…نعود فنقول، إذا كانت الطبقات الوسطى هي أساس الإصلاح مع بداية الاستقلال ، وهي التي قادت الحزب والنقابة وأطرت المعارضة، فإن دورها تقلص في العقدين الاخيرين بشكل مريب أمام تنامي الفكر الليبرالي المتوحش والذي استطاع للأسف أن يهيمن على الاقتصاد والسياسة ومن خلالهما ان يلهب جيوب أفراد الطبقات الوسطى بواسطة القروض… التعليم الخصوصي… المحروقات…المصحات الطبية…الخ. هنا نطرح سؤالا مركزيا: هل البورجوازية _كما في اوروبا__مدعوة إلى إصلاح التعليم، أو الحد من أزمته…؟
صراحة، لا نعتقد ذلك فهذه الفئة الاجتماعية لن تدافع عن التعليم، لا اليوم ولا غدا ، فأبناء هذه الطبقة يلجون مدارس البعثات الأجنبية ويكملون تعليمهم في الخارج، إذن فالتعليم المغربي لا يهمهم لا من قريب ولا من بعيد.
إن غياب مشروع مجتمعي توافقي للتعليم وعدم ضبط الحسابات في مراقبة الأموال العمومية، وضعف ترشيد النفقات العمومية (مثلا : لا يعقل أن يكلف بناء قسم في مدرسة عمومية 25 مليون سنتيم ، أو تقدر تكاليف بناء ثانوية تقنية بين 8 و12 مليار سنتيم…. فحسب خبراء البنك العالمي وفق تقرير 2002 فإن النمو الذي عرفه النظام التعليمي المغربي، لم يتحقق بمبالغ باهضة فقط بل خيالية…) في المقابل نجد تقشفا شديدا في خلق مناصب شغل داخل القطاع، او يتم توفيرها لكن بشروط جد مجحفة مما يكون له سيء الأثر على العملية التعليمية داخل الفضاء التربوي.
هذا السوء وسع من دائرة الشك في نجاعة المدرسة العمومية، ووسع من دائرة السخط على الإهمال الممنهج الذي يرزح تحته التعليم العمومي فكانت النتيجة البديهية: انتشار التعليم الخصوصي وانسحاب الطبقة الوسطى شيئا فشيئا من ربوع المؤسسات العمومية، وإسقاط هذه المؤسسات من مفكرتها كموضوع للنضال ( تراجع الدور الريادي للنقابة) .
إذن فانتشار التعليم الخصوصي في جزء منه هو تعبير عن الأزمة العامة التي يعاني منها التعليم. وإذا استمرت هذه القطيعة بين الطبقات الوسطى والمؤسسات العمومية سوف يصبح التعليم عبارة عن مؤسسات مخصصة لأبناء الفئات المهمشة والمحرومة، وتغدو معها الفصول الدراسية ميدان صراع اجتماعي بامتياز حيث التعبير عن الغضب والاحتجاج واللامبالاة والعدوانية، إذ يختزل بعض التلاميذ مفهوم الدولة (بكل تجلياته السلبية في المخيال المجتمعي) في شخص الأستاذ