في سياق عالمي يتنامى فيه الاهتمام بالصحة ضمن سلم الأولويات، وبفعل ما عاشته البشرية من أضرار وخسائر في الأرواح على خلفية وباء كورونا وتداعياته، وبالنظر للحاجة الملحة اليوم إلى مساءلة المقاربة المعيارية التي أقرت بالإعمال التدريجي للحق في الصحة، بما يعنيه ذلك من كون النفاذ إلى هذا الحق يظل متغيرا ورهينا بمدى إقرار وإعمال الإرادة والإمكانات والوسائل من طرف معدي السياسات ذات الصلة.
وفي إطار استراتيجيته بشأن استدامة تتبع وتقييم السياسات العمومية الاجتماعية خلال 2018-2023، أعد الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان تقريره حول رصد وتقييم السياسة الصحية بالمغرب خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين 2012-2016، و2017-2021 . ولتشخيص وضعية الصحة العمومية بالمغرب تم الاستناد على المحددات المعيارية التالية:
الشمولية أو التوافر: بما يعنيه من إتاحة القدر الكافي والمستجيب لحاجيات السكان من المرافق والخدمات الوقائية والعلاجية والأدوية والبرامج الصحية العامة؛
إمكانية الولوج إلى الخدمات: بما يعنيه من تمكين جميع الفئات من الوصول إلى الخدمات والمرافق الصحية دون تمييز أو تعطيل بسبب معيقات مادية، وبما يضمن الولوج المادي والآمن للخدمات الصحية، بناء على مبدأ الإنصاف الذي يكفل القدرة للجميع على تحمل النفقات الصحية، ويشمل هذا المعيار أيضا إمكانية الوصول إلى المعلومة الصحية، دون المساس بحق سرية المعلومات الشخصية؛
المقبولية، حيث تكون المرافق والخدمات الصحية والأدوية مقبولة ثقافيا، وأن تراعي متطلبات الجنسين ودورة الحياة، وأن تغطي جميع الأشخاص المرضى والأصحاء، وجميع الفئات الاجتماعية.
الجودة، حيث تكون مناسبة علميا وطبيا وذات نوعية جيدة، ويتم تقديمها للمريض بيسر وفي الوقت المناسب.
الاستمرارية، حيث يتم تنظيم تقديم الخدمات الصحية بشكل مستمر ومنتظم على مدى دورة الحياة، وكيفما كانت الظروف الصحية. في ترابط مع معيار التركيز على الشخص والذي حوله ينبغي أن يتمحور تنظيم الخدمات، وليس حول المرض أو التكلفة.
وانطلاقا من هذه المحددات المعيارية للحق في العلاج استند الوسيط في رصده لوضعية الصحة بالمغرب إلى اعتبارين اثنين هما:
التمثيلية: حيث وقع الاختيار على قضايا يعتبرها الوسيط ممثلة ومعبرة عن الانشغالات الصحية الرئيسية للمواطنين والمرتفقين؛
التواتر: بما يعنيه من تركيز على العمليات التي تشكل جوهر المهام التي تنهض بها المنظومة الصحية، وكل ما يرتبط بالموارد البشرية والبنيات التحتية ومتطلبات العلاج والاستشفاء، ومستويات الفاعلين المعنيين باتخاذ القرارات ذات الصلة المباشرة بهذه المهام.
وبناء عليه، تم تحديد المحاور الموضوعاتية وتنظيم الرصد والتقييم على أساسها، وهي الخدمات الصحية، والسياسة الدوائية والتمويل والحكامة في قطاع الصحة العمومية، ويتحدد الهدف من تحديد هذه المحاور ومؤشرات تقييمها، في محاولة الإجابة عن مدى توفر الخدمات في شموليتها وتنوعها وجودتها وسهولة الوصول إليها. بموازاة تقييم مؤشرات السياسة الدوائية والحكامة في قطاع الصحة، والتوقف عند الفاعلين المعنيين مباشرة باتخاذ القرارات وكيفية اتخاذها ودرجة المشاركة.
وبخصوص المقاربة المعتمدة، فإن استثمار المؤشرات القائمة على حقوق الإنسان لقياس ورصد الإعمال التدريجي كبعد متغير، يعتبر نهجا مناسبا عندما يتم الجمع بينه وبين المعايير المرجعية. وتؤدي كل من المؤشرات والمعايير وظيفتين ذات أهمية على مستوى:
المساعدة على رصد التقدم المحرز في إعمال الحق في الصحة، وتوجيه عمليات التخطيط وتعديل السياسات العامة للصحة؛
ومساءلة الدولة ومؤسساتها بشأن المجهودات التي تبذلها للإعمال الفعلي للحق في الصحة.
ويعتبر نهج المؤشرات القائم على حقوق الإنسان إطارا تحليليا لإعمال الحق في الصحة فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى العلاج، ومدى إتاحته، ودرجة مقبوليته، ومستوى جودته. وقد تم استخدام المؤشرات الصحية لرصد مختلف هذه الجوانب بشكل يتوافق مع معايير الحق في الصحة، والحرص على تصنيف تلك المؤشرات، عند الضرورة، بحسب الجنس والانتماء الترابي (حضري/ قروي)، بشكل يعكس الاهتمام بمبدأ العدالة والمساواة وعدم التمييز، كما تم التركيز أيضا على أن تعكس المؤشرات توفر الدولة على استراتيجية وخطة عمل لضمان العلاج، ومشاركة الأفراد والجماعات في صياغة السياسات والبرامج الصحية، والوصول إلى المعلومات ذات الصلة، وتوفر آليات الرصد والمساءلة.
إن اختيار الوسيط الاعتماد على نهج المؤشرات القائم على حقوق الإنسان يعود إلى الاعتبارات التي تهدف بالأساس إلى تعزيز وتطوير ممارسة تتبع وتقييم السياسات العمومية القائمة على مقاربة حقوق الإنسان؛ واستدامة دور الفاعل المدني في اليقظة تجاه مدى إعمال التعهدات ذات الصلة بالسياسات الاجتماعية من خلال تعزيز التفاعل القبلي والموازي والبعدي مع مختلف الاستحقاقات المرتبطة بإعداد وتنفيذ السياسات العمومية. وإسناد ممارسة الرصد والتقييم إلى مجهود فكري وعلمي قادر على توفير وتقوية عناصر الإقناع.
وبناء عليه، فإن رصد دينامية الفعل العمومي عبر مسار السياسة العامة، والتدخلات، وناتج الوضع الصحي، قد شكل الدافع المنهجي وراء تبني نموذج التصنيف الثلاثي لنهج المؤشرات القائم على حقوق الإنسان المعتمد دوليا، وهو النموذج الذي يوزع المؤشرات إلى ثلاث فئات أساسية:
مؤشرات هيكلية: تتعلق بما إذا كانت الهياكل والآليات الأساسية التي تعتبر ضرورية لإعمال الحق في الصحة قائمة أم لا، وذلك من قبيل التصديق على معاهدات دولية، أو إقرار قوانين وسياسات وطنية، أو آليات مؤسسية أساسية تيسر إعمال الحق في الصحة.
مؤشرات عملياتية: وتهم تقييم البرامج والأنشطة وعمليات التدخل، وتقيس الجهد الفعلي المبذول من طرف الدولة، كما أنها تساعد على توقع نتائج هذا الجهد.
مؤشرات نتائج: وهي التي تمكن من قياس تأثير البرامج والأنشطة والتدخلات على الوضع الصحي.
وإذ حاول هذا التقرير ملامسة مختلف هذه المؤشرات على مستوى المحاور الموضوعاتية، فإنه من اللازم التنبيه إلى أن الاشتغال على قائمة محددة من المؤشرات دون غيرها يجد مبرره في الامكانيات الذاتية، والأهداف التي تم تحديدها، وكذلك المعطيات الكمية والنوعية التي تم الوصول إليها بالنسبة لكل مؤشر.
كما ينبغي التنبيه أخيرا إلى أن مضامين هذا التقرير لا تدعي الإحاطة بوضعية الصحة العمومية في مختلف مستوياتها ومكوناتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فعدم إدراج القطاع الخاص ضمن مجال الاهتمام لا يعني بالضرورة تجاهل أحد مكونات المنظومة الصحية ببلادنا، بل يرجع بالأساس إلى اعتقاد الوسيط بأن خوصصة القطاع أو تدبيره بالتفويض يتطلب دراسة مستقلة بمؤشرات وأهداف أخرى. وينطبق الأمر نفسه على عدم التركيز على المحددات غير الطبية للصحة العمومية، كالمحددات الاجتماعية مثل الفقر والسكن والتعليم والتغذية، وكذا بعض المظاهر مثل التدخين والمخدرات والسمنة، والتي يشكل التحسيس بخطورتها على الصحة العامة أحد تدابير الطب الوقائي.
كما لا يفوت الوسيط تقديم شكره لوزارة الصحة على التواصل والتفاعل الايجابي بتمكينه من المعطيات المحددة في مراسلاته، وكذا امتنانه لفريق عمل الوسيط وللخبرات المحيطة به، والتي عملت بتفان على إعداد هذا التقرير وفق مقاربة متجددة في التعاطي مع تحديات تتبع وتقييم السياسات العمومية، ونخص بالذكر كل من الأستاذ عبد الهادي نعيم الذي أشرف على إعداد هذا التقرير، وساهم فيه كل من السيدات والسادة نزهة الدودي، حياة مشنان، أشرف شهبون، إسماعيل أزواغ وجهاد بلغزال، كما نتقدم بالشكر والامتنان للأستاذة خديجة مروازي والأستاذ عبد الرزاق الحنوشي على تفضلهما بمراجعة التقرير، ونتقدم أيضا بالشكر الخالص للدكتور الطيب حمضي الباحث في السياسات والنظم الصحية والدكتور أيمن قشوشي المتخصص في الصحة النفسية والعقلية على حسن تعاونهما.
المحور الأول: الخدمات الصحية: التوفر، الولوج والجودة
- بخصوص الالتزامات على مستوى البرنامج الحكومي، 2012-2016، تم الربط بين الحق في الصحة والسياسة البيئية المتكاملة والتنمية المستدامة. بما يوحي باعتماد مقاربة تأخذ بعين الاعتبار العلاقات القائمة بين الحق في الصحة ومحيطه الذي يؤثر فيه، وبالتالي إدماج مقاربة وقائية استباقية.
- وليؤكد البرنامج الحكومي الموالي 2017-2021، على الربط بين الحق في الصحة والإطار العام للجهوية المتقدمة ، كما التزم بـ” توسيع الاستفادة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وحقوق الفئات الخاصة، ومنها حقوق الطفل وحقوق نزلاء المؤسسات السجنية والأشخاص في وضعية إعاقة والمهاجرين واللاجئين، والأشخاص المسنين وحقوق الإنسان في العصر الرقمي” .
- هذا الربط، بقدر ما يعد منطقيا، استدعى، حسب البرنامج الحكومي، “ضرورة وضع أهداف واقعية وطموحة وقابلة للتحقيق في أفق 2016” . وضمن هذا المنظور، وعلاقة بهذا المحور المتعلق بالولوج إلى الخدمات الصحية وتوفرها، التزمت الحكومة (2012-2016)، بتجويد القطاع وتحسين الاستقبال وتوفير الخدمات الصحية اللازمة للعموم بشكل عادل يضمن الولوج المتكافئ إلى الخدمات الصحية الأساسية ؛ وتحسين ظروف وجودة الاستقبال بالمرافق الصحية .
- وسيعود البرنامج الحكومي 2017-2021 إلى التركيز على البنيات التحتية بشكل أكبر من خلال الالتزام بـ” إطلاق برنامج وطني لتأهيل البنيات الاستشفائية والتجهيزات والمعدات والموارد الصحية مركزيا وترابيا، وخاصة بالعالم القروي ؛ وتقوية برنامج الصحة المتنقلة بالعالم القروي . و” تفعيل مقتضيات الخريطة الصحية” .
