيقة الأمر، ومنذ زمن ، كانت العلاقة بين المغرب وإيران متذبذبة، بسبب قضية الصحراء. وعاشت العلاقات الإيرانية المغربية أسوأ مراحلها، حين طرد المغرب سفير طهران وقطع العلاقات الدبلوماسية معها بسبب دعم إيران لجبهة البوليساريو، وتدريبهم وتسليحهم بمساعدة الجزائر.
خلال عقد من الزمن، قطع المغرب علاقاته مع إيران مرتين، الأولى كانت في 2009، بعد تصريح مسؤول ديني إيراني بأن البحرين جزء من إيران، و في 2018 بعد تورط حزب الله في تزويد البوليساريو بالأسلحة، ومحاولة نشرها للمذهب الشيعي الثوري في البلاد التي يسود فيها المذهب السني.
الكل يعلم أن عدو عدوي صديقي، هذا ما اتضح من خلال التقارب الإيراني الجزائري مباشرة بعد قطع المغرب علاقته بإيران. والكل يتذكر ما طبع في السابق العلاقات الجزائرية الإيرانية من توتر في بداية التسعينات مع اندلاع الحرب الأهلية، لما اتهمت الجزائر طهران بدعم الإسلاميين.
تذكر جيدا أن ” إذا خانك الشخص مرة فهذا ذنبه، أما إذا خانك مرتين فهذا ذنبك أنت”.
-ورطة الحكام الجزاىريين
لماذا انحازت الجزائر إلى قرار البرلمان الأوروبي؟ سؤال ربما تجيب عنه طريقة انحناء هذا الوطن المريض للعاصفة الأوروبية و الانبطاح لقراراته. نعم ، لقد سبق للبرلمان الأوروبي أن صفع الجزائر صفعتين، واحدة على خذه الأيمن في 2019 ، بعدما عبر عن تضامنه مع جميع المواطنين الجزائريين، رجالا ونساء الذين خرجوا في تظاهرات سلمية. وفي خضم التدهور السريع والتضييق على المجتمع المدني والحريات الأساسية، كانت ثمة حاجة ملحة لتحرك علني وجماعي من المجتمع الدولي في سبيل حماية حقوق وحريات المواطنين الجزائريين، بما في ذلك حقهم في المشاركة بحرية في الحياة العامة في بلدهم.
وتلتها صفعة ثانية على الخد الأيسر في عام 2020، تلقتها الأجهزة العسكرية الحاكمة بعد التعديل الأخير للدستور الجزائري، وقد شاب عملية التعديلات نقص في الشفافية ومحدودية المشاركة فيها. والأكثر من هذا وذاك، حافظت التعديلات بشكل خطير على هيمنة السلطة التنفيذية على جميع المؤسسات، بما في ذلك القضاء، وحافظت على القيود الضارة بالحقوق والحريات، ومنعت الرقابة المستقلة على القوات العسكرية والأمنية الجزائرية.
وفي هذا الصدد، تلقت الجزائر رسالة شديدة اللهجة من البرلمان الأوروبي تطالبه بضمان المساءلة الكاملة والرقابة المدنية الديمقراطية على القوات المسلحة، وضمان أن دور الجيش محدد بشكل كاف في الدستور وقصره صراحة على مسائل الدفاع الوطني.
حتى البرلمان العربي سبق له أن ركل السلطات الجزائرية، إثر دعمه لقرار المغرب عندما وضع حدا للتوغل غير القانوني بالمنطقة العازلة الكركرات التي تربط المغرب بموريتانيا بهدف تأمين الانسياب الطبيعي للبضائع والأشخاص بين البلدين الجارين. وتضامن البرلمان العربي مع المغرب في كل ما اتخذه من خطوات لحماية مصالحه الوطنية ووحدة أراضيها وأمنها.
-مجلس التعاون يرد على إيران..
ردا على إيران، يكفي ما جاء في البيان الأخير للمجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في دورته ال 148، بالرياض، الذي أكد على أهمية الشراكة الاستراتيجية مع المملكة المغربية، وإعرابه عن تضامنه معها في الدفاع عن سيادتها، وحقوقها وسلامة أراضيها، ومواطنيها، ومصالحها الحيوية في إطار السيادة المغربية، ووحدة التراب المغربي.
-خط اتبوب العام بين نيجيريا والمغرب..
أما الرد الافريقي القوي على الجزائر، ظهر من خلال استعداد الحكومة الفيدرالية النيجيرية لبناء خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، وهو مشروع ضخم يمر عبر مسار خط أنبوب الغاز لغرب إفريقيا وستستفيد منه عدة دول في القارة، حيث يربط موارد الغاز في نيجيريا، وتلك الموجودة في العديد من بلدان غرب إفريقيا والمغرب، ويعزز بالتالي الاندماج الاقتصادي الإقليمي.
-اعتراف سوريا ولبنان بالصحراء..لكن..
أما بالنسبة للعلاقات المغربية السورية، يمكن التذكير بأن المغرب لم يقطع العلاقات مع سوريا ولم يغلق السفارة في 2012. منذ ذلك الوقت ليس المغرب في حكم إعادة العلاقات مع سوريا، أو في منطق إعادة فتح السفارة في دمشق، ربما أن هناك تغييرات طرأت على أرض الواقع، خصوصا على المستوى المنطقة العربية، لابد من أخذها بعين الاعتبار، واليوم الحاجة ملحة إلى تنسيق عربي قبل اتخاذ أي قرار يساعد على حلحلة المسار السياسي بسوريا.
فإذا خاب ظن سوريا من الورطة التي سقطت فيها للحفاظ على الحكم، ماذا وقع إذن لدولة لبنان، التي إلى حدود الساعة لم يتغير موقفها الرسمي الإيجابي حول قضية الصحراء، ولا زالت تعبر عن موقفها الثابت من دعم سيادة المغرب على صحرائه، وأنها ضد أي شيء يمس المغرب.
في الختام، لابد من الجزم، ان المواقف الثابتة للدول الصديقة والشقيقة بخصوص قضية وحدتنا الترابية الشرعية والمشروعة لا تتغير مهما كلفها ذلك من ثمن، لأن حسن الجوار والالتزام بالمواقف النبيلة والشجاعة لا ثمن له في العلاقات الدولية المبنية على الوضوح.
وعن غدر الأصدقاء ينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب أنه قال، (وهي من الأبيات التي تنسب للإمام محمد بن إدريس الشافعي أيضا) :
تَغيرت المودَّةُ والإخاءُ وقلَّ الصِّدقُ وانقطعَ الرَّجاءُ
و أسلمني الزَّمانُ إلى صديقٍ كَثيرِ الغدرِ ليسَ لَهُ رَعاءُ
وَرُبَّ أَخٍ وَفَيْتُ لهُ وَفِيٍّ ولكن لا يَدومُ لَهُ وَفاءُ
أَخِلاَّءٌ إذا استَغْنَيْتُ عَنْهُمْ وأعداءٌ إذا نَزَلَ البَلاَءُ
وخير مسك الختام قوله تعالى:” إن تمسسكم حسنة تسؤهم. وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها. وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا”. صدق الله العظيم