كفى من عبارة:﴿ لدينا الثقة التامة في قضائنا ﴾، عبارة لا نسمعها إلا بجوار محاكم المغرب من قبل فئة مغبونة لا قبل لها بصراع الديناصورات الآدمية، في حين أن الشك هو ملح الحكمة.
القضاء يا سادة، مرفق عمومي يقوم على قواعد مؤسسية وتشريعية وهيكلية وقانونية وإدارية، وبالتالي فهو كغيره من المرافق العمومية، معرض لاختلالات قد تهم بنياته ودوائره ومحيطه ينجم عنها، طبعا، تهديد المواطنات والمواطنين في أمنهم القضائي.
كلنا يعلم أن العدالة حق من حقوق الإنسان، بمعنى أنها تقع ضمن دائرة منظومة القيم الإنسانية التي لا يتصرف فيها الحكام، ولهذا قيل قديما:﴿ العدل أساس الملك ﴾.
بالأمس مثلا، أقرت الدولة المغربية من خلال هيئة الانصاف والمصالحة، بمسؤوليتها عن اختلالات مست بضمانات المحاكمة العادلة وأثبتت وجود قرائن على التدخل من قبل جهات محسوبة على السلطة التنفيذية في سير القضاء، وبعد ذلك جاء خطاب 20غشت2009 الذي يعتبر بحق مرجعا اساسيا لإصلاح منظومة القضاء ببلادنا. واذا عدنا الى هذا الخطاب (منشور بالموقع الالكتروني ل لاماب) ،نجد ان الملك حدد ستة مجالات
تجسد العمق الاستراتيجي للإصلاح، وألزم الحكومة ببلورة مخطط متكامل في هذا الصدد.
والمجالات الستة انقلها لكم كما وردت، وهي كالاتي:
تعزيز ضمانات استقلال القضاء
تحديث المنظومة القانونية
تأهيل الهياكل القضائية والإدارية
تأهيل الموارد البشرية
الرفع من النجاعة القضائية
ترسيخ التخليق
إذا توقفنا عند مبدأ ترسيخ التخليق، على سبيل المثال لا الحصر، واستحضرنا الملف الرائج حاليا المتعلق( بعصابة سماسرة الرمال)او كما يعرف عند البعض الآخر ب (الزحاف مول الرملة) والذي بموجبه تم اعتقال 27 مشتبها فيه ،أغلبهم ينتمون إلى منظومة العدالة ، ومتابعة قاضيين يشغلان منصب نائب الوكيل في حالة سراح ،في انتظار الاستماع لقضاة وحوالي 60 موظفا في قطاع العدالة بعدما وردت أسماؤهم في محاضر قانونية وتسجيلات صوتية…. آنذاك ندرك هول الاختلالات التي يعرفها مرفق القضاء
ما معنى ممارسة الجنس في ردهات المحكمة وفي مكاتبها المغلقة في وجه المرتفقين، حيث الجميع يتظاهر بالحزم والمسؤولية والانضباط حتى ليخيل للسذج من عوام الناس انهم يدخلون عبر بوابات الصراط المستقيم….؟ ما معنى وضع حراسة مشددة على بوابات المحاكم….؟ وما معنى تدخل الأجهزة الأمنية بين الفينة والأخرى لابعاد المرتفقين ومرافقيهم عن محيط المحاكم…؟ إنه العبث لقد سقط القناع. اتركوا الناس تتكلم، فالاحتجاج ظاهرة دستورية لإصلاح الاعوجاج.
إنه أمر فضيع، وربما ما خفي كان أعظم، ولهذا هناك حاجة دائمة ومستمرة لمواصلة وتيرة إصلاح القضاء والنهوض به، ومواصلة تحديث المحاكم، ومواصلة تحفيز القضاة وأعوان العدالة، وتحيين تكوينهم الاساسي والمستمر، والأهم من كل ذلك، التقييم المنتظم لأدائهم من خلال الجمعيات المهنية التي ينضوون تحتها أولا ومن خلال المجلس الأعلى للسلطة القضائية تانيا بعد تطوير بنياته بما يتلاءم وملاحظات السادة القضاة ومطالب الجمعيات الحقوقية وكافة المهتمين بمنظومة العدالة ببلادنا.
إذا كان المجلس الأعلى للسلطة القضائية كهيئة دستورية لها ولاية كاملة على تسيير الشأن القضائي والاشراف على الإدارة القضائية للمحاكم، وتملك صلاحيات وسلطات استشارية وتقريرية متعددة ومختلفة تشمل كل مجالات الحياة المهنية والوظيفية للقضاة، وتكفل ضبط القيم القضائية وتفعيل اساليب تقييم جودة تعليل الأحكام ؛فإن تدبيرها لهذا الملف الاستثنائي بتنسيق مع رئاسة النيابة العامة، يجعل عملها محط أنظار الرأي العام والدوائر العليا والمراقب الأجنبي على حد سواء… لأننا نعتبر هذا الملف /القنبلة ،حلقة أساسية ضمن حلقات تجويد العمل القضائي ببلادنا، وفرصة لبداية مصالحة بين المواطن وقضائه في أفق تأسيس المواطنة الحقة