- وكان البرنامج الحكومي (2012-2016) قد التزم بتوفير خدمات القرب في المجال الصحي والمتمثلة في الرعاية الأولية عبر تدعيم شبكة العلاجات الأساسية خاصة في الوسط القروي، مع الاعتماد على الوحدات الطبية المتنقلة ؛ وتأطير وتدعيم المنظومة الصحية من خلال وضع خريطة صحية قائمة على توزيع عادل بين الجهات والمجالات .
- كما التزم بالرفع من عدد مهنيي القطاع ووضع شروط تحفيزية لتشجيع التعاقد مع أطباء القطاع الخاص لسد الخصاص المسجل في بعض المناطق، والإسراع بإصدار قانون ينظم الشراكة الاستراتيجية بين وزارة الصحة والقطاع الخاص . وسيقدم التصريح الحكومي 2017-2021 حلولا وتدابير لمواجهة النقص الحاصل في الموارد البشرية وتأثيره على الولوج إلى الحق في العلاج من خلال ” الرفع من المناصب المالية المخصصة للقطاع، ووضع شروط تفضيلية”؛ و”تعزيز كفاءات المهنيين الصحيين والإداريين”؛ و”الرفع من عدد طلبة مهن الصحة”؛ و”استقطاب الأطباء المتخصصين للجهات التي تعاني من خصاص، وذلك وفق شروط محفزة وبشراكة مع الجهات”؛ و” انتداب أطر طبية من القطاع الخاص أو العام للاشتغال على الأقل مرة في الأسبوع بالمراكز الصحية القروية المقفلة”؛ و”استثمار كفاءات الأطر الطبية وشبه الطبية المحالة على التقاعد، وذلك من خلال التعاقد معها لأداء بعض المهام المحددة”؛ و” التعاقد مع مهنيي الصحة لفتح المراكز الصحية المغلقة بالعالم القروي” .
- وفي سياق الالتزام بهذا الإطار المعياري، وتنزيلا لأحكام الدستور المتعلقة بإعمال الحق في الصحة، صدر القانون الإطار رقم 09. 34 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات . الذي يقتضي رصد مستوى التزام الحكومة بتنزيل أحكام الإطار المعياري الدولي والالتزامات الدولية ذات الصلة بالحق في الصحة، في ضوء ما ورد في البرنامجين الحكوميين بخصوص تقييم العرض الصحي، من خلال العديد من المؤشرات، والاشتغال على مستويين : مستوى توفر البنيات التحتية والخدمات الصحية العامة والمتخصصة، ومستوى تيسير الولوج إليها.
أولا: بخصوص توفر الخدمات الصحية والمتخصصة
المؤشر الأول: البنية التحتية الصحية
- تتوفر ثمان جهات على مستشفى واحد لكل جهة ؛ في حين تتوفر جهتان على مستشفيين لكل جهة منهما، وجهتان على ثلاثة مستشفيات لكل جهة، وهو ما يعكس تفاوتا مجاليا بين الجهات في عدد الوحدات الاستشفائية الجهوية؛
- إن الجهات التي تتوفر على أكثر من مستشفى جهوي هي جهات مستحدثة بعد 2011، حيث تم دمج جهتين على الأقل في جهة واحدة (جهتي طنجة -الحسيمة، وفاس -مكناس)، وليترتب عنه توفير البنيات التحتية للجهات التي أصبحت جزءا منهما. غير أن جهة مثل الرباط سلا القنيطرة لا تتوفر سوى على مستشفى جهوي واحد رغم إدماج جهتي الغرب شراردة بني احسن وجهة الرباط سلا القنيطرة، مع الإشارة إلى أن المستشفى الجهوي بالقنيطرة يوجد في طور الإنجاز.
- ورغم التفاوت المجالي في البنيات الصحية الناتج عن التقسيم الإداري الجديد ، فإنه لم يتم العمل على تدارك ذلك بجعل العرض الصحي على مستوى البنية التحتية يساير هذه المتغيرات الإدارية التي يفرضها بالضرورة تغير في البنية الديمغرافية للجهات.
- وليبدو الخصاص واضحا في الجهات الكبرى التي يرتفع عدد سكانها، حيث تمثل ثلاث جهات ثلث سكان البلاد، بينما لا تتوفر سوى على ثلاثة مستشفيات جهوية.
- وباستثناء ثلاث جهات تتوفر فيها مستشفيات إقليمية أكثر من عدد أقاليمها، وجهة واحدة يعادل عدد أقاليمها عدد مستشفياتها، فإن باقي الجهات تسجل عجزا يتراوح بين -1 و-2، وهي أقاليم تنعدم فيها الوحدات الصحية المعنية، ويفرض فيها على المواطنين.ات التوجه نحو الأقاليم أو الجهات المجاورة.
- لا تتوفر جهات المغرب بالوسط الحضري، تحديدا، على عدد كافي من المؤسسات الصحية الأولية، عكس الوضعية القائمة بالوسط القروي، إذ يبدو أن عدد الوحدات الصحية الأولية بها، على المستوى الكم، يستجيب للمعيار الدولي في بعض الجهات، في حين تعاني باقي الجهات من خصاص كبير على هذا المستوى. إضافة إلى اختلال وعدم التوازن في توزيعها داخل نفس الجهة.
المؤشر الثاني: التأطير الطبي وشبه الطبي ومؤشر التوزيع بالنسبة لكل 10000 شخص
- تكشف وضعية توزيع الأطباء بين الجهات عن سمتين بارزتين:
سمة التباين واللاعدالة المجالية: إذ لا يتعلق الأمر بالتفاوت الكبير بين الجهات من حيث عدد السكان، بل يبقى الفرق قائما حتى بين جهات تتساوى من الناحية الديمغرافية؛
سمة التركيز: إذ يتمركز أكثر من ثلث الأطباء في جهتي الدار البيضاء سطات والرباط سلا القنيطرة. وبإضافة جهتي مراكش أسفي وفاس مكناس، تستحوذ أربع جهات بالمملكة على 7601 طبيب، أي بنسبة 67,86 ٪ من العدد الإجمالي.
- وبالنسبة لوضعية التأطير شبه الطبي على المستوى الوطني، يظهر التوزيع على هذا المستوى الوطني ارتفاعا في الطاقم شبه الطبي العامل بالشبكة الاستشفائية، يصل إلى ضعف الطاقم العامل بشبكة مؤسسات الرعاية الصحية الأولية؛
- في مقابل ذلك، يسجل على المستوى الحضري والقروي تفاوتا يزيد عن الضعف، بكل من جهتي الدار البيضاء سطات والرباط سلا القنيطرة، وقد يرتفع ليبلغ الضعفين في جهة العيون الساقية الحمراء.
- كما تكشف التغطية الطبية وشبه الطبية بالنسبة لعدد السكان عن معدل وطني يصل إلى 3,18 طبيب لكل 10000 شخص، وإلى 8,82 ممرض وممرضة لكل 10000 شخص. أما على المستوى الترابي فإن عددا من الجهات تتواجد تحت المعدل الوطني .
المؤشر الثالث: عدد الأسرة بالنسبة لكل 10000 شخص
- يتباين هذا المؤشر ترابيا في نطاق يتراوح بين أدنى معدل 2,61 سرير لكل 10.000 مواطن(ة) مسجل بجهة الرباط سلا القنيطرة، وأعلى معدل مسجل بجهة العيون الساقية الحمراء 13,6 سرير لكل 10000 شخص، في حين لا يتعدى هذا المؤشر وطنيا معدل 4,35 سرير لكل 10000 شخص، بينما يصل المعدل العالمي إلى 2,89 سرير لكل 1000 شخص فقط .
- تتوفر جهة الدار البيضاء سطات على الطاقة الايوائية الأعلى على مستوى الأسرة، تصل إلى 2546 سرير، أي بنسبة 16,36 ٪، تليها جهة فاس مكناس بنسبة 14,73 ٪، بسعة تصل إلى 2254 سرير، وتتوفر باقي الجهات على سعة سريرية تراوح بين 2000 و1000سرير، لتنخفض السعة إلى ما يعد ببضع مئات بجهتي العيون الساقية الحمراء وكلميم واد نون، بينما لا تتوفر جهة الداخلة واد الذهب سوى على 80 سريرا كأدنى سعة، وبنسبة لا تمثل سوى 0,52 ٪.
المؤشر الرابع: عدد وتوزيع المؤسسات التي تقدم خدمات متخصصة
- يبدو النقص الحاصل في البنيات الصحية التي تقدم خدمات متخصصة واضحا. وحتى في حالة توفرها تخضع لتوزيع غير عادل، يكشف عن تمركزها بجهات محددة، ومتاخمة لبعضها مثل جهة طنجة تطوان الحسيمة، وهي الجهة الوحيدة التي تتوفر فيها جميع البنيات، والجهة الشرقية وجهة فاس مكناس. في حين، لا تتوفر الجهات الثلاث للمنطقة الجنوبية الشاسعة والمتاخمة لبعضها، سوى على وحدتين لتقويم العظام من مجموع أنواع المؤسسات الطبية الاجتماعية العمومية، كما لا تتوفر على وحدات متخصصة في الأمراض العقلية والنفسية وعلاج داء السرطان .
- هذا التفاوت المجالي في المؤسسات الصحية المتخصصة يصبح أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بتخصص علاج داء السرطان، حيث تستحوذ خمس جهات فقط على المراكز السبعة المتوفرة، بل إن أربعة من هذه المراكز تتوطن في جهتين فقط هما جهة طنجة تطوان الحسيمة وجهة فاس مكناس.
المؤشر الخامس: التأطير الطبي وشبه الطبي بالمؤسسات التي تقدم خدمات صحية متخصصة
- تتكون شبكة المؤسسات الطبية الاجتماعية بأصنافها الأربعة من 110 مؤسسة موزعة على المستوى الترابي، بشكل لا يخضع لنهج واضح في تخطيط البنيات الاستشفائية. ومع أنه يفترض أن هذه البنيات تقدم خدمات متخصصة إلا أن تأطيرها الطبي في الأغلب هو طب عام؛ حيث يصل إلى 86 طبيبا من أصل 130 طبيبا بمجموع المؤسسات، أي بنسبة 66.15 ٪، وذلك مقابل 44 طبيبا متخصصا بنسبة 33,85 ٪ .
- رغم أن جهات تتواجد بها مراكز مرجعية للصحة الإنجابية، مثل طنجة تطوان الحسيمة (7 مراكز) والشرق وسوس ماسة (3 مراكز لكل منهما) ودرعة تافيلالت (مركزان) والداخلة واد الذهب وبني ملال خنيفرة (مركز لكل منهما) بينما لا توجد القابلات من بين أطرها شبه الطبية.
- تتوفر جهة العيون الساقية الحمراء على 3 مراكز لتصفية الدم ومركزين لعلاج الأمراض التنفسية ومركزا جهويا لتحاقن الدم ومركزا لتقويم العظام. ويبدو أنها تخضع، جميعها، لتأطير شبه طبي؛ إذ لا يوجد بها طبيب متخصص أو حتى عام. أما جهة الداخلة وادي الذهب فيوجد بها مركز لتصفية الدم ومركز لتحاقن الدم ومركز لعلاج الأمراض التنفسية ومختبر للصحة العمومية، كل ذلك مع عدم وجود أي إطار طبي أو شبه طبي.
ثانيا: الولوج إلى الخدمات العلاجية
المؤشر السادس: معدل عدد الفحوصات بالنسبة لكل 10000 شخص
- يكشف مؤشر عدد الفحوصات لكل 10.000 شخص عن جانب آخر من جوانب الضعف التي تسم الولوج إلى الخدمات العلاجية بالمغرب، عموما، وعلى المستوى الترابي، بشكل خاص؛ إذ لا يستفيد الفرد سنويا سوى مما يناهز 0,65 فحصا طبيا، و0,83 فحصا شبه طبي، باستثناء جهة كلميم واد نون التي يستفيد الفرد فيها من حوالي 1,09 فحصا شبه طبي، وجهة فاس- مكناس حوالي 1 فحصا شبه طبيا لكل فرد. وتبقى جميعها، وفي كل الأحوال، معدلات ضعيفة .
