على إثر إدانة الصحفي حميد المهداوي والحكم عليه بسنة ونصف السنة حبسا نافذا وغرامة كبيرة قدرها 150 مليون سنتيم، يطفو على السطح نقاش حول الإشكاليات القانونية المعقدة التي تواجه الصحفيين الذين يستخدمون المنصات الرقمية، مثل “اليوتيوب”، في أعمالهم.
بداية، من المهم الإشارة إلى أن قانون الصحافة والنشر بالمغرب لا يتناول بشكل محدد استخدام “اليوتيوب” أو غيرها من منصات الفيديو عبر الإنترنت في العمل الصحفي،
وهذا الفراغ القانوني يجعل الصحفيين عرضة لاحتمال المتابعة الجنائية من باب نشر ادعاءات كاذبة عبر الوسائل الرقمية، ما يخلق وضعا حرجا حيث يغدو الخط الفاصل بين حرية التعبير والمساس بحقوق الأفراد مبهما.
وعلى الرغم من أن المحتوى المعروض عبر “اليوتيوب” يدخل في صنف السمعي البصري إلا أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) في المغرب لا تمارس حاليا أي رقابة على هذا النوع من البث حتى إن كان دوريا كحالة المهداوي الذي يقدم عمله بشكل يومي ومكثف،
بدوره هذا الفراغ التنظيمي يزيد من حالة عدم اليقين القانوني التي يواجهها الصحفيون الذين يستخدمون هذه المنصة لنشر أعمالهم.
وفي ظل غياب التوجيهات الواضحة وآليات المساءلة، يجد الصحفيون أنفسهم أمام خطر المتابعة الجنائية عوض المحاسبة في إطار قانون الصحافة والنشر، حتى وإن كانوا يمارسون حقهم الأساسي في حرية التعبير.
لذلك من المفروض أن تفتح قضية حميد المهداوي النقاش حول إشكاليات قانونية ومجتمعية تتمثل في الخط الرفيع الذي يفصل بين حق حرية التعبير وحماية الخصوصية والسمعة الفردية.
فبينما يقع على عاتق الصحافيين واجب مشروع في التحقيق والإبلاغ عن المسائل ذات الاهتمام العام، يتعين عليهم الحذر والتأكد من أن تغطيتهم لا تتجاوز الادعاءات غير المؤكدة أو الهجمات الشخصية أو الانزلاقات الذاتية والعاطفية، وهنا تكمن المشكلة :
هل يستطيع الصحفي الذي يخرج عبر “اليوتيوب” بشكل يومي وبوقت مطول أن يوازن بين حياته الخاصة والبحث والتحري في المعلومات التي يبثها؟
فالحماس المفرط وغياب الضبط الذاتي قد يدفع الصحفي إلى الانزلاق نحو الانفعالية والاتهامات التعسفية، متجاوزا حدود حرية التعبير، وبالتالي الوقوع في المساس بسمعة الآخرين.
وعوض استغلال فرصة البث عبر “اليوتيوب” بشكل مسؤول، والاستفادة من هذه المنصة الرقمية لتعزيز الرسالة الصحفية وإثراء النقاش العام، يمكن السقوط في إغراءات “الأدسنس” المالية من خلال الإفراط في البث بهدف بلوغ مستويات قياسية من المتابعة والمشاهدات،
وهنا يمكن أن نتساءل لماذا لا يكتفي الصحفي بنشر ما يتوفر عليه من حجج ووثائق في الجريدة الإلكترونية أو الورقية التي يشتغل بها أو يديرها عوض استخدام “اليوتيوب”؟
فالمقال يكون كافيا لتحريك اللجان و الأبحاث والتحريات على أعلى مستوى.
إن ما حدث مع المهداوي يطرح تساؤلات جوهرية حول واقع الصحافة في مغرب اليوم وحول قدرة بعض الصحفيين على التحلي بالموضوعية والتمحيص الدقيق للمعلومات في زمن الإعلام الرقمي السريع، فالحرية المطلقة التي توفرها منصات مثل “اليوتيوب” قد تكون سيفا ذا حدين إذا لم يتم توظيفها بحكمة وانضباط.
لذا، يتحتم على الصحافيين الذين يختارون استخدام “اليوتيوب” أن يتحلوا بالمسؤولية والتروي في نشر محتواهم. فالحرية الإعلامية لا تعني الإفراط في التعبير على حساب المصداقية والموضوعية.
وعلى السلطات المعنية أيضا أن تبادر بإصلاح الإطار القانوني والتنظيمي للإعلام الرقمي، بما يكفل توازنا بين حرية التعبير وحماية الحقوق الفردية.
ولمعالجة هذه التحديات، من الأهمية بمكان أن تقوم الجهات المسؤولة بمراجعة شاملة وتحديث الإطار القانوني الذي ينظم قطاع الإعلام،
وفتح المجال لنقاش مستفيض بين كل مكونات المشهد الصحفي بالمغرب لكي يشمل قانون الصحافة والنشر أحكاما محددة تتناول استخدام المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي في الممارسات الصحفية.
علاوة على ذلك، فإن إنشاء توجيهات واضحة وآليات رقابية من قبل آليات دستورية كالهاكا على المحتوى الإعلامي المذاع عبر الإنترنت سيساعد في توفير بيئة قانونية أكثر اتساقا وأمانا للصحافيين.
كذلك يجب إعادة النظر في دعم المقاولات الصحفية وبالأخص المتوسطة والصغرى، لكي لا يضطر الصحفي للمخاطرة بحريته من أجل تحصيل مداخيل “الأدسنس”.
إن محاكمة الصحفي حميد المهداوي تُظهر بوضوح أنه في ظل غياب ضوابط واضحة، قد يتحول الحماس المفرط للصحفيين نحو استخدام منصات الفيديو الرقمية إلى إضرار بالممارسة الصحفية الرصينة والمسؤولة.
وهذا ما يستدعي المزيد من الجهود لإرساء إطار تنظيمي متكامل يحافظ على حرية الصحافة دون المساس بالحقوق الفردية.
هذا ولا يختلف اثنان على أن قطاع الصحافة في المغرب يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى المراجعة والتقوية ورصد العيوب ومعالجتها خصوصا أننا أمام استحقاقات كبرى من بينها تنظيم كأس العالم 2030.