يقول الفيلسوف والكاتب الكندي ” مارشال مكلوهان” (Marshall McLuhan ) في كتابه” “Understanding Media”
“الوسيلة هي الرّسالة”
هذه المقولة تنطبق على بعض القوى الاعلامية التي تُقدّم نفسَها على أنّها الإلهة ( كاوس) .
هذه القِوَى الاعلاميّة تصنعُ مواقفَ المشاهدِ وَفقَ ما تراه مناسبا ومن خلالِ كثافةِ المَنتوجِ الاعلامي الّذي تُقدّمهُ له.
هذا المُشاهدُ يظلّ أسِيرَ تلك القوّة الاعلاميّةِ الّتي تعملُ ليلَ نهارٍ لتوجيهِهِ توجيهاً ينسجمُ معَ خطّها التحريري وتوجّهِها الأيديولوجي، ومن ثَمّ فإنّ القراءة الثانيّة والرأي الآخر وغيرها من مبادئ الديمقراطيّة الاعلاميّة تضمحلّ وتزولُ .
تعتمد القِوِى الاعلاميّة على الكمّية” حتّى لا ينفلت المشاهد من عِقاله. نشراتٌ إخباريّة تلو أخرى و برامجُ متنوّعة وتغطيّات مستمرّة… مقاولاتٌ ربحها الأكبر في زبونها الذي استطاعت نوعا ما أن تُخدّره وتستقطبهُ.
مقولة ” مكلوهان” تشير إلى أن القناة(كمفهوم تواصلي) تكون أهمّ من الرّسالة.
بعبارة أوضح، المُشاهد الذي يرضخ تحت وطأة جهازٍ إعلامي قويّ، يُصبح عاجزا عن البحث عن المعلومة خارج المُربّعِ الّذي وُضَع فيه؛ يصبحُ مُبرمجا على تلقّي واستحسَانِ كلّ ما يُقدّم له من رسائل دون النّظر ولو من بعيدٍ في مضامينها واتجاهاتها ومصادرها ناهيكَ عن محاولة قراءةِ خلفيّاتها بعين النّاقد.
القائِمون على هذه الأجهزة الإعلاميّة يُدركون جيّدا مدى صِحّة وفعاليّة هذه المقولة، لذلك فإنّهم لا يتوقّفُون عن شنّ هجمات إعلاميّة على المُشاهد الذي يستقبل كلّ شيءٍ بصدر رحب ويُصدّق الرّسالة لأنّّ في عمق” لا شعوره” ” القناة الّتي بَثّتِ الرّسالة ملاكٌ مُقدّس لا ينطقُ عن الهوى.
ويزداد توغّل التأثير كلّما ازداد اعتماد القوى الاعلاميّة على ” الوظيفة التأثيريّة أو ما يُصطلح عليهِ أيضا ب” الوظيفة النّدائيّة” التي تلبسُ عباءة الوظيفة الإخباريّة (، fonction conative aussi appelée fonction appelative),
بمعنى أنها تهدفُ من خلالِ منتوجها ليس إلى الإخبار فحسب بل إلى التأثير على المُشاهد قَصدَ أن يتبنّى ، عن لا وعي، مواقفَ عن قضاياَ وأحداث معيّنة.
إذن هي” بروباغندا” ترتكزُ على استمالةِ العاطفة من أجل التّوجيه.
من هذا المُنطلق، كثيرون هم من اخْتِيرَتْ لهم مواقفُ معيّنة فاقتنعوا أنّهم من اختارها بمحضِ إرادتهم. مثل هذه القوى الإعلامية لاَ تكتفي بوصف الواقعِ، بل تضطلعُ بوظيفة أخرى. فكما يقول عالم الاجتماع ” بيير بورديو ” Pierre Bourdieu” في كتابه المُترجم إلى العربية تحت عنوان ” “التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول”، فإنّ” التّلفزيون” قد انتقل من مرحلة وصف الأحداث وتقديمها إلى مرحلة صُنعِ الواقع.
هذا الاعلام أحادي المَنظور كثيرا ما يدّعي أنّه أعظم حامٍ للديمُقراطيّة وهو على النّقيض من ذلكَ يتّخذ الأوتوقراطيّة سبيلاً لبلوغِ مُبتغاه.