- يكشف تحليل المعطيات الكمية المتعلقة بعدد الفحوصات المتخصصة المقدمة للمرضى غير الخاضعين للاستشفاء، عن ضعف مقلق لمستوى الولوج إلى هذا النوع من الخدمات العلاجية. فالمعدل الوطني لا يتعدى 918,25 فحصا خلال سنة 2019، لكل 10000 شخص، وهو ما يعني 0,91 فحصا لكل شخص.
- لا تختلف كثيرا المعدلات المسجلة ترابيا عن المعدل الوطني؛ إذ يناهز أعلى معدل، وهو المسجل بجهة العيون الساقية الحمراء، 1.365,74 فحصا لكل 10.000 شخص خلال سنة 2019، أي 0,14 فحصا للشخص الواحد، ويؤكد هذا المعدل وضعية القلق إزاء محدودية الولوج إلى الفحوصات المتخصصة على المستوى الترابي أيضا.
المؤشر السابع: الخدمات الطبية الاستعجالية
- يتحدد عرض العلاجات الطبية الاستعجالية على مستوى المستعجلات الطبية للقرب، وطنيا، في 89 وحدة. وعلى مستوى مستعجلات ما قبل الاستشفاء في 1079 سيارة للإسعاف الأساسي، و86 سيارة للإسعاف الطبي الاستعجالي، و4 مروحيات للنقل الطبي الاستعجالي. أما على مستوى المستعجلات الطبية الاستشفائية، فهناك 138 وحدة بسعة سريرية تصل إلى 992 سريرا للمستعجلات و557 سريرا للإنعاش .
- وتتوزع هذه البنية ترابيا بشكل متباين بين الجهات، مما يكرس وضعية اللاعدالة المجالية في الولوج إلى الخدمات الطبية الاستعجالية، على الرغم من أن هذا النوع من الخدمات يشكل الوجهة الصحية الأولى للمريض.
- يتسم عرض العلاجات الاستعجالية بالضعف، وهو أمر تؤكده وزارة الصحة نفسها؛ إذ سلمت بأن عرض العلاجات الطبية الاستعجالية يعاني من نقاط ضعف كثيرة، منها النقص في الموارد البشرية في مختلف أصناف الخدمات الاستعجالية، وبأن العديد من وحدات المستعجلات الطبية للقرب التي تم إحداثها وتجهيزها بالمعدات الضرورية للتكفل بالحالات المستعجلة، لم يتم تشغيلها بسبب نقص في الموارد البشرية، وهو أمر يطال، أيضا، حسب وزارة الصحة، مصالح المستعجلات الاستشفائية، إذ تعاني هي الأخرى من محدودية الموارد البشرية، إضافة إلى تقادم البنايات الصحية، ومن خلل تدبيري متمثل في التأخر في تنفيذ الصفقات.
- بالنسبة للنقل الطبي الاستعجالي عبر المروحيات وسيارات الإسعاف، وإن كان يشكل عاملا حاسما في منحى تحسين الخدمات الطبية الاستعجالية، فإنه يصطدم بضعف الميزانية وبضعف الموارد البشرية، وبندرة مقدمي الخدمات بالنسبة للمروحيات، فضلا عن بعض المعايير التقنية المرتبطة بالتنقل الجوي. وهي كلها أمور تزيد من صعوبات الولوج إلى الخدمات الطبية الاستعجالية.
المؤشر الثامن: الاستشفاء
- توفر 145 مؤسسة استشفائية بالمغرب 22.039 سريرا للاستشفاء، وهو الأمر الذي نتج عنه حركية للمرضى طلبا للاستشفاء بالمؤسسات الاستشفائية العمومية، تجلت في شكل إيواء استشفائي (دخول كامل) بلغ 1.130.576 حالة، وذلك بمجموع عدد أيام استشفاء وصل إلى 4.807.385 يوما. ويتوافق على المستوى الجهوي، شكل توزيع هذه المعطيات الوطنية مع عدد المؤسسات الاستشفائية المتوفرة بكل جهة، وعدد الأسرة المتاحة للاستشفاء بهذه المؤسسات، ذلك ما يعكسه تناسب ترتيب الجهات على مستوى أعداد المرضى الذين استفادوا من الاستشفاء، ومجموع أيام الاستشفاء مع السعة السريرية التي تتيحها المؤسسات الاستشفائية المتوفرة بكل جهة .
- يصل المعدل الوطني لإشغال الأسرة بالمستشفيات العمومية إلى 59,7 ٪، ويتباين هذا المعدل على المستوى الترابي بنسب تتراوح بين 37,3 ٪ بجهة الداخلة واد الذهب و66,3 ٪ بجهة مراكش أسفي. وإذا كان ارتفاع معدل إشغال الأسرة يؤشر، في الغالب، على مستوى أفضل في استخدام الطاقة السريرية للمستشفيات، فإن المعدلات المسجلة بالمستشفيات العمومية الوطنية تستقر عموما في المستوى المتوسط وما دون المتوسط، وهو ما يمكن اعتباره خللا في استخدام الإمكانات السريرية المتاحة بهذه المستشفيات .
- يعتبر ارتفاع معدل دوران الأسرة مؤشرا على الاستخدام الأفضل والرشيد للطاقة السريرية بالمستشفيات، وبالتالي فإن وقوع معدلات الدوران المسجلة وطنيا وترابيا في المستوى المتوسط وانخفاضه إلى ما دون المتوسط في بعض الجهات، يؤشر على الخلل التدبيري المشار إليه ويؤكده.
ثالثا، مؤشرات خدمات الصحة النفسية والعقلية
المؤشر التاسع: الإطار التشريعي للصحة العقلية والنفسية بالمغرب
- تتوزع المنظومة القانونية المتعلقة بالصحة العقلية بين قانون خاص ومقتضيات أخرى مبثوتة في قوانين الصحة العامة من قبيل النصوص الخاصة بتنظيم عرض العلاجات والتنظيم الاستشفائي، والمقتضيات المرتبطة بالجانب العدلي والمنصوص عليها بالقانون الجنائي، وغيرها من المقتضيات المتفرقة بين نصوص أخرى. وبالنسبة للتشريع المستقل والخاص بالصحة النفسية والعقلية، فقد نحا المغرب منذ سنة 1959 باتجاه وضع قانون خاص بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها.
المؤشر العاشر: خدمات الصحة النفسية والعقلية والحق في الولوج إليها
- تتوفر الخريطة الصحية، بالإضافة إلى البنية المختصة في الأمراض العقلية على 20 مصلحة مدمجة بالمستشفيات العامة بسعة سريرية تصل إلى حوالي 773 سريرا، كما أن خدمات الاستشارة للمصابين بالاضطرابات العقلية تقدم على مستوى مؤسسات الرعاية الصحية الأولية وذلك بحوالي 80 مركزا صحيا ، وتقدم أيضا خدمات التشخيص والعلاج بالمراكز المتخصصة المنشأة باعتبارها بنيات لدعم مؤسسات الرعاية الصحية الأولية، وعددها 66 مركزا.
- تكشف معطيات التوزيع الترابي للمؤسسات الاستشفائية المتخصصة في الطب العقلي عن النقص الكبير والواضح في المرافق الصحية على مستوى الجهات: حيث 6 جهات لا تتوفر على أي وحدة استشفائية للطب العقلي، و3 جهات تتوفر على مستشفى جامعي للأمراض العقلية بكل جهة منها، وجهة واحدة تتوفر على مستشفيين إقليميين، وجهة واحدة تتوفر على مستشفى جهوي وآخر إقليمي، بينما جهة واحدة فقط هي التي تتوفر على الأنماط الاستشفائية الثلاثة.
- ويرتبط بهذا التفاوت في البنيات الاستشفائية المختصة في الأمراض العقلية تفاوت ترابي في الكثافة السريرية؛ حيث نجد أن مجموع الأسرة المشغلة هو 1229سريرا، تتوزع بين الجهات الست التي تتوفر على بنية استشفائية بواقع 350 سريرا بجهة الدار البيضاء سطات، و345 سريرا بجهة مراكش أسفي، و195 سريرا بجهة طنجة تطوان الحسيمة، و184 سريرا بجهة الرباط سلا القنيطرة، و87 سريرا بجهة فاس مكناس، و68 سريرا بجهة الشرق.
- يعكس التوزيع الترابي غير المتكافئ للبنيات الاستشفائية المتخصصة في الطب العقلي والكثافة السريرية المرتبطة بها وضعية اللاعدالة والميز المجالي، وهي وضعية، وإن كانت تبدو شبيهة بما تمت الإشارة إليه بخصوص التوزيع الترابي لمرافق الصحة البدنية، فإنها أكثر إعاقة للولوج إلى خدمات الرعاية الصحية فيما يتعلق بمرافق الصحة النفسية والعقلية.
- بخصوص المعطيات المتعلقة بالطاقة السريرية لعلاج الأمراض النفسية والعقلية، وإذا أضفنا مجموع الأسرة المشغلة بالوحدات الاستشفائية الجامعية والجهوية والإقليمية إلى عدد الأسرة بالمصالح المدمجة بالمستشفيات العامة، فإنها تصل إلى حوالي 2002 سريرا، وهو ما يعني أن الكثافة السريرية تتحدد في 0,57 سريرا، أي أقل من سرير لكل 10000 شخص، وهو ما يعكس الفارق الكبير الذي يُبعِد المغرب عن المعدل العالمي المحدد في 4,36 سريرا لكل 10000 شخص، وبالتالي وضوح الصورة فيما يتعلق بالولوج إلى خدمات الصحة النفسية والعقلية.
- ومما يعمق صعوبة الولوج هذه، الخصاص الكبير في المنظومة الصحية المغربية على مستوى التأطير الطبي وشبه الطبي عموما، وفي مجال الصحة النفسية والعقلية بشكل خاص؛ إذ لا يوجد بالمغرب سوى 197 طبيبا و753 ممرضا مختصا ، وهو ما يعني أن كثافة التأطير الطبي وشبه الطبي لا تتعدى 0,56 طبيبا و2,14 ممرضا لكل 100.000 شخص، وهي وضعية تبتعد كثيرا عن المعدل العالمي الذي يصل إلى 3,96 طبيب و12,97 ممرض لكل 100.000 شخص.
المحور الثاني: السياسة الدوائية
- تمثل السياسة الدوائية إطارا عاما ومشتركا للتعاطي مع مشاكل قطاع الدواء والصيدلة، يتعلق الأمر بوثيقة للسياسة الوطنية العمومية يتم وضعها وفق نهج رصد المشاكل والحاجيات ورسم الخطط في إطار تصور شامل للسياسة الصحية، يمكن من توجيه التدخلات نحو تحقيق الأهداف والنتائج الفعالة والناجعة.
- ويتعين على كل سياسة دوائية وطنية أن تشمل مجموعة من العناصر التي تمثل المخرجات الأساسية لهذه السياسة. وتتمثل هذه العناصر في التشريع الدوائي المقنن والمنظم لمسار تحقيق الأهداف المحددة للسياسة الدوائية، تحديد اللائحة الوطنية للأدوية الأساسية، ضبط سعر اقتناء الدواء من طرف المواطنات والمواطنين، وضع نظام للإمداد والتوزيع الدوائي، التحسيس والتثقيف لتحسين الاستخدام الرشيد للدواء، تأهيل الموارد البشرية كما ونوعا وتحقيق عدالة الانتشار المجالي، ووضع نظام الرصد والتتبع والتقييم والمراقبة.
