دأب الكاتب المغربي عبد الرحيم الخصار منذ مطلع الألفية على إصدار مجموعات شعرية بشكل منتظم.
فبعد “أخيرا وصل الشتاء” الذي صدر سنة 2004، وحاز تنويها من بيت الشعر بالمغرب، أصدر بالتتابع الدواوين التالية: أنظر وأكتفي بالنظر 2007. نيران صديقة 2009. بيت بعيد 2013. عودة آدم 2018. القبطان البري 2020. عداء المسافات القصيرة، مختارات شعرية 2021. كما أصدر سنة 2017 كتابا يندرج ضمن أدب الرحلة، عنوانه: خريف فرجينيا، رحلات إلى أمريكا وأوروبا.
وقد فاجأ عبد الرحيم الخصار قرّاءه خلال الدورة الأخيرة من المعرض الدولي للكتاب بالانتقال من الشعر إلى جنس الرواية، حيث أصدرت له دار المتوسط بإيطاليا رواية حملت عنوان “جزيرة البكاء الطويل”، وقد لفتت اهتمام المتتبعين للشأن الثقافي، وانصب عليها الكثير من التقدير والاحتفاء من طرف النقاد والإعلاميين والقراء.
وكانت هذه الرواية فرصة لمحاورة الشاعر والكاتب المغربي عبد الرحيم الخصار، والاقتراب من منجزه الأدبي، وبخاصة تجربته الروائية، التي دشنها بنص “جزيرة البكاء الطويل”.
- لماذا اخترت الحديث في روايتك، عن شخصية مصطفى الأزموري، أو استيفانيكو، فيما بعد، وليس شخصية أخرى؟
في سنة 2016 شاهدت عنه برنامجا على قناة فضائية، فبدا لي أنه شخصية روائية عظيمة. إنه يشكل حالة فريدة في تاريخنا المغربي. كيف تحول عبد منسي إلى رمز تاريخي. شغلني هذا الأمر كثيرا. فقلت مع نفسي: لماذا لا يفرد له أحد روائيينا المغاربة رواية تليق به؟
لم أجد بجانبي من أخبره بالفكرة. فقلت: لم لا أكتبها أنا؟
في تلك الفترة لم يكن أي عمل روائي قد صدر عنه حسب علمي.
- هل استطعت أن تنقل حياة مصطفى الأزموري بأمانة؟
ليست وظيفة الأدب هي نقل التاريخ بأمانة. إنها وظيفة المؤرخين. لقد استلهمت حياته لكتابة حياة أخرى تتقاطع معها. هناك الكثير من الأحداث الواقعية في الرواية. لكن هناك الكثير من التخييل أيضا. وهذا ينعكس أيضا على الشخصيات، لا الأحداث فقط.
الشخصيات البحرية تقريبا كلها واقعية: دورانتيس، كابيزا دي فاكا، الأب حدو…لكن الشخصيات البرية تنتمي كلها إلى الخيال: غيثة بنت دحمان. كاراسيميرا البلغارية. أماريس فتاة الهنود الحمر…
- هل انتصرت، في روايتك، لمهمشيها، على الأقل أدبيا؟
سياق الرواية هو سياق حروب ومجاعات وتاريخ من النهب والظلم. الرواية راهنت على الانتصار للجانب الإنساني فينا. الأزموري جاء من أقصى الهامش، الهامش الإنساني، لا الجغرافي والاجتماعي فحسب. فهو كان تحت ظلم مضاعف، الاحتلال البرتغالي لمدينته، ثم استعباده. أيضا هو نفسه ذهب إلى أمريكا مع المستكشفين الإسبان بحثا عن الذهب، لكنه في النهاية، حسب الرواية، سيغير وجهته وفكرته بحثا عن ذهب آخر غير ملموس.
- هل الرواية بالنسبة لك مجرد تجربة من أجل اكتشاف عالمها، ثم العودة إلى الأصل، إلى الشعر، أم أنك دشنت مشروعا روائيا قد يمتد لأعمال أخرى؟
حين أنهي عملا أدبيا لا أفكر مباشرة في العمل الذي يليه بل آخذ مساحة زمنية للراحة وللتخلص من أثقال العمل السابق، من آثاره.
سأخصص أيام الصيف للراحة والبحر والشمس والعائلة. في الخريف تبدأ الأفكار في اللمعان.
- كيف وجدت شساعة مساحة الرواية، وأنت الذي جئت من مجال يمكن أن نسمه بالضيق أو التكثيف والضآلة؟ ثم إن العبارة الشعرية خاضعة لهذه العمليات من أجل أن تكون دقيقة في إصابة الهدف، هل أسعفتك هذه التقنيات الشعرية داخل الرواية أم أنك تشبعت بتقنيات كتابتها قبل خوض غمارها؟
أنا كتبت الرواية شعرا. يمكن في هذا الصدد الحديث عن “عودة آدم”.
لكن ينبغي التمييز في الكتابة بين الجنسين. الرواية شيء، والشعر شيء آخر. صحيح هنالك تداخل أجناس. لكن لا ينبغي أن يعطينا هذا التداخل نصا هجينا. ينبغي أن نجد في النص الروائي خصائص السرد وغناه التقني.
- كيف ترى عالمي التكثيف والاختزال، والشساعة والتفاصيل التي هي ديدن الرواية؟ وفي أيهما ترتاح؟
أنا أميل إلى التكثيف في الكتابة. لذلك كان رهاني هو أن أنقل أحداثا غزيرة وأفكارا ومشاعر وتفاعلات نفسية واجتماعية وتاريخية في حيز صغير.
أنا أيضا من النوع الذي يحترم القارئ ولا يرغب في أن يقوده إلى مناطق الملل.
التكثيف أيضا يترك للقارئ مهمة المشاركة في الرواية. إنه يقوم بتشسيع مساحات الخيال.
- نعرف أن الكتابة، عادة، تكون نابعة من تراكم قرائي. إذن، كيف هي قراءاتك في الرواية قياسا بقراءاتك في الشعر؟
اطلاعي على الشعر يفوق اطلاعي على الرواية. أحب الروايات اليابانية بدرجة أولى وروايات أمريكا اللاتينية. مع الاطلاع بالضرورة على المنجز السردي العربي.
- كيف حالك روائيا؟
حين عزمت على نشر الرواية التي استغرقت مني خمس سنوات من البحث والتحرير، كنت حائرا في أمر واحد فقط. لقد أصدرت ست مجموعات شعرية، وحظي ما كتبته من شعر بالحفاوة والتقدير. فهل ستكون روايتي من المقام نفسه أم أني سأسيء بكتابة الرواية إلى تجربتي الشعرية؟
لكن أياما قليلة بعد صدور “جزيرة البكاء الطويل” بددت كل مخاوفي. لقد حظيت الرواية كما تابعتم بأكثر مما توقعت. وأنا أتحدث هنا عن الانطباعات الأولية للكتّاب والقراء والإعلاميين.
- سبق وأن أجريت حوارا تحت عنوان” لا معنى لكلمة شاعر في العالم العربي”، وهل لكلمة روائي معنى، هنا والآن؟
نعم لا وزن لكلمة شاعر في حياتنا العامة. الشعر متداول وسط نخبة محدودة ومحصورة. هذا واقع. لكن الرواية لها قاعدة شاسعة من القراء. هذا ليس فيه أية مفاضلة بين الجنسين. فأنا بخصوص الكتابة شاعر قبل كل شيء، وبعده أيضا.