لقد انخرط المغرب بكامل إرادته ، وأصبح طرفا في تسع اتفاقيات أممية رئيسية تسمى النواة الصلبة ، وبروتوكولاتها الإختيارية والتي تشمل اتفاقيات عامة تخص كافة الحقوق ؛ ومايهمنا نحن في هذا المقال هو الحقوق المدنية و السياسية ، حيث صادق المغرب على العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية في 3 ماي 1979، واتسع نطاق الممارسة الاتفاقية لبلادنا في مجال حقوق الإنسان ليشمل ست بروتوكولات ملحقة بالاتفاقيات الدولية ، وتوج هذا المسار بالانضمام الى البروتوكول الاختياري الاول الملحق بالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 24 فبراير 2022.
وبالنظر الى مشروع قانون المسطرة المدنية المعروض حاليا على الغرفة التانية للبرلمان ، وبتصفحنا موازاة مع ذلك لمواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تستوقفنا المادة 14 ولاسيما فقراتها : ﴿ الاولى ـ الثالثة
الخامسة ـ السابعة ) . وبالنظر كذلك إلى دستور المملكة ولا سيما فصوله: ( 42 – 107- 118- 126)
نلاحظ أن مشروع قانون المسطرة المدنية والسياسية مارس خرقا مزدوجا للفصول المشار إليها أعلاه وكذلك للمادة 14من العهد الدولي في مجمل فقراتها.
بالأمس القريب أشادت العديد من الدول والحكومات والمؤسسات الدولية بدستور 2011، وبنفسه الحقوقي المشرف لا لشيء إلا لأنه يتماهى مع العديد من مواد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر نجد :
ـ أن البند الأول من الفقرةالاولى من المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يكاد يتطابق مع الفصل 118من الدستور فيما يخص حق التقاضي.
ـ والبند التاني من نفس الفقرة يتماهى الى حد بعيد مع الفصل 123 في ما يخص علانية الجلسات
ـ أن مضمون الفقرة الثالثة من المادة14 ببنودها السبعة هو نفسه موزع على الفصول (117 و 118 و119 و120و
121 ) ضمن ما يعرف دستوريا بحقوق المتقاضين وسير العدالة
ـ كما أن مضمون الفقرة الخامسة من المادة14 نجده حاضرا في الفقرة في الفقرة الأولى من الفصل 118 من الدستور.
ـ نفس الشيء يلاحظ على الفقرة السادسة من المادة14 التي ينص محتواها على ما مضمن في الفصل 122من الدستور.
ـ وأخيرا وليس آخرا نجد تطابقا بين ما تنص عليه الفقرة السابعة من المادة14 من العهد مع الفقرة الأولى من الفصل 126 :﴿ الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع ﴾.
من خلال هذه النماذج من المقارنات يتبين أن واضع الدستور انفتح بشكل واسع على القانون الدولي الانساني وهو بذلك يؤكد مدى احترام المغرب لالتزاماته الدولية و لمجموع الاتفاقيات والعهود التي وقع عليها.
لكن للأسف فإن مشروع قانون المسطرة المدنية إذا ما تمت المصادقة عليه بشكله الحالي فإنه :
ـ سيلحق ضررا بصورة المغرب الحقوقية بخرقه للمادة 14من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ـ سيحدث حالة تنافي مع الدستور ولاسيما ديباجته او تصديره : ﴿تعمل المملكة المغربية……على حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما ،
والاسهام في تطويرهما ، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق ،وعدم قابليتها للتجزيء. ﴾ ويضيف التصدير :﴿ جعل الاتفاقيات الدولية ، كما صادق عليها المغرب وفي نطاق احكام الدستور تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية ، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة ﴾
ـ سيمثل تحديا وتطاولا على اختصاصات الملك الدستورية ولاسيما الفصل 42 الذي يؤكد أن الملك هو الساهر على احترام الدستور والساهر
على احترام التعهدات الدولية المملكة : ﴿ الملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى ، ورمز وحدة الأمة ، وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم الأسمى بين مؤسساتها ، يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية ، وعلى صيانة الاختيار الديموقراطي وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. ﴾
ختاما إن الكرة في مرمى المندوبية المكلفة بحقوق الإنسان ،لأنه موكول لها من بين مهام أخرى النظر في التشريعات الوطنية ومدى احترامها وتجسيدها للاتفاقيات والعهود التي يعتبر المغرب طرفا فيها .
وإلى حين تعيين مندوب جديد <<بعد وفاة المرحوم شوقي بنيوب>> من طرف الوزارة الوصية/ العدل, فإننا من المنتظرين