- في هذا السياق، فإن كل عمل تقييمي للسياسة الدوائية الوطنية ينصب على مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالعناصر التي تشكل محتوى هذه السياسة. من بين أهم هذه المؤشرات ما يلي:
المؤشر الأول: الإطار الدستوري والقانوني للولوج إلى الدواء في إطار إعمال الحق في الصحة
- ينص الدستور المغربي على الحق في العلاج والعناية الصحية، وذلك وفق تراتبية دالة على الحرص الواعي بأهمية الحق في الصحة، بالنظر إلى ارتباطه بالحق في الحياة. وإذا كان التنصيص الدستوري على الحق في الولوج إلى الدواء قد ورد بشكل ضمني، بما يعنيه ذلك من التزام قانوني للسياسة العمومية للدولة في مجال العلاج والعناية الصحية وضرورة الحرص على احترام وحماية وضمان إعمال هذا الحق، فقد عمل القانون على وضع الأحكام والمقتضيات المؤطرة لسياسة الدولة في مجال الدواء. ويمكن الإشارة إلى ما يلي من قوانين :
– القانون الإطار رقم 09. 34 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات، الذي صدر تطبيقا لالتزامات المغرب في إطار الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالصحة، ويهدف إلى تحديد المبادئ والأهداف الأساسية لعمل الدولة في مجال الصحة، وإلى تنظيم المنظومة الصحية. وعلاقة بالسياسة الدوائية، ينص هذا القانون على مسؤولية الدولة فيما يتعلق بالالتزامات المرتبطة بتوافر الأدوية وتيسير الولوج إليها، وقواعد سلامة المنتجات وجودتها.
– القانون رقم 04. 17 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، والذي يشكل، مع النصوص التنظيمية المرتبطة به، الإطار المرجعي الأساس للتشريع الدوائي؛ حيث انطلق من وضع إطار للمفاهيم المتعلقة بالدواء، ونص على الأحكام المتعلقة بتصنيع الأدوية واستيرادها وتصديرها وبيعها وتوزيعها وعنونتها، والأحكام المتعلقة بالصيدلة، وأماكنها، وشروطها، وقواعد مزاولتها، وعلى تنظيم التفتيش والمراقبة الصيدلية، وعلى كيفيات تدخل مختلف الفاعلين في قطاع الأدوية. كما حدد الإجراءات الإدارية والعقوبات القانونية في حال مخالفة أحكام التشريع الدوائي.
– القانون رقم 00. 65 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، الذي انطلق، في ديباجته، من تكريس مبدأ الحق في الصحة كما تنص عليه المواثيق الدولية. ويعتبر هذا القانون الأساس الذي تقوم عليه الحماية الاجتماعية في ميدان الصحة، إذ ينص على إرساء نظام إجباري للتغطية الصحية قصد تحقيق الولوج الشامل إلى العلاجات الصحية والأدوية، باعتبارهما خدمات حيوية لضمان الصحة العامة. وعلاقة بالسياسة الدوائية، نص القانون على أن من بين الخدمات التي يضمنها نظام التأمين الإجباري الأساسي، إرجاع مصاريف الأدوية المقبول إرجاعها، وذلك وفق التعريفة المرجعية الوطنية المحددة في الثمن العمومي للأدوية. كما يضمن نظام المساعدة الطبية، من بين الخدمات اللازمة طبيا، تغطية الأدوية والمواد الصيدلية المقدمة في العلاج.
- وعلى الرغم من التقدم المنجز في مجال التشريع الدوائي المغربي، فإن وضعية الولوج إلى الدواء ما تزال تعرف مجموعة من النقائص والثغرات ذات الطبيعة القانونية والتنظيمية. ويمكن الإشارة إلى ما يلي:
– تعقد المساطر وتوزعها بين المتدخلين بشكل ينتج عنه تقلص العرض الدوائي لتقلص هامش المنافسة بين المهنيين، مما يؤثر على أسعار الدواء، وعلى مستوى الإقبال عليه.
– تشتت المقتضيات والأحكام القانونية والتنظيمية بين مجموعة من القوانين والمدونات، إضافة إلى كثرة النصوص التنظيمية والتطبيقية، مما يسم التشريع الدوائي بغياب الانسجام والتناسق بين مصادره، وبالنقص في مسارات تنفيذ مقتضياته.
المؤشر الثاني: وثيقة السياسة الدوائية الوطنية
- تعتبر صياغة وإعداد وثيقة السياسة الدوائية الوطنية والشاملة وتنفيذها واحدة من التوصيات الأساسية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية الموجهة لجميع البلدان، وذلك لتوجيه التدخلات وتنسيقها بشكل منهجي للتعاطي مع مشكلات الدواء وضمان الوصول إليه، على أن يتم ذلك بشكل يضمن مشاركة مختلف المتدخلين في مجال الدواء، ثم بشكل يتعامل مع السياسة الدوائية كجزء لا يتجزأ من النظام الصحي العام.
- في هذا السياق، وتنزيلا لأولويات الاستراتيجية القطاعية للصحة 2012 ـ 2016، قامت وزارة الصحة بإعداد وثيقة السياسة الدوائية الوطنية، وذلك بغاية تحديد رؤية واضحة بأهداف محددة لضمان الولوج إلى الأدوية والمنتجات الصيدلية، مع تأمين تطور قطاع الصيدلة، وقد تم ذلك، حسب الوزارة، نتيجة عمل تشاوري وتشاركي وبتنسيق مع جميع الأطراف المعنية بالأدوية والمنتجات الصحية، وبدعم تقني من منظمة الصحة العالمية في الجانب المنهجي وعلى مستوى صياغة الوثيقة .
- وهي الوثيقة التي تأسست على تحليل وضعية قطاع الأدوية والصيدلة، وذلك من زاوية الوفرة والولوج، السلامة والجودة، الاستعمال الرشيد والأخلاقيات، والإطار القانوني. وليتم، بعد ذلك، تحديد الهدف العام للسياسة الدوائية متمثلا في الإعمال الفعلي للحق في الصحة لجميع السكان بالمغرب، كما تم التنصيص عليه دستوريا، وذلك من خلال ضمان ولوج الجميع للأدوية الأساسية ذات الجودة العالية والأثمنة المناسبة مع الاستعمال الرشيد.
- وإذا كانت السياسة الدوائية الوطنية هي رؤية محددة في الزمن، فهي بالتالي دينامية ومتغيرة في علاقة بالأداء الحكومي ومنجزاته في التعاطي مع الأهداف أولا، ومع المتغيرات التي يفرضها الواقع الصحي الوطني والدولي ثانيا، وهو ما يقتضي العمل على تتبع تنفيذ مقتضيات السياسة الدوائية والعمل على تحيينها، وذلك وفق المنهجية نفسها التي تم بها إعدادها. وهو الأمر الذي لم يتم مع السياسة الدوائية الوطنية، إذ لم يتم تحيينها منذ إنجازها. وضمن الملاحظات التي يمكن تسجيلها على السياسة الدوائية الوطنية ما يلي:
– استغراق الحكومة لوقت طويل قبل إعداد السياسة الدوائية الوطنية وتقديمها.
– طابع التناقض الداخلي على مستوى الأهداف الخاصة للسياسة الدوائية الوطنية، والأولويات المحددة من جهة، ومحاور التدخل من جهة ثانية، خصوصا فيما يتعلق بالصناعة الدوائية الوطنية، والبحث العلمي في مجال الأدوية، والجوانب المتعلقة ببراءة الاختراع.
– نشر وتعميم وثيقة السياسة الدوائية الوطنية دون نشر المخطط التنفيذي، وافتقارها إلى المعطيات المتعلقة بمسار التفعيل الجدولة الزمنية وآليات المواكبة والتتبع والتقييم؛
– الطابع التجزيئي الذي يطال مسلسل إنتاج الدواء وتوزيعه وتسويقه والولوج إليه.
– عدم إشراك مختلف الفاعلين والمتدخلين في قطاع الدواء، كما تم إقصاء الأطباء وعدم تخصيصهم بإجراءات تروم إشراكهم في تفعيل مضامينها.
المؤشر الثالث: بخصوص اللائحة الوطنية للأدوية
- يتعلق رهان الوصول إلى الدواء بمسألة اختيار الأدوية المناسبة للسياقات الصحية للدول ولأولوياتها الوطنية في مجال الأدوية، وهي مسألة تترجمها تقنيا عملية وضع لائحة وطنية للأدوية الأساسية. ويقصد بالأدوية الأساسية، حسب منظمة الصحة العالمية، الأدوية التي تلبي احتياجات الرعاية الصحية الأساسية للسكان، وهي أدوية يجب أن تكون متوفرة في إطار أي نظام صحي يسير بشكل جيد، وأن تكون متوفرة على الدوام بجرعات مناسبة وبجودة مضمونة وبتكلفة معقولة للأفراد والمجتمعات المحلية. وتوصي منظمة الصحة العالمية الدول بوضع قوائم وطنية بالاعتماد على القائمة النموذجية التي تضعها المنظمة. فهل يتوفر المغرب على لائحة وطنية للأدوية الأساسية؟ ومتى تم تحيينها؟
- بالولوج إلى موقع منظمة الصحة العالمية، عبر النافذة الخاصة بقوائم الأدوية الأساسية للدول، نعثر، بالنسبة للمغرب، على قائمة للأدوية الأساسية تعود إلى سنة 2008، وتضم 446 دواء. مع لفت الانتباه إلى كون هذه القائمة غير متوفرة بالموقع الرسمي لوزارة الصحة المغربية، وهو ما يعني، مبدئيا أن الوزارة، وإن كانت تتوفر على لائحة وطنية للأدوية الأساسية، فهي لم تضعها رهن إشارة العموم، الذي يفترض من الزاوية الحقوقية ضمان مشاركته في إعدادها وليس فقط الاطلاع عليها، كما أنه لم يتم تحيينها منذ 2008، وعلى مدى 13 سنة.
المؤشر الرابع: المقتضيات القانونية المتعلقة بالأدوية الجنيسة
- يحظى الدواء الجنيس في المنظومة الصحية، بأهمية عالية، إذ يساهم، بفضل انخفاض سعره، في تحسين مؤشر الوصول إلى الدواء، ويتيح لصناديق الـتأمين الصحي إمكانية ضبط الإنفاق على الأدوية، وتقليص حصة المؤمن له عند شراء الدواء. كما يساهم في النهوض بالمنافسة في مجال الصناعة الدوائية.
- وتعمل الدول على تعزيز سياساتها في مجال الأدوية الجنيسة من خلال مجموعة من التدابير يأتي في مقدمتها وضع إطار قانوني مناسب، وهو الأساس الذي يترجمه، على مستوى التشريع المغربي، القانون الإطار رقم09. 34 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات، والذي نص على مسؤولية الدولة في ضمان توافر الأدوية والمنتجات الصيدلية الأساسية وجودتها في مجموع التراب الوطني بشكل عام، كما نص على التشجيع على تنمية الأدوية الجنيسة ووصفها.
- وإضافة إلى القانون الإطار، فإن السياسة التي انتهجها المغرب بخصوص الدواء الجنيس، تستند إلى مجموعة من المقتضيات القانونية المتفرقة بين النصوص المتعلقة بالسياسة الدوائية الوطنية، وذلك من قبيل القانون رقم 17.04 وهو بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة؛ حيث ينص على مجموعة من الأحكام المتعلقة بالدواء الجنيس، كتحديد قائمة المواد أو المركبات التي تدخل في حكم الأدوية، والتي من بينها المستحضر الجنيس لمستحضر مرجعي، والأحكام المتعلقة بتنظيم الإذن بعرض الدواء الجنيس في السوق، والمقتضيات المتعلقة بتمكين الإدارة من الاستغلال التلقائي للأدوية المحمية ببراءة الاختراع،
- وقد تم تعليق العديد من الأحكام المتعلقة بالأدوية بشكل عام، وضمنها الدواء الجنيس، على صدور مجموعة من النصوص التنظيمية. كالنص التنظيمي المتعلق بالتكافؤ الحيوي للأدوية الجنيسة، والمرسوم المتعلق بالإذن بعرض الأدوية المعدة للاستعمال البشري في السوق، والذي يتضمن بعض الأحكام الخاصة بالدواء الجنيس، والمرسوم المتعلق بتسعير الأدوية، والذي يتضمن أحكاما في هذا الباب تتعلق بالدواء الجنيس.
