ممنوع العيش، ومسموح الموت لكن بدون دفن؛ محظور التظاهر، ومحظور التجمع، وممنوع رفع الأعلام؛ ممنوع الذهاب إلى البحر، وممنوعة زيارة العائلة في غزة؛ محظور التسلح… والآن ممنوع اللباس. الصرخة الأخيرة للشعب الواقع تحت الاحتلال هي “موضة إم 16″، الصرخة الأخيرة للمحتل هي “موضة ممنوعة”.
قوة من الشرطة اقتحمت حوانيت وصادرت قمصاناً مطبوعاً عليها “إم 16”. بدأ البائعون يخبئونها، وأصبحت هناك سوق سوداء لبيع القمصان السود. الشبكات الاجتماعية تتفجر من كثرة شكاوى إسرائيليين: مندوب “رامي ليفي” [سوق غذائي ضخم] ظهر في بيتهم مرتدياً قميصاً عليه “إم 16″، ما هذا الخوف؟ ولدان كانا يتجولان في رواق مستشفى “شعاري تصيدق” وهما يرتديان قمصاناً عليها “إم 16”. “نعالج أولادهم ويريدون ذبحنا، أنت ترى ولا تصدق”، غرد إسرائيلي غاضب.
ترى ولا تصدق. والآن، محظور عليهم ارتداء ما يريدون. موضة “إم 16” التي بدأت بالقميص الأسود وعليه شعار بندقية “إم 16” باللون الفضي ومكتوب عليه “صنع في تركيا”، تنتشر مثل النار في الهشيم. ضحكة القدر: بندقية أمريكية قتل الجيش بها آلاف الفلسطينيين على مدى سنوات، تحولت إلى رمز لمحاربة الاحتلال وإلى شعار محظور من قبل المحتل.
القميص الأول شاهدناه “اليكس ليباك” وأنا في بيت عزاء في مخيم بلاطة قبل شهرين، فتى ابن 16 الذي أطلق عليه الجيش 12 رصاصة وقتله، ربما ببندقية “إم 16”. منذ ذلك الحين لم نشاهد شارعاً فلسطينياً بدون شباب يرتدون القمصان السود والشعار. امتدت الموضة، هناك الآن ملابس رياضية وجرابات وأحذية، وفي القريب أيضاً الملابس الداخلية. الملابس الداخلية الإرهابية. الخط الجديد لجبهات الإرهاب يتطور. ستضطر قوات الاحتلال للانتقال إلى ملاحقة من يرتدون الملابس الداخلية. ستقام على الحواجز مراكز فحص خاصة، وأي فلسطيني سيمر فيها سيضطر إلى خلع ملابسه وإظهار ملابسه الداخلية، والنساء أيضاً يجب أن يظهرن الملابس الداخلية. جنود حرس الحدود سيجتازون تدريباً خاصاً لكشف الشعارات المخفية، وسيضيف المستعربون هذه القمصان إلى خزانة ملابسهم.
سيكون الفحص على الحواجز أكثر صرامة مما كان، على جانبي الملابس الداخلية كي لا تختفي “إم 16” في الطرف الداخلي. وإذا اكتشف أنها من موضة “إم 16” ستصادر على الفور وسيتم إحراقها في مكان خاص سيقام في كل حاجز. سيتم إرسال من يرتدونها لثلاثة أشهر سجناً إدارياً. هذه هي محاربة الإرهاب. وسيتم وضع أجهزة كشف على الجسور الأردنية، ثم تطويرها لكشف الشعار. وإذا ظهر هذا مضحكاً وخيالياً ومبالغاً فيه أو قبيحاً فإنكم لا تعرفون الاحتلال. مصادرة قمصان “إم 16” أمر يثير السخرية.
كلما دخل الاحتلال إلى مراحله القبيحة يتضح الأمل. لا إشارة مشجعة وأبدية لتعفنه وانحلاله أكثر من مظاهرة المثيرة للسخرية، وما أكثرها! ولكنه فرح الفقراء؛ فالاحتلال ما زال قوياً وخالداً. شعار “الايتسل”، يد تمسك ببندقية فوق أرض إسرائيل الكاملة التي تضم ضفتي نهر الأردن، هو شعار إسرائيلي أسطوري. “الهاغاناة” كتبت بالسيف، ومثلها “البالماخ” والجيش الإسرائيلي. في سوق البلدة القديمة في القدس، مسموح للفلسطينيين بيع قمصان باللون الأخضر وشعارات الجيش الإسرائيلي، هناك ما يكفي من السياح الجاهلين والأغبياء، يهوداً ومسيحيين، الذين يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي مصدر للفخر. ولكن محظور بيع موضة الـ “إم 16”. لماذا؟ لأن الاحتلال قرر بأن فيه تحريضاً. وفي القريب سيتم تقديم لوائح اتهام. العفو، تحريض على ماذا؟ على مقاومة الاحتلال؟ لكنه شرعي.
في جنازة بطلة شعبية ووطنية مثل شيرين أبو عاقلة، كان محظوراً عليهم رفع الأعلام. الاحتلال البريطاني لم يمنع أعلامنا، الاحتلال الإسرائيلي يمنع أعلامهم. في مفترق بلدة زعترة، مسموح رفع أعلام إسرائيل كما يفعل المستوطنون، وهكذا في جميع شوارع الضفة، رغم أن إسرائيل ليست هي السيد هناك كما يبدو، لكن في جنازة فلسطينية شرقي القدس محظور على الفلسطينيين رفع أعلامهم. أي علم مسموح لهم رفعه؟ وأي قميص مسموح لهم أن يرتدوه؟
بقلم: جدعون ليفي
هآرتس 19/5/2022