
إن النظام الضريبي هو جوهر الحياة الاقتصادية النشيطة، وأساس الاستقرار الاجتماعي المستمر لأي بلد من بلدان المعمور، إلا أنه في المغرب للأسف يتميز باللاعدالة وبضعف النجاعة بشهادة الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين على حد سواء، فهو نظام تمييزي عن سبق إصرار، إذ يركز على استنزاف مالية فئات تنتمي كلها إلى الطبقة الوسطى ويعفي بشكل يكاد يكون كليا فئات تنتمي إلى الطبقات الاجتماعية الأعلى دخلا (على سبيل المثال لا الحصر، خصم 38 في المائة من أجور الموظفين العموميين في مقابل سحب مشروع قانون الضريبة على الثروة).
ومن غرائب هذا المشروع المثير للجدل إمعانه في اللاعدالة، إذ يقترح تخفيض السعر الضريبي للشركات الكبرى (الطبقة الميسورة جدا) من 31 في المائة إلى 20 في المائة فقط، وبالمقابل يقترح رفع السعر الضريبي للشركات الصغرى والمتوسطة (الطبقة الوسطى) من 10 إلى 20 في المائة.
لقد بانت عورة الأشياء، فمشروع قانون المالية 2023 هو عبارة عن هدايا ضريبية لفائدة الكبار على حساب الأجراء والطبقة الوسطى دون إخفاء ولا مواربة، وهذا نتيجة منطقية لعملية الجمع بين السياسة والاقتصاد أو بين الثروة والحكم. فأمام: نقص الموارد المالية ستلجأ الحكومة إلى أقصر الطرق وأيسر السبل: الاستدانة التي بلغت مؤخرا ما يقارب 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام وما يستتبعها من رهن مصير الأجيال القادمة بمزيد من البطالة والغلاء وفقدان مناصب الشغل وفي أحسن الأحوال الحصول على فرصة التعاقد.
إن مشروع قانون المالية 2023 سيؤدي حتما إلى المزيد من تدهور القدرة الشرائية لدى فئة عريضة من المواطنين وإلى انحسار الأفق عند فئة واسعة من الشباب، وإلى فتح الباب – أكثر ما هو مفتوح – أمام هجرة الأدمغة والأطر المتوسطة وسيفتح شهية المحرومين إلى الخروج إلى الشارع للاحتجاج مادام الدستور يكفل هذا الحق (الفصل 29).
فالمغرب يحتاج اليوم إلى حكومة قادرة على تدشين إصلاحات عميقة حتى تتلاءم القوانين مع روح الدستور. فقبل 2011 و في خضم الحركات الاحتجاجية التي عرفتها أكثر من دولة و في كل القارات و بدون استثناء لاحظنا أن التوجه العام للدول هو تقييد الحريات و تجريم الحركات الاجتماعية، و المغرب لم يكن استثناء، لكن النظام السياسي التقط الإشارة و بادر بإصلاحات دستورية غير مسبوقة، غير أن الحكومات التي عهد إليها بتنزيل بنود الدستور لم تحقق انتظارات المغاربة، و لعل أوضح مثال: مشروع قانون المالية 2023 التمييزي و اللاعادل قياسا على تصدير الدستور و الفصلين 6 و 39 منه.
إذن، بعد إحدى عشر سنة، نحن الآن أكثر حاجة إلى إصلاحات هيكلية لملائمة القوانين مع الأسقف الدستورية، خصوصا في مجال الحريات العامة و في المجال الضريبي، و ابتكار آليات جديدة لانفاذ القوانين المرتبطة بالنزول إلى الشارع باعتباره فضاء لتلاقح و تصارع الأفكار، و فضاء لممارسة التعبير كما يكفله الفصل 25 من الوثيقة الدستورية باعتبارها الإطار المرجعي للدولة و المجتمع.