- وفي إطار هذه المقتضيات القانونية، يمكن الوقوف على ملامح توجهات سياسة المغرب بخصوص الدواء الجنيس؛ حيث خلصت الاستراتيجية القطاعية للصحة 2012/ 2016 إلى تدني نسبة انتشار الأدوية الجنيسة بالمغرب، والتي لم تتجاوز 30 ٪، لتنص على ضرورة تحسين الولوجية المالية والجغرافية للأدوية، من خلال عمليتي تشجيع الأدوية الجنيسة، ووضع حوافز لتسجيل الأدوية الجنيسة الأقل تجنيسا. كما خصت وثيقة السياسة الدوائية الوطنية هدفها الرابع لتشجيع الدواء الجنيس، وذلك من خلال الالتزام بتبني وتشجيع الاستبدال بالجنيس من قبل الصيادلة، طمأنة الأطباء الواصفين والصيادلة والمستهلكين حول جودة جميع الأدوية الجنيسة المطروحة في السوق المغربية، ووضع وتنفيذ برنامج للتكوين والإعلام خاص بالأدوية الجنيسة، مع تقديم بيانات علمية عن التكافؤ الحيوي، وضمان الجودة، والفوائد المالية، وغيرها. أما مخطط الصحة 2025، وضمن العمليات المتعلقة بمحور التدخل المتعلق بتحسين الولوج إلى الأدوية والمنتجات الصحية، فقد خص الأدوية الجنيسة بعملية تحسين معدل الاستعمال.
- وبناء عليه يمكن استقراء المعطيات بشأن مدى تأثير مقتضيات التشريع الدوائي والسياسات العمومية في قطاع الصحة، المتعلقة بالأدوية الجنيسة، في الرفع من معدل استعمال الدواء الجنيس ومستوى الوصول إليه وهي المعطيات الكمية التي تمكن من معرفة مدى تطور معدل الاستهلاك، وحركية اختراق سوق الأدوية، وتطور مستوى قبول إرجاع مصاريف الأدوية الجنيسة، لضبط محددات سياسة المغرب بخصوص الدواء الجنيس،
- وقد انتقل معدل استهلاك الدواء الجنيس بالمغرب خلال الفترة من 2009 إلى 2018 من 79.2 % إلى 129.8 %، أي بنسبة زيادة بلغت حوالي 63 ٪، بما يعنيه من دينامية اختراقه لسوق الأدوية، وتطور الاستهلاك الذي ساهم في تحسين معدل الاختراق؛ إذ انتقل معدل الاختراق من حيث الحجم من 28.4 ٪ سنة 2009 إلى 38.4 ٪ سنة 2018. وقد رافق تحسن استهلاك الدواء الجنيس ارتفاع مضطرد في عدد الأدوية الجنيسة المقبول إرجاع مصاريفها؛ إذ انتقل العدد من 815 دواء سنة 2008 إلى2775 دواء سنة 2018، أي بنسبة تناهز 240 ٪ .
- وبالرغم من ذلك ما يزال التحسن الملحوظ في خط تطور استهلاك الدواء الجنيس، لا يعكس تنامي وضعية معدل الاستهلاك، الذي بلغ، برسم سنة 2017، حسب القيمة بالنسبة للفرد 431 درهما سنويا، بنسبة لا تتجاوز 30٪، وهو بذلك ما يزال بعيدا عن معدل الاستهلاك العالمي الذي يصل إلى 58 ٪.
- أما بالنسبة لتطور مستوى قبول إرجاع مصاريف الأدوية الجنيسة، فإنه هو الآخر ما يزال متأثرا بتدني مستوى التغطية الصحية، وتحمل المريض لجزء كبير من المصاريف ذات الصلة بالأدوية.
المؤشر الخامس: النفقات العمومية والخاصة في مجال الأدوية
يعتبر تزويد جميع الناس بالأدوية الأساسية بشكل غير تمييزي من الواجبات الفورية، التي لا يمكن إخضاعها للتدرج في إعمال الحق في الصحة، ويتعين على الدول جعل مسألة الحصول على الأدوية في مقدمة الأولويات ضمن الميزانية المخصصة للصحة، وأن ترصد الموارد اللازمة وفقا لذلك.
- على صعيد المغرب، يصعب الحصول على المعطيات المتعلقة بالإنفاق على الدواء؛ فغالبا ما تكون مدرجة ضمن المعطيات المتعلقة بالإنفاق على الصحة بشكل عام، في هذا السياق، بلغ إجمالي الإنفاق الصحي بالمغرب سنة 2018 ما يناهز 14,79 مليار درهم للميزانية المخصصة لوزارة الصحة، لترتفع إلى 16,33 مليار درهم برسم ميزانية 2019، وتصل برسم ميزانية 2020 إلى ما يناهز 18,67 مليار درهم، وترتفع إلى 19,77 مليار درهم برسم ميزانية 2021.
- وشهد الإنفاق الإجمالي على الأدوية والمنتجات الصيدلية سنويا تطورا ملحوظا؛ فبعدما لم يتجاوز 650 مليون درهم سنة 2002، وصل إلى 2 مليار درهم برسم ميزانية 2018، وارتفع إلى 2,5 برسم ميزانية 2020. وقد تم إرجاع هذا التطور إلى إدراج وتفعيل نظام التغطية الصحية الأساسية سنة 2006، وتعميم نظام المساعدة الطبية ابتداء من سنة 2012.
- وبشكل عام، ماتزال الحكومة تواجه تحدي تعبئة التمويل اللازم للنظام الصحي، وضمنه تسهيل الوصول إلى الأدوية، ذلك أن نسبة 5,8 ٪ من الناتج الداخلي الخام الوطني تجعل مستوى الإنفاق الصحي في المتوسط، ويظل الطموح هو ما توصي به منظمة الصحة العالمية، والذي يتحدد في تخصيص 10٪ من الناتج الداخلي الخام لقطاع الصحة، للتخفيف من عبء الإنفاق الصحي على الأسر التي تتحمل بشكل مباشر ما يقارب 50,7 ٪، أي ضعف المعدل المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية والذي لا يتعدى 25 ٪، وهو عبء يؤثر بالضرورة، وبشكل واسع على مستوى استهلاك الأدوية، خصوصا على الفئات التي تعاني من الفقر والهشاشة.
المؤشر السادس: نسبة الساكنة التي تتوفر على التغطية الصحية
يفرض الحق في الصحة على الدول، في إطار الالتزام بالأداء، توفير نظام تأمين صحي عام أو خاص أو مختلط يستطيع الجميع تحمل نفقاته. ومن أجل بلورة هذا الالتزام عملت الدولة المغربية على تقوية البيئة التشريعية والقانونية للمنظومة الصحية، بإصدار قانون رقم 00-65 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، تعزيزا لحقوق ومكتسبات المواطنين.ات المغاربة المتمتعين بتأمين صحي، وذلك بالتدرج في توسيع مجال التأمين الصحي ليشمل مختلف الشرائح الاجتماعية.
- وعلاقة بالسياسة الدوائية، فإن نظام التغطية الصحية يعد أحد المكونات الرئيسية في تنظيم أسعار الأدوية وشروط ممارسة المنافسة، من خلال إرجاع أو تحمل مصاريف الأدوية لفائدة المؤمنين، وقبل ذلك، من خلال إعداد قائمة الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها ونشرها، وإعداد دليلها وتحديد الثمن الذي يتم على أساسه التعويض، وغيرها من الأدوات والآليات ذات الصلة بتنفيذ السياسة الدوائية.
- وعلى مستوى أداء منظومة التأمين الصحي بالمغرب فإن التغطية الصحية للمأجورين في القطاعين العام والخاص باتت في تزايد سنوي؛ حيث بلغت نسبة الساكنة الخاضعة للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض للمأجورين 28,6 ٪ من مجموع الساكنة المغربية برسم سنة 2018 مقابل 16 ٪ سنة 2006، أي بربح 11 نقطة في ظرف اثنتي عشرة سنة، وقد نتج ذلك عن تسجيل المأجورين وأصحاب المعاشات وذوي حقوقهم الذين لم يكونوا يستفيدون من التغطية الصحية.
- وتظهر بنية المسجلين وفقًا لقطاع التشغيل أن حجم الساكنة التابعة للقطاع الخاص، المشمولة بالتغطية مقارنة بإجمالي الساكنة المؤمنة برسم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ارتفع من 62,9٪ في عام 2013 وإلى 69,3٪ في عام 2018، مقابل انخفاض في القطاع العام من 37,1٪ إلى 30,7 خلال نفس الفترة.
- وبخصوص نظام المساعدة الطبية، ومواصلة تعميمه، فقد بلغ عدد الأشخاص المسجلين الى حدود 30 نونبر 2016، حسب إحصائيات الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، أكثر من 10 ملايين شخص، أي أزيد من 4 ملايين أسرة، منهم 6.345.525 شخص يتوفرون على بطائق سارية الصلاحية، وينتمي 48 ٪من الأشخاص المسجلين للوسط القروي، ويظل التوزيع حسب الجنس شبه متساو مع ارتفاع طفيف للإناث بنسبة 53 ٪.
- وتواصل الوكالة تسجيل مستفيدين جدد مصرح بأهليتهم من قبل مختلف اللجان الدائمة على مستوى جميع جهات المملكة، وتظهر إحصائيات 2018، أن عدد المستفيدين من نظام المساعدة الطبية وصل إلى 12,8 مليون شخص.
- وعموما، وحتى سنة 2018، فإن العدد الإجمالي للمؤمنين، وصل إلى 24,4 مليون شخص، وهذا بإضافة المستفيدين من الأنظمة الأخرى في القطاع العام إلى المستفيدين في إطار نظامي التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (ما يناهز 10,1 مليون شخص) والمساعدة الطبية (ما يناهز 12,8 مليون شخص).
- وبناء على المعطيات الرقمية أعلاه فإن حوالي 31 ٪ من السكان لا يستفيدون من التأمين الصحي، وما يعنيه ذلك من معاناة هذه الفئة في الولوج الى الأدوية.
المؤشر السابع: النسبة المئوية للهامش بين سعر المنتج وسعر البيع للعموم
- ووفقا لإطار الحق في الصحة يعتبر التسعير من بين المحددات الأساسية لإمكانية الحصول على الأدوية، والتي ينبغي أن تكون في متناول جميع قطاعات الساكنة من الناحية الاقتصادية، وعليه ينبغي أن تكون مُسعَّرة بطريقة عادلة ومنصفة وأن تكون ضمن حدود قدرة الناس على تحمل تكلفتها حتى لا تثقل، على نحو غير متناسب، كاهل الأسر ذات الدخل المحدود أو تلك التي تعاني من الفقر والهشاشة.
- وقد اعتمد المغرب أسلوب التسعير المرجعي الخارجي، فحدد سعر المصنع دون احتساب الرسوم (PFHT) لدواء أصلي، مصنع أو مستورد، في أدنى سعر له من أسعار المصنع، دون احتساب الرسوم، المتداول في البلدان التي اختارها القانون لتشكل نطاق المقارنة المرجعية (السعودية، بلجيكا، إسبانيا، فرنسا، تركيا، البرتغال)، على أن يتم اعتماد سعر المصنع، دون احتساب الرسوم، المتداول في بلد المنشأ إذا كان الدواء غير مسوق في البلدان المرجعية، وذلك بعد تحويله إلى الدرهم المغربي. وتحدد هوامش ربح المؤسسة الصيدلية الموزعة بالجملة والصيدلي المطبقة على سعر المصنع، دون احتساب الرسوم، حسب أقسام الأسعار .
