أثار مشروع الدستور الجديد جدلا واسعا بين التونسيين، فبينما رحب به مؤيدو الرئيس قيس سعيّد ، وقالوا إنه يعبّر عن إرادة التونسيين، اعتبرت المعارضة أنه يفتح الباب لعودة الديكتاتورية للبلاد، مؤكدة أن عمره لن يتجاوز وجود الرئيس في السلطة.
ونشرت الجريدة الرسمية التونسية، مساء الخميس، مسودة الدستور الجديد الذي سيعرضه الرئيس سعيّد للاستفتاء الشعبي في الخامس والعشرين من شهر تموز/يوليو الجاري.
ويتضمن مشروع الدستور الجديد توطئة و10 أبواب و142 فصلا، تتعلق بالأحكام العامة والانتقالية والحقوق والحريات، والوظائف (تسمية جديدة للسلطات في الدستور السابق) التشريعية والتنفيذية والقضائية، فضلا عن المحكمة الدستورية وهيئة الانتخابات والجماعات المحلية والمجلس الأعلى للتعليم. كما ينص على وجود برلمانين في البلاد (مركزي ومحلي).
وكتب مالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعية على موقع فيسبوك: “تعود للكلمات معانيها ولسلطة الشعب هيبتها، ويتلاشى الخطاب الأجوف وتصبح الفصول الدستورية فصول الحصاد والأغنيات (…) اليوم نقرأ بكل فخر في الدستور الضامن لكرامة الشعب: نحن الشعب التونسي صاحب السلطة. إنه دستور الأحرار”.
واعتبر حزب “التحالف من أجل تونس” أن “مشروع دستور الجمهورية الجديدة أعاد للدولة وحدتها وتماسكها وللحكم نجاعته وإمكانية تحميله المسؤولية من خلال نظام رئاسي لا يخول لأي رئيس الترشح لأكثر من دورتين”.
وأشار الحزب في بيان أصدره الجمعة إلى أن “هذا الدستور ضمن للشعب تمثيلية واسعة من خلال إقرار مجلسين منتخبين هما مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي ستكون وظيفته معاضدة ومكملة لوظيفة مجلس نواب الشعب، مع أحكام التوازن بين السلط وتكامل وظائفها دون تشتت أو انحلال”.
واعتبر أمين عام حزب “تونس إلى الأمام”، عبيد البريكي أن “مشروع الدستور الجديد سيسمح لتونس بأن تتنفس ويؤسس لتونس جديدة، وهذا الدستور استجاب بشكل مرض لتطلعات التونسيين، وهو أرضية لتأسيس تونس الغد”.
أما الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، فاعتبر أن مشروع الدستور الجديد هو “مجرّد عمل مُسقط، يكرّس شرعنة الأمر 117 ويضرب التوازن بين السلط، حيث يجمع الرئيس كل السلطات، ولا توجد أي سلطة مضادة له”.
وكتب عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب المجد أنه “مشروع دستور رئاسي تم إعداده خارج الصيغ والآليات الدستورية، ولا يمثل الإرادة الشعبية ولا الهوية التاريخية والحضارية للبلاد ولا الضمير الجمعي للتونسيين، ولا المعايير الدولية للفصل بين السلط، ولا حماية القانون والقضاء للحقوق والحريات ولا المساءلة الديمقراطية، ولا الديمقراطية التمثيلية ولا التشاركية، ولن يكون عقدا اجتماعيا وطنيا يتفق حوله التونسيون بل أداة اغتصاب إرادتهم واستباحة سيادتهم”.
وقال الخبير الدستوري عبد الرزاق المختار إن توطئة الدستور “غير مسبوقة في العالم ولا تحترم قواعد الكتابة القانونية”، مشيرا إلى أن “التركيز على مجتمع تطبيق القانون والحديث عن قيام الشعب بإنفاذ القانون والتصدي لكل من يتجاوزه أو يحاول الاعتداء عليه يحيل إلى عدالة الشوارع والسحل في الساحات”.
وأضاف في تصريح إذاعي “تم التخلي عن مدنية الدولة ووضع جسور لإضفاء طابع ديني على الدولة. لسنا إزاء دولة مدنية بل أمام مفهوم المقاصد لدستور ارتدادي يعود للوراء”.
وأشار إلى أن “النظام الذي يتحدث عنه سعيّد في الدستور ليس رئاسيا بل رئاسويا لأنه (من خللها) يحتكر السلطة التنفيذية بل يمارس أيضا دور المشرع الأصلي لمبادراته التي أصبح لها أولوية النظر وله الحق في الاستفتاء التشريعي وفي ممارسة الحق في السلطة الترتيبية العامة “فهو ينتهك مجال السلطة التشريعية التي لا تمارس دورا كاملا”.
وكتب الباحث مهدي العش”مشروع الدستور لم يكتف بدسترة سحب الوكالة من النواب والنظام الرئاسوي، ولكنه حذف أيضا شرط الانتخاب المباشر لمجلس نواب الشعب (لا فقط لمجلس الجهات والأقاليم)، على عكس انتخاب رئيس الجمهورية الذي نصّ على أنّه مباشر، وهذا دليل واضح على نيّة مبيّتة لتنزيل البناء القاعدي عبر مرسوم القانون الانتخابي”.
فيما استغرب الخبير الدستوري الصغير الزكراوي من “إدراج مغالطات في التوطئة، من ذلك التنصيص على مشاركة الآلاف من المواطنين في الاستفتاء، وهو أمر غير مقبول لأن الاستشارة فشلت بشكل ذريع”.
وأضاف “إن حظي المشروع بالأغلبية في الاستفتاء فلن يعمر طويلا لأنه مكتوب على المقاس وسينتهي بمجرد خروج الرئيس”.