آنَ لكلّ شيءٍ أن ينتهي. آن للصّداقة أن تموت وحان وقت القطيعة الأبديّة. منذُ أن علمتُ من سُقراط بأنّ الإنسانَ كائنٌ اجتماعيٌّ وأنا أسعى إلى تقويّة جسور الصّداقة بيني وبينَ أناسٍ أُقدّرُهم وأحسبهم أقربَ إليّ من حبلِ الوريدِ. منذُ ما يزيد ُ عن سبعِ سِنين عِجاف وأنا أصارعُ وَرمَ الصداقة المغشوشة وخُبثَ ذوي النّيّات المُبيّتة.
يُخطِئونَ فأتجاوز عنهم، ينسونَ فأذكّرُهم، يغيبونَ فأحضُر، يمرضونَ فأمرضُ، يتألمون فأتوجّعُ؛ لكنْ في كلّ مرة أُجْزَى بغيرِ ما أستحق وأنالُ من سوء المُعاملةِ ما يُحزنُني ومن التّقصيرِ ما يحزّ في قلبِي؛ بيدَ أنّه لا أشتكي ولا أصرّحُ بما آلمني و يؤلمني؛ بل أرْبتُ على كتِفَيْ الشيطانِ آمراً إيّاه أن يُبعدَ عنّي وساوسهُ الخِسّيسَةَ وأنا أحاولُ جاهداً أنْ أُخفيّ علامات الهزيمةِ الباديّة على مُحيّاي، عسى أن أُقنعهُ بأنّ حبلَ المودةِ بيني وبين أصدقائي متينٌ لا يُقطعُ مهما بلغت حدّةُ مناشير الوسواس ومهما كَثُرَ نفاق الخُبثاء.
كنتُ في صراعٍ دائمٍ ومُضنٍ مع كلّ التأثيرات الخارجيّة التي كانت تُهدّدُ صرحَ الصّداقة. لم تكنْ علاقتي بهم متساويّة، ذلكَ أنّي أبغض أن أخذ وأحبّ أن أُعطي، وليسَ هناكَ شيء أعشقه ُ أكثر من رؤيةِ ابتسامة حقيقيّة مرسومة بمدَادِ المحبّة والوِئام على وجوهٍ أرجو دائماً أن لا تُخدشَ و أن لاَ تُؤذى. حاربتُ بكلّ بسالةٍ وعزمٍ من أجل الذود عن حِيّاض الصداقة إلى أنْ كُسّرت كلّ أدْرُعي وردَدْتُ كلّ سيوفي المكسورة إلى أغمادها الباليّة؛ وفي وسط ظُلمَة الوحدةِ والضياع، لملمتُ خيباتي وأطلتُ النّظر في خِذلانَهم و ضمّدتُ جِراحيٍَ الغائرة ومضيتُ أعدُّ نبضاتٍ قلبٍ مُقرّحٍ مكلومٍ لا أراهُ؛ لكنّهُ يرى بؤسي فما يلبثُ أن يطلق صرخةً مُجلجلةً تهتزّ لها مُقلتايَ فيتجمّد الدمع فيهما خوفاً وهلعاً.
وا حَرباهْ! وا حزناهْ! آن للصداقة المزيّفة أن تفنى وآنَ للوحدةِ أن تنتصر وتدوم. دامت لكم أصدقائي حربائيّتكم. طُوبى لكم، فأنتم المنتصرون وأنا المهزُوم وأنتم الغالبون وأنا المغلُوب وأنتم الكاسرون وأنا المكسُور. طُوبى لكم بما صنعتم، افرحُوا وامرحُوا فأنتم اسم الفاعل وأنا اسم المفعول.