توالت الأحداث وتناسلت الأخبار بعد مناداة الناخب الوطني وحيد خاليلوزيتش على لاعب نادي برشلونة الإسباني عبد الصمد الزلزولي، لحمل القميص الوطني في نهائيات أمم إفريقيا التي ستقام بالكاميرون بداية شهر يناير الجاري.
أخبار مهدت قبليا لعدم إمكانية التحاق اللاعب بالمنتخب الوطني، نظير وضعيته الحالية في برشلونة، ليأتي الخبر اليقين من اللاعب نفسه عبر مراسلة وجهها إلى الجامعة المسؤولة عن الكرة المغربية، يؤكد فيها عدم الالتحاق، ويعبر فيها عن رغبته في حمل قميص المنتخب الإسباني، إلا أن هذا القرار حسب المعطيات لم يكن وليد الصدفة، ولم يكن قرارا بقدر ما كان نتيجة، أي لم يكن فعلا وإنما ردة فعل، حيث أنه جاء بعد سلسلة من المراحل.
فهل يتحمل اللاعب وحده مسؤولية خذلان القميص الوطني، أم أن السياسة التواصلية لرئيس الجامعة لم تكن كما يجب لها أن تكون، و انتقلنا من التواصل إلى أزمة التواصل، فأزمة النتائج المترتبة عنه؟
في حديث صحفي إذاعي لإذاعة ” راديو مارس”، قال رئيس الجامعة السيد فوزي القجع، أنه تواصل مع رئيس نادي برشلونة ومدرب الفريق الكاتلوني من أجل السماح للاعب بالانضمام للمنتخب، وأكد أن أيا من الطرفين لم يعبر عن امتناع او عدم الموافقة على طلبه، مشيرا إلى أن اللاعب نفسه من رفض الانضمام للمنتخب في كأس إفريقيا، ومؤكدا في الوقت ذاته أنه ” أي اللاعب” طلب تأجيل الانضمام إلى شهر مارس، وهذا يؤكد أن اللاعب لم يرفض الانضمام وانما أجله نظير ظروفه الخاصة، إلا أن رئيس الجامعة رفض ذلك، بحجة حاجة المنتخب للاعب في هذا الوقت بالذات، وعدم قدرته على ضمان تواجده مستقبلا، إذا لم يلبي الدعوة الحالية.

بالوقوف على هذه المعطيات الخبرية، وفي باب ربطها بالتحليل والتعليق الصحفي المهني وبعيدا عن الرأي الخاص الذي يخصني ويخص أي منا، يمكن أن نقول، أن هناك قضية تواصل قبل أن تكون قضية خذلان من اللاعب، كانت هناك أزمة غير مباشرة فرضتها وضعية اللاعب في برشلونة، وضغوطات من النادي والمنتخب الاسباني حسب ما تم التعبير عنه في بعض الصحف الإسبانية والمواقع الاخبارية العالمية.
هذه الوضعية كانت تفرض استراتيجية تواصلية دقيقة لإدارة الأزمة، وخطط أفعال تواصلية تتسم بالحكمة وتتعامل مع الموضوع بهدوء ودون نرفزة أو اندفاع، وبديبلوماسية تواصلية أفقية وليس بمسطرة إدارية عمودية تصدر الأوامر وتفرض العقوبات في حالة مخالفتها.
إلا أن الملاحظ في طريقة تعامل المدرب عموما مع اللاعب وبعض اللاعبين الاخرين كزياش والمزراوي، ثم تعامل الجامعة مع الزلزولي ذهبت لاستعمال لغة الصرامة الإدارية، وربطتها بمفاهيم وطنية ربما لا محل لها من الإعراب، في تجربة تعديد مرة أخرى اخطاء الماضي مع الحدادي وزياش وحمد الله إلى الواجهة، من الجميل أن تكون هناك صرامة وانضباط، الا أن ذلك يجب ان لا يلغي المرونة والديبلوماسية التواصلية لإدارة الازمات داخل الفريق كمجموعة بشرية من الطبيعي ان تحدث داخلها أزمات .
