صحيفة “ليكيب” الفرنسية كتبت في عددها الأخير تحت عنوان « لو كان كل شيء يُدار كما تُدار كرة القدم، لكان الأمر رائعاً »، تحقيقاً عميقاً عن مفارقة مغربية باتت تثير نقاشاً واسعاً: بلد يدهش العالم بتنظيمه للبطولات الكبرى، لكنه يعجز عن تأمين أبسط الخدمات لمواطنيه.

من شوارع إنزكان قرب أكادير إلى قلب الدار البيضاء والرباط، ترسم الصحيفة صورة بلدٍ يعيش على إيقاع مزدوج: فرح جماهيري في الملاعب وغضب شعبي في الشوارع. في حي إنزكان الشعبي، حيث تختلط أصوات الباعة وصخب سيارات الأجرة، لا تزال الذاكرة مثقلة بحادثٍ مأساوي في مستشفى الحسن الثاني، حيث فقدت تسع نساء حياتهن أثناء الولادة القيصرية. أمام المبنى الذي تحوّل إلى رمز للغضب، يرمم العمّال الجدران تحت أنظار رجال الأمن، بينما لا تزال الشعارات التي خطها المحتجون تصرخ من فوق الإسمنت: « سئمنا من الملاعب… نريد مستشفيات! »
توضح ليكيب أن هذا الغضب لم يأتِ من فراغ. فحركة جيل زد 212 التي يقودها شبابٌ في مختلف المدن، خرجت منذ أسابيع مطالبةً بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتحسين التعليم والصحة. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات، تسللت كرة القدم، رمز الفخر الوطني، إلى صلب النقاش العام. يقول أحد المحتجين: « لو كانت الصحة والتعليم يُداران كما تُدار كرة القدم، لكان المغرب بخير. »
وراء هذه العبارة الساخرة تكمن مفارقة بلدٍ شيّد ملاعب حديثة من طنجة إلى بنسليمان، استعداداً لاحتضان كأس أمم إفريقيا 2025 ومونديال 2030 مع إسبانيا والبرتغال، بينما ما زالت مستشفياته تعاني من نقص في التجهيزات ومدارسه تئنّ تحت وطأة الاكتظاظ ونقص الأطر. ملعب مولاي الحسن في الرباط وحده كلّف ما يقارب 80 مليون يورو، في وقتٍ لا يجد فيه كثير من المرضى سريراً في المستشفيات العمومية.
وتنقل الصحيفة عن الباحثة السياسية نادية الهاشمي العلوي قولها: « إنها مفارقة تكشف دولة قوية في تنظيم الأحداث الكبرى، لكنها ضعيفة في تدبير الحياة اليومية. الاستثمار في الرياضة أصبح مرآةً تبرز الخلل بين الطموح الدولي والمطلب الاجتماعي. »
اللاعبون الدوليون أنفسهم لم يظلوا صامتين. كتب المدافع نايف أكرد على “إنستغرام”: « ما يطالب به الشباب مشروع، إنه حبٌّ حقيقي للوطن. » وتساءل زميله عز الدين أوناحي عبر منصة “إكس”: « الملاعب جاهزة… لكن أين المستشفيات؟ »، ليرد عليه الحارس ياسين بونو: « نحن مع الشباب، لأننا جزء من هذا المجتمع. »
في المقابل، يواصل فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الدفاع عن صورة المغرب التنظيمية، مؤكداً في مؤتمر صحفي أن « المغرب هو الخطة أ، وهو الخطة ب، وهو الخطة ج. » لكن بين نبرة المسؤول وثقل الشارع، تظل الهوة واضحة: بلدٌ يستثمر في الواجهة اللامعة بينما تتآكل الخدمات الأساسية في العمق.
في الدار البيضاء، تتجاور صورتان تختصران المشهد: لوحاتٌ ضخمة لأشرف حكيمي رمزاً للفخر الوطني، وبجانبها لافتاتٌ رفعها شبّان غاضبون كتبوا عليها: « العدالة أولاً. » هكذا، كما تقول ليكيب، تحوّلت كرة القدم في المغرب إلى دينٍّ مدنيٍّ جديد وإلى لغةٍ للاحتجاج.
ويختم عالم الاجتماع عبد الرحيم بورقية، أستاذ جامعة الحسن الأول والمتخصص في سوسيولوجيا الرياضة، قائلاً: « في المغرب، كرة القدم ليست مجرد رياضة. إنها مرآة تعكس التناقضات السياسية والاقتصادية والثقافية. الانتصارات تمنح فرحاً مؤقتاً، لكنها لا تمحو الإحساس بالظلم. حين تصبح الملاعب المرآة الوحيدة التي يرى فيها المجتمع نفسه، فذلك لأن مرايا الصحة والتعليم والعدالة قد تكسّرت منذ زمن. »
إعداد: إبراهيم الشعبي
عن صحيفة L’Équipe الفرنسية – 10 أكتوبر 2025
https://www.lequipe.fr/Football/Article/-si-tout-etait-gere-comme-le-foot-ce-serait-top-le-football-coeur-battant-d-une-societe-marocaine-en-quete-de-justice-sociale/1600417