- بالنسبة للأدوية المستوردة، يضاف هامش ربح بنسبة 10 ٪، وتشمل مصاريف الإيصال والرسوم الجمركية. أما سعر بيع الدواء الجنيس للعموم فيجب ألا يفوق سعر البيع نظيره الأصلي.
- بشكل عام، يمكن اعتبار أسعار الأدوية بالمغرب مرتفعة، ولا تتيح سياسة التسعير المعتمدة إمكانيات واسعة للولوج المالي إلى الأدوية، وذلك بحكم أن المواطن يؤدي ليس فقط هامش الربح المحدد في 30 ٪ للصيدلي، بل يجد نفسه يؤدي، إضافة إلى ذلك، 10 ٪ للموزع، و7 ٪ كضريبة على القيمة المضافة، وهو ما يعني أنه يؤدي تراكميا 47 ٪ كهامش للربح على الدواء، وهي وضعية تجعل مستوى إنفاقه على العلاج ما يفوق 57 ٪، وقد تصل إلى 100 ٪ لدى الأسر التي لا تتوفر على أية تغطية صحية، ولا تتمكن من الاستفادة في إطار المساعدة الاجتماعية.
- إن نمط تحديد الأسعار بالمغرب، لا يساهم في تحقيق نتائج ذات وقع ملموس على ولوج المواطنين.ات إلى الأدوية، ويرجع ذلك إلى تعدد المتدخلين في تحديد الأسعار. كما أن أسلوب التسعير المرجعي الخارجي المعتمد، اختيار غير مناسب لبلد مثل المغرب، توجد بينه وبين الدول المرجعية فجوة كبيرة من ناحية الناتج الداخلي الخام، ومن حيث طبيعة النظام الصحي المعتمد.
المحور الثالث: تمويل الصحة
يظل تحقيق التمويل الكافي والمستدام، وتقليص نسبة الإنفاق من الدخل الشخصي على الصحة، أحد أهم التحديات التي تجابه النظم الصحية ، خصوصا في البلدان ذات الدخل المتوسط مثل المغرب.وبناء عليه، تم العمل على تقييم فعالية التمويل العمومي في مجال الصحة والإشكالات المرتبطة به، من خلال مقاربة المعطيات المتعلقة بمؤشرات نسب الإنفاق العمومي حسب مصادر التمويل، وفعالية نفقات الاستثمار العمومي في مجال الصحة من خلال المقارنة بين عنصري الاستثمار والتسيير ضمن بنية نفقات وزارة الصحة، كما تم التوقف عند مؤشرات النتائج لقياس أثر منظومة التمويل الصحي، وذلك من خلال مؤشري نسبة الأسر والأفراد المشمولين بأحد أنظمة التأمين الصحي ووضعية الإنفاق الصحي الكارثي.
المؤشر الأول: الإنفاق العمومي في مجال الصحة من خلال الميزانية القطاعية لوزارة الصحة
- من خلال المعطيات التي توفرها قوانين المالية للفترة المحددة بين 2017 و2021 حول الميزانية العامة والميزانية المخصصة لوزارة الصحة، نلاحظ أن ميزانية الصحة انتقلت من 14.294.72.000 درهم سنة 2017 إلى 19.774.145.000 درهم سنة 2021، وهو ما يشكل متوسط معدل تغير سنوي بنسبة ارتفاع بلغت 7,66 ٪ .
- ورغم ما يلاحظ من تطور على هذا المستوى، فإن ميزانية الصحة لم تتجاوز ما يناهز 5,89 ٪، من الميزانية العامة، حيت لا يتعدى نصيب الفرد من إجمالي نفقات وزارة الصحة 561 درهما. كما لم تتجاوز النفقات الصحية من إجمالي نفقات الميزانية العامة للدولة 6,5 ٪. بينما المعدل المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية هو 10 ٪ على الأقل.
المؤشر الثاني: نسب نفقات التسيير ونفقات الاستثمار من الميزانية العامة لوزارة الصحة
- يكشف تحليل بنية النفقات الصحية أن الاعتمادات المفتوحة الخاصة بميزانية التسيير سجلت ارتفاعا من 11.894.752.000 درهم سنة 2017، إلى 15.574.145.000 درهم سنة 2021، بمتوسط معدل نمو سنوي يساوي 6,19. أما الاعتمادات المفتوحة الخاصة بميزانية الاستثمار فقد ارتفعت إلى 4.200.000.000 درهم، بعد أن كانت سنة 2017 تبلغ 2.400.000.000 درهم، بمتوسط معدل نمو سنوي يساوي 15 ٪. وبينما تحتكر نفقات التسيير حوالي 79 ٪ من إجمالي نفقات ميزانية وزارة الصحة، فإن حوالي 67 ٪ من ميزانية التسيير، تعود للنفقات الخاصة بأجور الموظفين والأعوان وهو ما يؤشر على المفارقة بين ارتفاع نفقات الموارد البشرية على مستوى الميزانية وما يصاحبه من نقص في التأطير الطبي وشبه الطبي على مستوى الممارسة الصحية. ويؤشر ارتفاع نفقات التسيير، أيضا، على وضعية ركود في فعالية الإنفاق الصحي؛ حيث لا تتجاوز ميزانية الاستثمار 21٪، بما يعنيه ذلك من ضعف الأداء الاستثماري لوزارة الصحة، وما ينتج عن ذلك من بطء في التعاطي مع مشاكل القطاع على مستوى توفير الخدمات الصحية وتجويدها.
المؤشر الثالث: الإنفاق الصحي للمؤسسات العمومية وأنظمة التغطية الإجبارية وغيرها
يرتبط التمويل العمومي في مجال الصحة بالسياسات أو النظم الصحية المتبعة في الدول، فهي التي تحدد طرق تجميع الموارد المالية، وكيفيات استعمالها وقواعد توزيعها. وقد تختار الدول نظم تمويل قائمة على تعدد المصادر، كما قد تختار دول أخرى نظام المصدر الواحد للتمويل.
- بالنسبة للمغرب، يقوم التمويل العمومي للصحة على نظام مختلط ومتعدد المصادر، فبالإضافة إلى الأموال المُعبَّأة في إطار الميزانية القطاعية لوزارة الصحة، هناك مصادر أخرى تتمثل في نفقات المؤسسات العمومية كالوكالة الوطنية للتأمين الصحي والمراكز الاستشفائية الجامعية، ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والتابعة لوزارة الصحة كالمراكز الاستشفائية الإقليمية والجهوية، والمخصصات من الميزانية العامة أيضا للحسابات والصناديق المرصدة لأمور ذات خصوصية، كالحساب الخاص بالصيدلية المركزية، وصندوق دعم التماسك الاجتماعي، وصندوق دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بالإضافة إلى إسهامات من جهات أخرى كالجماعات الترابية والموارد الموجهة لدعم مجال الصحة في إطار التعاون الدولي.
- ويعتمد التمويل الصحي بالمغرب نظاما مختلطا ومتعدد المصادر؛ حيث تتأتى التدفقات المالية من وزارة الصحة والمؤسسات العمومية التابعة لها وأنظمة التأمين الصحي وغيرها من الآليات العمومية، وتشكل الميزانية العامة لأغلب هذه المؤسسات المصدر الرئيسي للتمويل. ويتسم نظام التمويل الصحي العمومي بطابع تجزيئي للموارد المالية بشكل لا يوفر البيئة المحفزة والمتناسقة في تمويل الخدمات الصحية، ويحد من فعاليتها، ويزيد من التكاليف الإدارية للنظام الصحي.
المؤشر الرابع: نسبة النفقات المباشرة للأسر من إجمالي الإنفاق على الصحة
حسب منظمة الصحة العالمية، يشهد الإنفاق على الصحة تصاعدا سريعا؛ حيث يتنامى بنسبة 6 ٪ في المتوسط السنوي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ورغم هذه الزيادة في الإنفاق تخلص المنظمة إلى أن الناس ما يزالون يدفعون الكثير من أموالهم الخاصة للحصول على الرعاية الصحية .
- ويعتبر المغرب من البلدان المعنية بخلاصة منظمة الصحة العالمية المشار إليها أعلاه، ولتقريب الصورة الشاملة للموارد المالية التي تضخ لتمويل قطاع الصحة والأنشطة ذات الصلة، من طرف مختلف القطاعات والمساهمين، بما فيها مستوى مساهمة المرضى/ الأسر في الولوج إلى الخدمات الصحية العامة، سيتم التوقف عند التدفقات المالية في قطاع الصحة، والجهات التي ساهمت في تمويله برسم سنة 2017 . حيث بلغت النفقات المخصصة لقطاع الصحة من طرف مختلف المساهمين والقطاعات، حسب الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، إجمالي يناهز 60 مليار درهم، وهي تمثل حوالي 5,7 ٪ من الناتج الداخلي الخام.
- وانطلاقا من معطيات الإنفاق الصحي حسب مصادر التمويل لسنة 2017، يلاحظ أن الأسر ما تزال تتحمل المساهمة الكبرى من بين بقية المساهمين في تمويل المنظومة الصحية؛ إذ تصل مساهمتها إلى 48,49 ٪، وهي تحملات تفوق بكثير مستوى إنفاق الدولة بما يزيد عن ثلاث مرات، وقياسا إلى المتوسط العالمي المحدد في 25 ٪، فإن الأسر المغربية، والفئات الهشة التي توجد خارج نظام التغطية الصحية، تتحمل من عبء الإنفاق الصحي ما يثقل كاهلها، ويؤثر على وصولها إلى الخدمات الصحية الأساسية.
المؤشر الخامس: نسبة الأفراد والأسر التي تتوفر على التغطية الصحية
- بلغت نسبة الأشخاص المشمولين بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض عام 2018 ما يفوق 10 ملايين شخص. وبلغ عدد الأشخاص المستفيدين من نظام المساعدة الطبية إلى حدود 2016 أيضا أكثر من 10 ملايين شخص، أي أزيد من 4 ملايين أسرة، ينتمي 48 ٪ منهم إلى الوسط القروي، و53 ٪ منهم إناث، ويشكل الأشخاص في وضعية الفقر غالبيتهم بنسبة 88 ٪.
- بشكل عام، وحتى سنة 2018، وصل العدد الإجمالي للمؤمَّنين 24,4 مليون شخص، وهو ما يعني أن حوالي 31 ٪ من السكان لا يستفيدون من التأمين الصحي. وحتى بالنسبة للمستفيدين تبقى مشكلة ارتفاع نسبة الباقي على عاتق المؤمَّن لهم من تكاليف العلاج (32 ٪ بالقطاع العام و40 ٪ بالقطاع الخاص) تحد من فعالية أنظمة التأمين وتعيق الولوج المنصف إلى الخدمات العلاجية.
المؤشر السادس: نسبة الإنفاق الصحي الكارثي
تعتبر نسبة الإنفاق الصحي الكارثي من بين مؤشرات النتائج، فهو يساعد على قياس مدى تأثير البرامج والتدخلات الحكومية على الوضع الصحي، وحجم هذه التدخلات ومستوى الحماية المالية؛ لارتباطه بدينامية التمويل العام للصحة، ونسبة كل من التدفقات المالية العمومية وتلك التي تتأتى من الأسر والأفراد من هذا التمويل، كما أنه يعكس الوجه الآخر لنسبة نصيب الفرد من النفقات العمومية في مجال الصحة، وكذلك نسبة نصيبه من الناتج الداخلي الخام لبلده.
- فحين تكون نسبة النفقات العمومية على الصحة بالنسبة لإجمالي الإنفاق العمومي مرتفعة، فإن نسبة الإنفاق الصحي الكارثي تكون متدنية، والعكس صحيح؛ تدني نسبة تلك النفقات يعني ارتفاع نسبة الإنفاق الصحي الكارثي. كما أنه حين تكون نسبة نصيب الفرد من النفقات العمومية على الصحة مرتفعة، وتكون هذه النسبة أيضا من نصيبه من الناتج الداخلي الإجمالي، فإن نسبة الإنفاق الصحي الكارثي تكون متدنية، والعكس صحيح أيضا.