ما يؤكد أن القضية قضية تواصل، ويزكي هذه الفرضية وينفي فرضية خذلان اللاعب للقميص الوطني، هو تعبير اللاعب عن افتخاره بحمل القميص الوطني مباشرة بعد المناداة عليه عبر صفحته على الانستغرام، والتي كتب في وصف التعريف الخاص به أنه لاعب المنتخب الوطني، والذي غيره بعد أيام، ليتوضح فيما بعد أن التغيير جاء بعد إتصاله برئيس الجامعة، وبدل أن يكون إتصالا ديبلوماسيا بخلفية تواصلية لحل المشاكل المفترضة وإيجاد الحلول الممكنة، أصبح إتصالا إداريا جافا مهد لخلق أزمة تواصلية ومهنية، وقطيعة بين اللاعب والمنتخب، كتلك التي تحدث بين الدول والشعوب بسبب خطأ تواصلي ما.
وتمخض عن هذا الاتصال، إلى جانب القطيعة،بحر من القيل والقال، أغرق اللاعب في فرضية خيانة الوطن، فرضية فسرها أصحابها بخضوع اللاعب للضغوطات و الإغراءات التي تعرض لها من النادي والمنتخب الإسباني، ضغوطات أكد رئيس الجامعة بنفسه عدم صحتها، وقدم معطى رغبة اللاعب في الانضمام شهر مارس، كدليل قاطع على براءة الزلزولي من تهمة الخيانة، ناهيك على أنه صرخ سابقا بأن اللاعب عبر عن سعادته في أكثر من مرة بفكرة الانضمام للمنتخب، مما يؤكد أنه كان عازما على الالتحاق ، إلا أن وضعيته الحالية كانت تفرض على الجامعة تعاملا خاصا، مادام المنطق المهني يقول أن كل وضعية تواصلية تفرض استراتيجة تواصل خاصة، ليس هناك سياسة تواصلية وحيدة صالحة لكل الوضعيات المهنية.

في هذا الإطار قال الناقد الرياضي محمد الماغودي أن خليلوزيدتش تعامل بثقافة الجينارلات ” مع اللاعب، مشيرا إلى أن تعامل رئيس الجامعة أيضا ضرب من العبث، وأضاف أن فوزي القجع لم يستفد من أخطاء الماضي وخاصة في قضية حكيم زياش مع هيرفي رونار، قائلا” التعامل مع الزلزولي في هذه الوضعية كان يفرض الكثير من المرونة”، ” أسلوب الاستعلاء ضيع علينا مزراوي وزياش والٱن يضيع الزلزوني، وخوفي أن يضيع المزيد”، ومؤكدا أن الجامعة يجب أن تقوي علاقة المغرب مع أبنائه في المهجر، وليس العكس، لأن الموضوع حسب وجهة نظره مراقب من طرف جهات عليا في الدولة.
استنتاجات هذا التحليل المهني، وهذه المعطيات الخبرية تؤكد أن اللاعب ليس خائنا لوطنه كما يقال أو يشاع بالأحرى، وإنما هناك فشل تواصلي أدى إلى أزمة تواصل، في علم التواصل لا مجال للصدف، لكل فعل ردة فعل، ولكل استراتيجية تواصلية وخطط تواصلية خاصة أو عامة نتائج مفترضة، سواء في الرياضة أو السياسة أو الاقتصاد او فن الإدارة أو حتى في حياتنا الخاصة، وإذا كانت النتيجة هنا تؤكد أن هناك أخطاء ارتكبت من المدرب وحيد حاليلوزيتش ومن رئيس الجامعة في الباب التواصلي، فهل يمكن لهؤلاء الاعتراف بهذه الاخطاء ومحاولة إصلاحها أو عدم تكرارها على الإقل مستقبلا؟ خاصة أن القاعدة هنا تقول، لا يمكنك كفرد او كمؤسسة حل أي مشكل كيف ما كان وإصلاح أي عطب او خطأ إذا لم تعترف أولا بوجوده…!