ترتبط الأسرة بشكل وثيق باستمرار الجنس البشري، وباستمرار الحضارة عموما، فهل ينحصر مفهوم الأسرة في كونها بنية اجتماعية مصغرة؟ أم أنها مؤسسة تتقاطع فيها المرجعية الإسلامية والأبعاد الحضارية والثقافية،في كونها حاملة للقيم الكونية والأخلاقية ؟
بالنظر إلى التطور الهائل في وسائل الاتصال وسهولته، لم يعد مثمرا مقاربة مفهوم الأسرة والإشكالات المرتبطة بها من منظور واحد، وذلك لأن العالم أصبح بمثابة قرية صغيرة، والعديد من الأفكار والثقافات أضحت عابرة للحدود، وبالتالي تتسرب لكل الأسر.
ومما لا شك فيه أن التأصيل العقدي المرتبط بالأسرة له أهداف أساسية، تتمثل في تقنين وتأطير واستشراف العلاقات الإنسانية داخل الأسرة، بما يحقق الغايات الكبرى للشريعة الإسلامية. والتي تتمثل في مسألة الاستخلاف في الأرض وحفظ الكليات الخمس.
من جهة أخرى، يجب البحث عن المشترك الحضاري الإنساني، الذي يصب في مصلحة الأسرة من أجل حل الإشكالات المرتبطة بها.
وتتشارك المرجعية العقدية والأبعاد الحضارية والثقافية، في أن زاد الأسرة وطوق النجاة الذي يعبر بها لبر الأمان، هو تعزيز الأخلاق والقيم بداخلها. وذلك من خلال التربية الوالدية، والتربية بالقدوة التي تساعد الأجيال الناشئة على الاندماج داخل النسق الاجتماعي بأفضل الطرق الممكنة.
كما أن الإلتزام بالأخلاق الحسنة في جميع العلاقات داخل الأسرة يضمن استقرارها وقدرتها على تجاوز المطبات.
بالإضافة لكون مؤسسة الأسرة تربة خصبة لتوطين قيم التعايش والوئام والمودة.
كما أن الواقع أثبت على أن القوانين الزجرية، لم تردع البعض عن التسبب في الأذى المادي والمعنوي داخل الأسرة. وعلى هذا الأساس، فإن الاستثمار في منظومة الأخلاق أفضل وأنجع من تطبيق العقوبات.وهو ما يتماشى مع مفهوم الرؤية التوحيدية، التي تتمحور حول استحضار الخالق وعظمته في كل مناحي الحياة.
ولا شك في أن إصلاح اي مجتمع يجب أن ينطلق من إصلاح أصغر خلية فيه ألا وهي الأسرة.
وإذا كانت بعض المؤشرات المقلقة تشير لتخبط مؤسسة الأسرة في مشاكل كبيرة، من قبيل ارتفاع قياسي في قضايا الطلاق المعروضة على المحاكم المغربية. في مقابل ارتفاع معدل سن المقبلين على الزواج، وارتفاع نسبة العنوسة. كما تشير إلى ذلك دراسات رسمية.
ناهيك عن تفشي العنف الأسري، سواء المعنوي أو المادي. كل ذلك يدل على أن الأزمة الحقيقية ليست أزمة قوانين أو مرتبطة بمدونة الأسرة، إنما هي أزمة أخلاق وقيم، تستدعي تعبئة مختلف المتدخلين والمتخصصين في التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع، للخروج بتوصيات من الممكن أن تعيد للأسرة دورها الفعال داخل النسيج المجتمعي.
ومن بين الحلول المبتكرة التي أثبتت فعاليتها في دولة ماليزيا مثلا، مسألة إخضاع المقبلين على الزواج وبشكل إجباري لتكوين يؤهلهم للحصول على رخصة الزواج، ويحسسهم بثقل المسؤولية التي سيقبلون عليها، ويحث الأزواج الجدد على الاجتهاد والمثابرة والتسامح والتكوين الذاتي المستمر خصوصا في مجال تربية الأطفال.
مقال جيد