- وحسب منظمة الصحة العالمية، يتم توصيف الإنفاق الصحي بأنه كارثي، عندما يتعين على الأفراد أو أسرهم تحمل النفقات العلاجية بشكل لا يتناسب مع مواردهم، وتصبح هذه التحملات الصحية مرتفعة لدرجة تجبرهم على التخفيف من نفقات معيشتهم أو حتى التخلي على نفقات تمدرس أطفالهم. أو تضطرهم للتضحية بحقهم في العلاج.
- ويعتبر المغرب ضمن فئة الدول التي تفوق فيها مساهمة الأسر في إجمالي الإنفاق الصحي 40 ٪، حيث لا يتجاوز الإنفاق العمومي المخصص لقطاع الصحة 5,7 ٪ من الناتج الداخلي الخام، و لا تشكل الميزانية القطاعية للصحة سوى 5,89 ٪ من الميزانية العامة للدولة، وليتحدد نصيب الفرد من نفقات ميزانية الصحة حوالي 561 درهما في السنة، وهي المؤشرات التي تؤكد سقوط العديد من الأسر والأفراد في وضعية الإنفاق الكارثي على الصحة، وقد قدرت وزارة الصحة أن 2 ٪ من العائلات تجد نفسها أمام كارثة مالية، وما يناهز 1,4 ٪ من الأسر تنحذر إلى عتبة الفقر بسبب النفقات المباشرة من أجل العلاج .
المحور الرابع: الحكامة في قطاع الصحة
- تعتبر الحكامة كمفهوم متعدد في أبعاده من المواضيع الجوهرية المحددة للتدبير العمومي، وارتباطا بمرفق الصحة العمومية وما يتطلبه من إعمال للحق في الصحة كحق أساسي، فإن نهج المؤشرات القائم على حقوق الإنسان يوجب استكمال المؤشرات المستخدمة لرصد الجوانب المتعلقة بالإعمال التدريجي لهذا الحق والتي يمكن ابرازها كما يلي:
المؤشر الأول: التأطير الدستوري والقانوني لمبادئ الحكامة وقواعدها
- بالنظر إلى الأهمية القصوى التي تشغلها الحكامة وهيئاتها على مستوى الدستور، وما تكرس من مقتضيات لذلك بما يعزز منحى اعتبار الحكامة الجيدة كأحد مرتكزات البناء الديمقراطي بالمغرب وسيادة دولة الحق والقانون، كأحد أسس النظام الدستوري للمملكة.
- وبموازاة ذلك، تم تعزيز هذا التطور الدستوري بمبادئ جوهرية كربط المسؤولية بالمحاسبة، وتخليق الحياة العامة، وهو ما ينسجم مع دسترة مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة، من قبيل هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وهيئات الحكامة والتقنين، والتي تم التنصيص على استقلاليتها، وإلزامها بتقديم تقرير عن أعمالها، مرة واحدة في السنة على الأقل، ليكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان.
- أما على المستوى القانوني، فقد لامست المنظومة القانونية المتعلقة بالصحة، على تنوعها وتعدد نصوصها، جوانب الهياكل التنظيمية للقطاع والمستوى العلائقي وآليات الحكامة ومجالات الاختصاص والمقتضيات المتعلقة بنظام التدبير والحكامة المالية، غير أن هذه المنظومة تتسم، على عكس الدستور، بافتقارها إلى تأطير بقواعد ومبادئ الحكامة ومقتضيات تطبيقاتها.
- بالنظر إلى المقتضيات المتعلقة بأسس الحكامة، على قلتها، نخلص بشأن مبدأ المشاركة، على تنصيص القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات على أن التضامن وإشراك الساكنة في مسؤولية الوقاية والمحافظة على الصحة والمعافاة من المرض من بين المبادئ التي يتأسس عليها تحقيق الأهداف الأساسية للمنظومة الصحية، وعلى مساهمة الجماعات الترابية والمنظمات المهنية والجمعيات العاملة في مجال الصحة، إلى جانب الدولة، في تحقيق الأهداف والأعمال الصحية، كما أنه بإمكان المؤسسات الصحية تطوير علاقات شراكة مع المنظمات المهنية والجمعيات وأي منظمات أخرى للمجتمع المدني لتشجيع مساهمتها في إعمال الحق في الصحة، خاصة فيما يتعلق بتعزيز الوعي من خلال الإعلام والتحسيس ورفع الوعي بشأن التربية الصحية.
- غير أن هذه المقتضيات ذات الصلة بالمشاركة تظل محدودة ولا تتعدى الإشراك والمساهمة، وهي الصيغة الدنيا في المشاركة؛ إذ لا تتجاوز مهاما كالتحسيس والتربية والإعلام، أما وضع السياسات والخطط والخرائط الصحية وتصاميم العلاجات، وتتبع تنفيذها ومراقبتها وتقييمها، فتلك كلها محطات تتم بشكل منغلق وغير مفتوح على أي شكل من الأشكال التشاركية، إلا ما يتم فيها بين الحين والآخر ضمن تشاور اختياري، غير ملزم به قانونيا.
- ولإن تم التنصيص على إحداث هيئات للتشاور العمومي في المجال الصحي، فإن المرسوم التطبيقي للقانون الاطار قد خص بابا من خمس مواد لهيئة واحدة من هيئات التشاور ويتعلق الأمر باللجنة الوطنية ورئيس اللجنة الوطنية ورئيس اللجنة الجهوية واعضائها، وكيفية تسييرهما، بينما نص بشكل اختياري، على الاستدعاء لحضور اجتماعاتهما كل شخص ترى الهيئة المعنية فائدة في حضوره، ولتظل إشارة غير ملزمة على مستوى إعمال مبدأ المشاركة بينما الأمر يتطلب عضوية هيئات المجتمع المدني المعنية بالشأن الصحي وتمثيلية الساكنة المعنية بالعلاجات وفق الشكل الملائم للتشاور العمومي.
- وإذا كانت المنظومة القانونية المرتبطة ارتباطا مباشرا بمجال الصحة، لم تبد اهتماما بمبادئ وقواعد الحكامة الأساسية، على نحو ما تم بيانه، فإن نصوصا قانونية أخرى ترتبط بمجال الصحة بشكل غير مباشر، اهتمت بالعديد من تفاصيل نظام الحكامة من حيث أسسه ومبادؤه وقواعده وتطبيقاته، وذلك من قبيل القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة وميثاق المرافق العمومية، واللذان يهمان بشكل أفقي مختلف القطاعات والمؤسسات والأجهزة والمرافق العمومية، وضمنها قطاع الصحة.
- وارتباطا بالسياق الدستوري فقد تم التنصيص على حق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، وبأن ممارسة هذا الحق لا يمكن تقييدها إلا بمقتضى القانون لحماية كل ما يتعلق بمجموعة من المجالات منها الحياة الشخصية للأفراد، والحريات والحقوق الدستورية الأساسية.
- وفي مستوى آخر من مستويات التأطير الدستوري للحكامة الجيدة، وبغاية صون حقوق المرتفقين.ات، حدد الدستور مبادئ وأسس تنظيم المرافق العمومية والمعايير والقيم الموجهة لتدبيرها، وتطبيقا لهذه المقتضيات تم التنصيص على إعداد ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية الأخرى والأجهزة العمومية، ويعتبر هذا الميثاق مرجعا وطنيا لمبادئ وقواعد الحكامة الجيدة، وهو ملزم لمختلف فئات ودرجات الإدارات والمرافق العمومية.
المؤشر الثاني: التنظيم وأجهزة الحكامة
- لقد أسند المرسوم المنظم لاختصاصات وزارة الصحة إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة المتعلقة بصحة المواطنات والمواطنين، وتعمل على سلامتهم البدنية والعقلية والاجتماعية، وعلى الرفع من المستوى الصحي في البلاد، وذلك من خلال تنسيق التوجهات والأهداف والتدابير، والتدخل لضمان توزيع أفضل للموارد في ميدان الوقاية أو العلاج أو المساعدة على المستوى الوطني، كما يعهد إليها بإعداد وتنفيذ السياسة الدوائية الوطنية وبإجراء المراقبة على ممارسة المهن الطبية وشبه الطبية والصيدلية.
- وتعتبر المراكز الاستشفائية من بين المؤسسات العامة التابعة لوزارة الصحة، والتي تندرج ضمن مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، والتي تتمتع باستقلالية في التسيير تمكنها من المساهمة بفعالية في إنجاز اختصاصاتها وبرامجها وذلك لأنها تشكل بنيات للقرب عبر كافة التراب الوطني، وكذلك بفضل نظامها المتسم بقدرته على التمويل الذاتي لجزء من تحملاتها عبر آلية تقديم خدمات مقابل أجر.
- وحسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن التنظيم التدبيري للمنظومة الصحية ما يزال يتسم بمركزية القرار، سواء على المستوى الاستراتيجي، أو على مستوى التدبير الإجرائي الترابي؛ فالمصالح المركزية تتولى مهام التسيير المالي وتدبير البنيات التحتية والموارد البشرية واقتناء التجهيزات والمعدات والأدوية، وهو ما لا ينسجم مع المقتضيات الإلزامية للميثاق الوطني المرجعي للاتمركز الإداري الذي حدد قواعد التنظيم الإداري للمصالح اللاممركزة للدولة، وقواعد توزيع الاختصاص بين الإدارات المركزية وهذه المصالح، كما أطر علاقة المصالح اللاممركزة للدولة على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة والإقليم، بالمؤسسات العمومية.
- وإذ عهد للإدارات المركزية القيام بالمهام التي تكتسي طابعا وطنيا، أو تلك التي يتعذر إنجازها من قبل المصالح اللاممركزة فإن مهمة السهر على تدبير المرافق العمومية الجهوية التابعة للدولة، وتنفيذ السياسات العمومية، والإسهام في إعداد وتنفيذ البرامج والمشاريع العمومية المبرمجة تظل من مهام المصالح اللاممركزة على صعيد الجهة، كما تضطلع المصالح اللاممركزة على المستوى الإقليمي بممارسة الاختصاصات المتعلقة بالأنشطة والخدمات التي تقدمها المرافق العمومية المكلفة بتدبيرها، وتنفيذ التوجهات والقرارات الحكومية، وإنجاز البرامج والمشاريع المبرمجة على صعيد العمالة أو الإقليم.
- ولأجرأة هذا التصور الجديد لعلاقة المركزي بالترابي، نص الميثاق على قيام السلطات الحكومية بإعداد تصاميم مديرية للاتمركز الإداري تخص مصالحها اللاممركزة، وبالنسبة للتصميم المديري لوزارة الصحة فإنه يكشف عن بطء في وتيرة نقل الاختصاصات إلى المصالح اللاممركزة، وتحديدا خلال سنتي 2020 و2021؛ فمن مجموع مجالات الاختصاصات البالغة 12 مجالا لم يتم تحديد سوى 6 اختصاصات للنقل سنة 2020، واختصاصا واحدا خلال السنة الموالية؛ فيما سيتم نقل 41 اختصاصا خلال السنة الأخيرة؛ أي بما مجموعه 48 اختصاصا خلال ثلاث سنوات، وذلك على صعيد الجهات، أما على صعيد العمالات والأقاليم، فتم تحديد ما مجموعه 42 اختصاصا خلال السنوات الثلاث، منها 6 خلال السنة الأولى، واختصاص واحد خلال السنة الثانية.
- وبخصوص مدى الانسجام بشأن التصميم المديري لوزارة الصحة في علاقة بحجم الاختصاصات المزمع نقلها في علاقة بالأهداف المراد تحقيقها من قبل المصالح اللاممركزة، فإن الأهداف المتصلة بتدبير الموارد البشرية لا تتناسب مع ما يتطلبه التدبير على المستوى الترابي، حيث تحدد حجم نقل الاختصاصات المركزية في اختصاصين على صعيد الجهات، ومثلها على صعيد العمالات والأقاليم خلال ثلاث سنوات.
