يشكل مغاربة العالم رافعة اقتصادية حيوية للمغرب، ليس فقط عبر تحويلاتهم المالية، التي تجاوزت في السنوات الأخيرة سقف 100 مليار درهم، ولكن أيضًا من خلال مساهمتهم المباشرة في الاستثمار الخاص.
أرقام رسمية حديثة كشفت أن 10 في المائة من الاستثمار الخاص في المغرب مصدره الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ما يبرز الدور المتزايد لهذه الفئة في النسيج الاقتصادي الوطني.
غير أن هذه الأهمية لم تكن دومًا مدعومة بإطار مؤسساتي وتشريعي كافٍ. فالكثير من المستثمرين من مغاربة الخارج اصطدموا بتحديات متعلقة بالبيروقراطية، غموض المساطر، وضعف المرافقة، ومحدودية المعلومات المتاحة.
وهي صعوبات تعرقل استثمار جزء كبير من إمكاناتهم، وتدفع البعض منهم إلى توجيه مشاريعهم نحو بلدان الإقامة بدل الوطن الأم.
أمام هذا الوضع، بادرت الحكومة المغربية إلى إطلاق برنامج إصلاحي جديد يستهدف خلق دينامية جديدة بين الجالية المغربية والاستثمار الوطني.
البرنامج يندرج ضمن التوصيات الملكية الداعية إلى تقوية الروابط مع مغاربة العالم، خصوصًا من خلال تمكينهم من المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وتأسس هذا البرنامج على عدة محاور، أبرزها تسهيل المساطر الإدارية، وتوفير منصات رقمية مخصصة، وإحداث خلية مرافقة للمستثمرين من الجالية.
كما رُصدت تمويلات وتسهيلات بنكية موجهة لمشاريع مغاربة الخارج، خاصة في القطاعات المنتجة كالصناعة، السياحة، الاقتصاد الأخضر، والرقمي.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن الوزارة المكلفة بالاستثمار تشتغل بتنسيق مع باقي القطاعات المعنية على تحيين دفتر المساطر الخاص بهذه الفئة، وإعداد عرض متكامل يجمع بين الحوافز المالية والتأطير القانوني.
ويُرتقب أن تسهم هذه الخطوة في تعزيز ثقة مغاربة العالم في مناخ الأعمال بالمغرب، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الدولية وتنامي التنافس بين الدول لجذب استثمارات جالياتها.
كما أن البرنامج يحمل في طياته رؤية جديدة تقوم على مقاربة شراكة وليس فقط تعبئة ظرفية، مما قد يؤدي إلى مضاعفة حجم الاستثمارات القادمة من الخارج في أفق السنوات المقبلة.
الرهان الحكومي يبدو واضحًا: تحويل الجالية المغربية من قوة تحويلات مالية إلى شريك اقتصادي حقيقي في مشاريع التنمية.
غير أن النجاح في ذلك يظل مرهونًا بقدرة الإدارة على تنزيل هذه الإصلاحات فعليًا على أرض الواقع، وضمان الشفافية والنجاعة في التعامل مع المستثمرين، بما يليق بثقة مغاربة العالم في وطنهم.















