رغم أن المغرب اعتمد منذ سنوات جوازات سفر بيومترية مزوّدة بأحدث التقنيات الرقمية لتسهيل التحقق من الهوية وتسريع المعاملات، إلا أن الواقع في الموانئ والمعابر الحدودية لا يعكس أبداً هذا التطور.
فالمغاربة ما زالوا يعيشون نفس المشاهد القديمة: صفوف طويلة، انتظار مرهق، وإجراءات بطيئة بشكل يثير الاستغراب والامتعاض.

كيف يُعقل أن المواطن المغربي ينتظر نصف ساعة أو أكثر ليحصل على ختم بسيط في جواز سفره، بينما الجواز نفسه يحتوي على شريحة إلكترونية متطورة تُقرأ في ثوانٍ؟
كيف يمكن أن نبرر أن العابر من ميناء طنجة إلى طريفة، أو العائد من إسبانيا، يقضي وقتاً أطول في الانتظار داخل الباخرة من أجل الختم، أكثر مما يقضيه في السفر نفسه؟
في المقابل، الجار الإسباني يعتمد نظاماً دقيقاً وسريعاً، الشرطي الإسباني لا يحتاج أكثر من دقيقة أو دقيقتين لختم الجواز، دون ضجيج ولا فوضى، بفضل منظومة رقمية فعالة ومندمجة.
المؤسف في المشهد هو أن الشرطي المغربي يشتغل بإخلاص وتعب واضح، لكنه يُرهق بسبب غياب الوسائل التكنولوجية المواكبة.
في الباخرة الرابطة بين طريفة وطنجة، شاهدتُ بعيني رجل أمن يمثل المديرية العامة للأمن الوطني، يقضي ساعة كاملة وهي مدة العبور، يكتب ويختم عشرات الجوازات يدوياً، دون أي نظام إلكتروني يُسهّل عليه العمل.
هذا الجهد الإنساني الجبّار يُقابل إهمالاً تكنولوجياً غير مقبول من الإدارة المركزية، التي كان من المفروض أن تُحدث نظاماً رقمياً يختصر الزمن، ويحفظ كرامة المسافرين، ويخفف الضغط عن رجال الأمن.
الخلل هنا ليس في رجال الميدان، بل في غياب رؤية تحديثية لدى الإدارة العامة للأمن الوطني، التي كان من المفروض أن تُعمّم أنظمة الختم الإلكتروني والبوابات الذكية في جميع الموانئ والمعابر.
لقد حان الوقت لتجاوز مرحلة “الختم اليدوي” في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي. فالمواطن الذي ينتظر في الطابور نصف ساعة أو أكثر، ليس هو من فشل في التنظيم، بل هو ضحية بطء إداري مركزي لم يستطع تحويل الإمكانات التقنية إلى خدمة فعالة.
حين نرى كيف تعمل الأنظمة الأوروبية في الموانئ المقابلة، نتأكد أن الأمر لا يحتاج معجزات، بل قراراً إدارياً جريئاً لتحديث المعابر المغربية بما يليق بمستوى الإصلاحات الكبرى التي تعرفها البلاد.
أما أن نبقى نتغنى بكون “جواز السفر المغربي بيومتري”، بينما يُختم بطريقة بدائية، فذلك تناقض صارخ يسيء لصورة الدولة ولمصداقية التحديث الإداري.
المديرية العامة للأمن الوطني مدعوة اليوم إلى تحمل مسؤوليتها كاملة في هذا الملف. فالزمن ليس زمن الحبر والختم اليدوي، بل زمن الحلول الذكية، والأمن الرقمي، والخدمة المواطِناتية السريعة.
كرامة المواطن تبدأ من نقطة عبوره، وصورة الوطن تُطبع على أول ختم في جوازه.















