تعدد الزوجات في المغرب .. بين قيود القانون وتحولات المجتم
لم يكن يدري أن قراره بالزواج من ثانية سيضعه أمام معركة مع القانون والمجتمع. ظن أن الأمر لا يتجاوز توقيع عقد جديد، لكنه سرعان ما اصطدم بعقبات قانونية معقدة، ورفض قاطع من زوجته الأولى، ونظرات مستنكرة من محيطه.
في المغرب، تعدد الزوجات لم يعد مجرد مسألة شخصية، بل قضية تثير نقاشًا يمتد من أروقة المحاكم إلى طاولات النقاش العام، خاصة مع التوجه نحو تعديل مدونة الأسرة.
وسط هذا الجدل، تتباين المواقف بين من يعتبرونه انتهاكًا لحقوق المرأة، ومن يرون أنه حق ديني لا ينبغي المساس به، بينما تشير الأرقام إلى أن الظاهرة في تراجع مستمر.
في هذا السياق، تؤكد الناشطة الحقوقية سعيدة الإدريسي أن تعدد الزوجات، حتى مع القيود التي فرضتها مدونة الأسرة، يظل “ضربًا لمبدأ المساواة داخل الأسرة”. وتوضح، في تصريح لـ”لوبوكلاج الإلكترونية”، أن “القانون الحالي، رغم محاولته الحد من الظاهرة، لا يزال يترك هامشًا يسمح بوقوع انتهاكات في حق النساء، خاصة في ظل الضغوط العائلية والاجتماعية التي قد تدفع بعضهن للموافقة تحت الإكراه”.
وتعتبر الإدريسي أن “التعدد ليس مجرد مسألة اختيار شخصي، بل ممارسة تعزز النظرة الدونية للمرأة داخل المجتمع”، مشددة على أن تعديل مدونة الأسرة يجب أن “يقطع الطريق بشكل نهائي على هذا الاستثناء، حتى لا يبقى مبررًا قانونيًا يمكن التحايل عليه”.
على الجانب الآخر، يرى الداعية الإسلامي وأستاذ التواصل بجامعة الحسن الثاني ياسين العمري أن الحديث عن تعدد الزوجات في المغرب يُعطى أكثر من حجمه، معتبرًا أن “الأرقام تثبت أنه ليس ظاهرة منتشرة كما يتم تصويره”. ويضيف، متحدثًا لـ”لوبوكلاج الإلكترونية”، أن “النقاش حول التعدد يُعاد طرحه كلما تم الحديث عن إصلاح مدونة الأسرة، في حين أن الواقع يثبت أن المغاربة، بحكم تحولاتهم الاجتماعية والاقتصادية، أصبحوا يميلون إلى الزواج الأحادي”.
ويشير العمري إلى أن “مدونة الأسرة وضعت شروطًا تجعل الحصول على إذن بالتعدد أمرًا بالغ الصعوبة، وبالتالي، فإن المطالبة بتشديد القوانين أو إلغائه نهائيًا أمر لا مبرر له”،
مضيفًا أن “الأولويات اليوم يجب أن تكون حول المشاكل الحقيقية التي تهدد استقرار الأسرة، مثل ارتفاع معدلات الطلاق وتفكك العلاقات الزوجية، بدل التركيز على قضايا ثانوية”.
بعيدًا عن الجدل الفكري، تكشف الأرقام عن واقع مختلف قد يضع النقاش في حجمه الحقيقي. زهير الخيار، الأستاذ المتخصص في الدراسات والأبحاث بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، يشير إلى أن عدد طلبات التعدد التي تتلقاها المحاكم المغربية سنويًا لا يتجاوز 1500 طلب، يتم قبول أقل من 40% منها، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بإجمالي عقود الزواج التي تتجاوز 250 ألفًا سنويًا.
ويؤكد الخيار، في حديثه لـ”لوبوكلاج الإلكترونية”، أن “المجتمع المغربي يتجه تدريجيًا نحو نموذج الأسرة النووية، حيث أصبح الزواج يرتكز على شراكة بين فردين فقط، بعيدًا عن فكرة التعدد التي كانت أكثر انتشارًا في عقود سابقة”.
ويوضح أن “التغيرات الاقتصادية والاجتماعية لعبت دورًا رئيسيًا في هذا التحول، فارتفاع تكاليف المعيشة، إلى جانب تطور الأدوار الاجتماعية للمرأة، جعلا التعدد خيارًا نادرًا”. ويرى أن “أي تعديل لمدونة الأسرة يجب أن يكون مبنيًا على دراسات دقيقة تأخذ بعين الاعتبار هذه التحولات بدلًا من النقاشات التي تعتمد على انطباعات عامة”.
تظل قضية تعدد الزوجات في المغرب تتأرجح بين التحولات الاجتماعية والتحديات القانونية، مع توجه الأسر المغربية نحو نماذج جديدة تعكس تغييرات عميقة في القيم والعلاقات. ومع استمرار النقاش حول مدونة الأسرة، تبرز الحاجة إلى مواكبة هذه التغيرات بما يضمن التوازن بين حقوق الأفراد ومتطلبات الواقع.