قد نتفق جميعا على أن الإسلاميين لم ينجحوا في تدبير مسألة الحكم، لكننا سنختلف حتما حول حقيقة فشلهم في ذلك، لأن عدم النجاح لا يفيد الفشل ولا الرسوب، بقدر ما (قد) يعني التأرجح بين تحقيق مكتسبات وخطوات مشجعة في هذا القطاع أو ذاك، وبين الإخفاق الكبير أو الصغير في هذا المجال أو آخر. لذلك نعتقد أن السؤال الآتي: هل فشل الإسلاميون في الحكم؟ يحتاج إلى تعديل أعمق دقة، وأكثر إنصافا، كالآتي: – لماذا لم ينجح الإسلاميون في الحكم؟.
إن الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى صفحات أو مجلدات، لكونه يشترط استحضار التاريخ والجغرافيا، وموازين القوي الداخلية والخارجية، وطبيعة السياسات وأنظمة الحكم في العالم. لأن الإسلاميين هم أكثر الناس تعرضا للهجوم والنقد والمؤامرات والظلم والتبخيس، ليس خوفا منهم، ولكن خوفا من مرجعيتهم الدينية (بالمفهوم الإسلامي وليس الكنسي أو العلماني) التي أسست الإمبراطوريات وحضارات ترفض التبعية والدونية والعبودية والاستحمار. لكننا سنكتفي بجواب هو رؤوس أقلام دالة وواضحة وواقعية.
ففي مصر؛ لم يدم حكم الإسلاميين أكثر من عام واحد، حيث تعرضوا للانقلاب العسكري، ومن ثمة، فإنه من غير الإنصاف ولا العدل القول بأنهم أخفقوا في تدبير الشأن العام للبلاد.
وفي السودان، كان العسكر وحدهم من حكموا الخرطوم بلبوس الإسلاميين، وشعارات تدور حول: شرع الله أولا، والإسلام هو الحل، وتطبيق الحدود رحمة. والعجيب أنه حين تمكن الساسة المدنيون من الوصول إلى السلطة وكشفوا عن برامجهم المليئة بنَفَسِ الإسلام وروحه، قام العسكر باسترجاع استبدادهم بالبندقية والرشاش.
وفي تونس؛ لم يتمكن إسلاميوها من إحراز تقدم في مربع الحكم، لأنهم ترددوا – بصورة اضعفتهم – في تحمل المسؤولية كاملة، و راهنوا على إشراك آخرين في صيغة تحالفات غير منطقية، ولا تستحضر الواقع الذي تمخض عن ثورة الياسمين وفي المغرب؛ لم يكن الإسلاميون يوما ما منفردين بالسلطة التنفيذية، ولم تمنحهم صناديق الاقتراع أغلبية مطلقة بعد صياغة دستور 2011 الذي مازال في حاجة كبيرة إلى تعديلات جذرية وعميقة وملائمة لتحولات البلاد والمجتمع الدولي، بل كانوا مجرد طرف سياسي ضعيف في تحالفات فلكلورية (جميع مكوناتها ذات تجارب كارثية سابقة عن الإسلاميين في تدبير الشأن العام) لا تقدر على حل مشاكلها الحزبية الداخلية، بله مشاكل البلاد وتعقيدات السلطة. كما أن طبيعة النظام السياسي المغربي تمنع أي تيار أيديولوجي من أن يكون صانعا للقرارات المصيرية للعباد والبلاد، أو ذا حضور وازن في سدة الحكم.
لكننا نعود مرة أخرى، ونطرح السؤال: لماذا لم ينجح الإسلاميون في الحكم؟.
إننا نكاد نجزم بأن الجواب واضح، ويعرفه خصوم الإسلاميين قبل المحللين السياسيين والمهتمين والمتتبعين لقضايا الدين والدنيا. لذلك سنكتفي بالإشارة إلى أسباب عدم نجاحهم باقتضاب شديد:
- أولا: لم يحظ الإسلاميون العرب قط بالاستفراد بالسلطة وهم أغلبية مطلقة. بل كانوا دائما في حاجة إلى تحالفات فسيفسائية، تنزع عنهم حق صناعة القرارات، وتحرمهم من البت في قضايا المجتمع والدولة انطلاقا من رؤيتهم السياسية والأيديولوجية والمذهبية. وحين نقول بأنهم احتاجوا إلى التحالفات لتسيير دواليب الحكم، فذلك معناه أنهم لا يتحملون المسؤولية وحدهم عن النتائج التي راكمتها تجربتهم السياسية، سواء كانت نتائج طيبة ومشرفة، أو كانت نتائج سيئة أو كارثية.
