صحيح أن مصطلحات أدب المرأة حديثة غير سباقة في الساحة إلا أنها وضعت إضافة نوعية، هكذا عبرت المسيرة ”حورية الخمليشي” عن النسوية الأدبية افتتاحا لحوار شيق بحضور مجموعة من الأسماء على رأسها ”علوية صبح” الروائية و الناقدة و الإعلامية اللبنانية و رئيسة تحرير مجلة ”حسناء”، ثم التونسية ”رجاء بنسلامة” المتخصصة في الأدب العربي و اللغة و الترجمة و العمل الصحفي و المهتمة بالحركة النسائية، و أخيرا و من البلد المضيف الروائية و الشاعرة ”عائشة البصري” و ذلك ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر و الكتابة بالعاصمة الرباط، في محاولة لمناقشة الكتابة الأنثوية و ما تؤول إليه أمام وقع السلطة الأدبية الذكورية النمطية.
ارتكزت الندوة في البداية على مناقشة ”علوية صبح” لعلاقتها بالكتابة كأنثى حيث أبرزت دور عنصر الكتابة في رصد الجانب الحقيقي لها كذات و البحث عن لغتها الأصيلة بعيدا عن اللغة التي نشأت في نظام أبوي بدلالاتها و تعبيراتها و أضافت مؤكدة أن تطرقها لتحليل أنماط كثيرة من النساء يجعلها تكتشف ذاتها كمرأة و بالتالي فهي رحلة معرفة متجردة من طرف آخر، و في هذه النقطة قالت الروائية إن الرجل كتب عن المرأة بمنظور الغزو الجنسي و ليس بكونها ”آخر”.
و هذا ما ساهم في خلق عراقيل في وجه المرأة و هي تكتب عن نفسها إذ صعب عليها الوصول لأعماق ذاتها و صارت هي نفسها تكتب تحت السلطة الذكورية و الزوجية و سلطة الأبناء فاستعارت لغة الرجل النمطية، و أشارت في الأخير لروايتها ”مريم الحَكايا” الذي اعتبرته مولودا متفردا جديدا عالج أشكالا عديدة من النساء حرات كُن أو معنفات، ما جعلها تكتب دون كفوف و تنزع الحجب بحثا عن عالم بلحم و دم لا بأفكار و خطابات.
و في مداخلتها صبت أفكار ”رجاء بنسلامة” في نفس القالب الذي تبنته ”علوية صبح”، إذ أكدت المتخصصة التونسية أن صوت النساء وصلنا من الرجال و ليس مباشرا، فهناك نوع من الصمت يجعل الحضور النسوي غير متكامل، لتبين أن الأمر أقرب لأن يكون اقتصاصا للأثر و طرحا لحركة السفور التي تمثل مفهوم الحداثة عند النساء، و في دعم مداخلتها تطرقت ”رجاء بنسلامة” للخرافة المحلية ”تشهد عليك قبيبات الشتا” التي علقت عليها قائلة ”إن للدم ذاكرة”.
أما الشاعرة ”عائشة البصري” فقد أبانت عن كون تأنيث العالم كناية عن صدى خطاب ذكوري أكثر مما هو منح لإحساس أنثوي جميل و ذلك راجع لاستسلامنا للعبارات التي تضعف و تصف هشاشة المرأة، كما حذرت من مجاراة معركة وهمية و أكدت على معركة الكتابة و الصراع الذي يجب أن يتم في المجتمع و اللغة. و قد اعتبرت الروائية الكتابة احتجاجا حضاري و وسيلة للغضب بطريقة لائقة بل و علاجا روحيا يخرج بها من الأفكار النمطية المجتمعية و المشاعر المريضة، كما وصفتها بالعملية التي لا تخلو من المعاناة في ولادة النص و التشكيك في القدرة الإبداعية للمرأة، و ناقشت ”عائشة البصري” في الأخير موضوع ضبط الجسد في الكتابة إذ اعتبرته تلاعبا واضحا فعلى حد قولها حضور الجسد في الكتابة حق في الخصوصية و اختلاف مراسمه هوية حقيقية.
و أنهيت الندوة بعبارة ألقتها ”عائشة البصري” على مسامع الحضور : هناك رابط بين النص الأدبي و الكاتب، الأمر أشبه بالحبل السري حتى و إن قطع ظلت الجينات باقية، فحتى و إن أنته الكاتب من كتابته ظل الجسد باقيا”