- ثانيا: قبل أن نحكم على تجربة الإسلاميين في الحكم بالفشل أو الضعف أو نلعنها، فإن الإنصاف يدعونا إلى الحكم على تجارب من كان قبلهم من الاشتراكيين والليبراليين والعلمانيين و البروليتاريين والانقلابيين. إذ أن المؤكد هو أن الذين أداروا عجلات السلطة من قبلهم، كانت ظروف حكمهم مناسبة جدا وملائمة لإحراز نتائج جيدة وكبيرة، حيث كانوا أصحاب سلطة مطلقة في الأرض والسماء وفي البحر والجبال، وكانوا مؤيدين من صناديد الخارج ومدعمين بأمواله، ولم يكن أحد يعارضهم أو يشوش على تدبيرهم، أو يحاسبهم على ديكتاتوريتهم وتضييقهم على الحقوق والحريات.
- ثالثا: إن وجود الدولة العميقة في الدول التي تعرف خريطتها السياسية والحزبية مكونات إسلامية، يجعل من أي تفاؤل بشأن قيام حكم حقيقي – لا غبار عليه – للإسلاميين ونجاحهم، ضرباً من الجنون، أو محاولة للقبض على السراب أو المستحيل. لأن الدولة العميقة، باعتبارها ذهنية عنيفة واستبدادية مغلقة؛ لا تسمح – تحت أي ظرف أو حالة – لأي طرف سياسي نزيه وراشد بأن يقاسمها السلطة أو الثروة أو بناء منظومة الحكم.
- رابعا: إن غياب القضاء المستقل في بعض الدول التي تولى فيها الإسلاميون العرب الحكم، يبقى من الأسباب المباشرة في عدم نجاحهم المتحدث عنه. فالقضاء كان ومازال ذراع البطش للأنظمة المستبدة والغاشمة في العالم المتخلف، وهو نفسه الذي أذاق الإسلاميين في مصر وسوريا والعراق والسودان وتونس والجزائر ألوانا من العقوبات السجنية والمالية، وأخرى أزهقت أرواحهم، أو أحالتهم على “مسالخ” التعذيب والقهر.
- خامسا: عانى الإسلاميون العرب من ديكتاتورية العسكر، ودسائس رجال المال الفاسدين، والضمائر الوسخة لبعض الإعلاميين المرجفين والمطبِّلين ومن زبانية الدولة العميقة، مما شكل عقبة كؤود في وجه طموحهم الذي كان يرمي إلى تحقيق المجتمع الفاضل الذي تصوروه ورسموا شكله وحددوا مقوماته في أدبياتهم السياسية وأوراقهم المذهبية.
غير أن هذه الأسباب التي بسطتها أعلاه لا تنفي عن الإسلاميين العرب وقوعهم في الخطأ ولا نقول الخطايا أو الجرائم أو الكبائر، ولا تخفي عن تجربتهم السياسية جوانب القصور والضعف والهشاشة، ولا تمنع من عرض صحائفهم على مرآة التشريح والنقد، لكننا نقول بالمقابل؛ ومن باب العدل والإنصاف، بأنهم الفئة التي لا ينبغي محاسبتها إطلاقا على أي خطأ ارتكبته مادامت لم تحكم بعد، ولم تتوفر شروط الحكم الصحيحة لها، ومادام المناخ الدولي لا يقبل بها ولا يرتضيها، وقوى الاستكبار العالمي تظهر الشر والقبح وتضمرهما لها في آن واحد. أما إذا كان ولا بد من محاكمة تجربتها السياسية، ففي هذه الحالة يجب أن تكون آخر تيار أو فئة أو طرف سياسي يمكن عرضه على المحكمة، أي بعد محاكمة فئات الانقلابيين و اليساريين واليمينيين وعملاء الغرب وأذيالهم.
مع الاسف ان التجارب اكدت ان اللسلاميين لا يتوفرون على اطر تساير التطورات التي تعرفها دول العالم وغالبا ما يكون هدفهم هو نجويد اوضاعهم الاجتماعية وما تجربتهم في المغرب لخير دليل اغرقوا البلاد بالديون التي لم يعرفها المغرب بتلك النسبة المرتفعة مع الحكومات السابقة الى جانب نهج سياية لاشعبية في تدبير الشان العام الوطني الذي اضعف الطبقة المتوسطة وانتشار الفساد والرشوة والريع واستغلال النفوذ والاجرام..