المؤشر الثالث: تدبير المراكز الاستشفائية
- ارتباطا بتدبير المراكز الاستشفائية، كشف المجلس الأعلى للحسابات عن مجموعة من الاختلالات ذات الصلة بالحكامة الصحية ، ويمكن تصنيفها إلى ما يتعلق بسير الأجهزة والهيئات التنظيمية، أو بما يتعلق بتدبير العرض الصحي وعرض العلاجات، وبالتتبع والتقييم، وبالموارد البشرية.
- وبخصوص الأجهزة والهيئات، وتحديدا هيئات التنسيق والدعم، فقد تم رصد الاختلال في عدم تأسيس بعضها، أو تأسيسها مع عدم تفعيلها، أو عدم أداء مهامها أو بعض منها، أو عدم الانضباط إلى بعض مقتضيات كيفية اشتغالها، وتحديدا ما يتعلق بمواعيد عقد اجتماعاتها تبعا لما هو محدد بالنظام الداخلي للمستشفيات.
- وبخصوص تدبير العرض الصحي وعرض العلاجات، وتحديدا فيما يتعلق بالتخطيط وبرمجة العمليات الطبية والعلاجية، التي من خلالها يتم تنزيل الأهداف العامة للمراكز الاستشفائية، فإنه يتعين على كل مركز إعداد وثيقة مشروع المؤسسة الاستشفائية، والذي يحدد، لفترة معينة، الأهداف العامة للمؤسسة في الميدان الطبي والعلاجات التمريضية والتكوين والتدبير والنظام الإعلامي، كما يحدد وسائل الاستشفاء والموظفين والتجهيزات بمختلف أنواعها التي يجب على المستشفى التوفر عليها لتحقيق أهدافه. ويصبح المشروع المعد من طرف مدير المركز، بعد المصادقة عليه قابلا بموجب مقرر لوزير الصحة للتطبيق.
- وبناء عليه، تم رصد عدم توفر بعض المؤسسات على مشروع المؤسسة، أو عدم المصادقة عليه، أو كونه متوفرا دون أن يصاغ بشكل دقيق، أو أنه موجود وغير مفعل، وكل ذلك ينعكس سلبا على التخطيط الميزانياتي وتحديد الحاجيات الآنية والمستقبلية للمؤسسة الاستشفائية. وهو ما ينطبق كذلك على منظومة المراقبة الداخلية، وتحديدا على مهمة التتبع والتقييم.
- وفي سياق التقييم الداخلي للخدمات العلاجية، فقد تم رصد غياب أي تقييم لجودة العلاجات والخدمات المقدمة في بعض المستشفيات. كما تم رصد نقائص على مستوى تتبع مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية، وعلى مستوى تتبع استعمال الأدوية، في مخالفة لمقتضيات النظام الداخلي للمستشفيات التي تنص على أن الصيدلية الاستشفائية تقوم بمراقبة الأدوية والأجهزة الطبية بالمستشفى، وتتبع مسار الأدوية والأجهزة الطبية وضمان الرقابة على حسن استعمالها وتتبع وتقييم الاستهلاك.
- فضلا عن ذلك، يشكل تدبير الموارد البشرية أحد أوجه القصور العميقة التي تعتري المنظومة الصحية، وهي إشكالية تطال جانب العرض الصحي ومستوى الوفرة في الـتأطير الطبي وشبه الطبي، على نحو ما تم التوصل إليه من خلاصات في المحور الأول من هذا التقرير، كما تطال جانب الحكامة في تدبير الموارد البشرية.
المؤشر الرابع: الحكامة المالية لقطاع الصحة
- يتسم تمويل الصحة، من خلال خلاصات المحور الثالث، بمجموعة من الإشكالات البنيوية، وفي مقدمتها ارتفاع حجم الإنفاق الصحي الواقع على عاتق الأسر، وضعف الإنفاق العمومي في مجال الصحة كما تعكسه الميزانية القطاعية لوزارة الصحة، والركود في فعالية الإنفاق الصحي بالنظر إلى ضعف الأداء الاستثماري للوزارة، وهو ما تعكسه هيمنة نفقات الاستثمار على بنية الميزانية. وبالإضافة إلى ارتفاع تكلفة العلاج بالمؤسسات الصحية الخاصة، وضعف فعالية أنظمة التأمين الصحي، فإن هذه البنية الإشكالية تعيق الحق في الولوج المادي والاقتصادي والجغرافي إلى الخدمات الصحية، وبالنتيجة عدم فعالية المنظومة الصحية في إعمال الحق في الصحة.
- وتزداد حدة الأمر عندما تنضاف اختلالات منظومة التمويل إلى اختلال نظام الحكامة المالية بقطاع الصحة العمومية. وقد رصد المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي برسم سنة 2018 وكذا سنة 2020، عددا من هذه الاختلالات ذات الصلة بالتدبير المالي لقطاع الصحة، ولا سيما عدم وضوح المعايير المعتمدة في توزيع الاعتمادات الخاصة بنفقات العتاد والنفقات المختلفة العامة المخصصة للمصالح الخارجية بين الجهات، وهو ما ينم عن لاعدالة مجالية في التمويل الصحي؛ حيث إن أربع جهات تستأثر بنسبة 72 ٪ مقابل 28 ٪ لباقي الجهات الأخرى، بالإضافة إلى ما يؤشر عليه التباين بين الاعتمادات المفتوحة والنهائية لميزانية التسيير من اختلال في التخطيط وهو ما يسائل وزارة الصحة، وتحديدا مديرية التخطيط والموارد المالية.
- ويعتري تدبير المشاريع والصفقات نقائص من قبيل تأخر مخرجات صفقات الدراسات وضعف جودتها، وعدم توفر الوزارة على بنك معطيات حول الموردين والأثمنة والأدوية، وعدم احترام بعض الشركات لبنود دفتر التحملات وهو الأمر الذي يترتب عنه كثرة المنازعات القضائية المتعلقة بالصفقات، وتجاوز آجال الإنجاز والغلاف المالي المخصص لها مقارنة مع التقديرات، والتأخر في الأداء وصعوبة تقييم مردودية المشاريع وما يترتب عنه تحمل الوزارة لفوائد التأخير.
- بالإضافة إلى ما يعتري تنفيذ النفقات المتعلقة باقتناء المعدات الطبية، من قبيل عدم احترام شروط الاستلام في بعض العمليات، وعدم التأكد من مدى تقيد أصحاب الصفقات بعمليات الصيانة خلال فترة الضمان.
- كما تبرز اختلالات في تدبير اقتناء الأدوية والمواد الصيدلية، وذلك من قبيل إتلاف كميات هامة من الأدوية قدرت تكلفتها الإجمالية بما يزيد عن 53 مليون درهم، كما يؤدي تأخر اعتماد الميزانية إلى ارتباك تدبيري وتعطيل لعقد الصفقات المتعلقة بالخدمات والتوريدات الضرورية للسير العادي للمراكز الاستشفائية، وهو الأمر الذي يتفاقم مع الأخذ بعين الاعتبار الآجال الإضافية المتعلقة بالدعوة إلى المنافسة التي تفرضها النصوص التنظيمية المتعلقة بإبرام الصفقات.
- وترتبط النقائص المرصودة في عملية تحصيل عائدات المراكز الاستشفائية بالنقص الحاصل في الموارد البشرية المؤهلة، وأخرى بعدم فوترة الخدمات العلاجية وتحصيلها، وهو الأمر الذي تم رصده من خلال الفارق بين عدد الحالات المقبولة للعلاج والاستشفاء وعدد الحالات التي تمت فوترتها.
- كما أن ضعف منحة الاستثمار بالنسبة للمراكز الاستشفائية يحد من مستوى تغطية حاجياتها على مستوى التجهيزات والبنيات التحتية.
- وبخصوص انخفاض معدل تغطية نفقات التسيير بالموارد الذاتية للمراكز الاستشفائية، فإنه يبرز كمؤشر على ضعف الاستقلال المالي، مادامت المراكز تبقى رهينة لمنحة الوزارة في سداد نفقات التسيير، وتطرح هي الأخرى إكراهات تدبيرية تتعلق بالتأخر في سداد فواتير التموين، وبالنظر لتأخر الوزارة في تحويل المنحة وتجزيئها.
التوصيات
بناء على مختلف المعطيات والإحصائيات الواردة في التقرير خلال رصد وتشخيص وضعية الخدمات الصحية، والسياسة الدوائية والتمويل والحكامة في قطاع الصحة العمومية، يخلص الوسيط إلى التوصيات التالية:
بخصوص الخدمات الصحية يوصي الوسيط بالعمل على:
تدارك التفاوت المجالي المسجل على مستوى البنيات الاستشفائية جهويا وإقليميا، من خلال إعمال الخريطة الصحية وذلك بإعداد التصاميم الجهوية للعلاجات، انطلاقا من تقييم الطلب الصحي على أساس المعطيات الديمغرافية لكل مجال ترابي، والالتزام بالمعيار الوطني الذي يفترض وجود ساكنة لا يقل عددها على 200000 نسمة لإنشاء الوحدات الصحية الإقليمية؛
تأهيل البنيات التحتية والتجهيزات الصحية القائمة وتحديثها؛
تعزيز خدمات الصحة الأولية، وإنشاء مراكز صحية نموذجية لتطوير طب الأسرة؛
تدارك الخصاص في البنيات التحتية الصحية الأولية بالوسط الحضري، في أفق الاقتراب من المعيار الدولي القاضي بتوفير مؤسسة صحية لكل 10000 شخص؛
اتخاذ التدابير اللازمة والمستعجلة لتدارك النقص الحاصل في الموارد البشرية الطبية وشبه الطبية على أساس معيار التغطية والكفاية بالنسبة للفرد بشكل يحاول الاقتراب من المعدل العالمي القاضي بتخصيص 1,57 طبيبا و3,82 ممرضة وممرضا لكل 1000 شخص؛
تدارك التفاوت المسجل بشأن وضعية توزيع الأطباء والممرضات والممرضين بين المجالات الترابية، بما يحد من وضعية اللاعدالة المجالية، وتسريع وضع نظام لتدبير وضعية التفاوت المجالي في توزيع وانتشار مهنيي الصحة يقوم على التحفيز الإيجابي وعلى إجبارية الخدمة بالمناطق النائية؛
تحيين وتفعيل الدليل المرجعي للتدبير التوقعي للوظائف والكفاءات، وإطلاق برامج التكوين المستمر وتأهيل الموارد البشرية؛
الارتقاء بالحالة الاجتماعية لمهنيي الصحة، وإرساء نظام للحوافز يقوم على أساس تقييم الأداء والمردودية المهنية؛
العمل على تدارك الخصاص في البنية السريرية الاستشفائية في أفق الاقتراب من المعدل العالمي الذي يصل إلى 2,89 سريرا لكل 1000 شخص؛
اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على عدم المساواة في الاستفادة من الإيواء العلاجي، الناتجة عن التفاوت في توزيع الطاقة السريرية بين المجالات الترابية؛
تعبئة الجهود لتدارك النقص المسجل في العرض الصحي المرتبط بالمؤسسات التي تقدم خدمات صحية متخصصة؛
إرساء الانتشار الملائم للبنيات التحتية والتأطير الطبي وشبه الطبي المتخصص، بهدف التغطية العادلة للطلب على الخدمات الصحية المتخصصة؛
الرفع من معدلات ولوج الأفراد إلى الفحوصات العلاجية العامة والمتخصصة على مستوى التأطير الطبي وشبه الطبي، وتجاوز النقص الحاصل في البنيات الصحية الاستعجالية، وتأهيل المتوفر منها وتحديثه؛ واتخاذ التدابير اللازمة لتجاوز محدودية الموارد البشرية المتخصصة في الطب الاستعجالي؛
تعزيز الكفاءات التدبيرية والطبية للمؤسسات الاستشفائية وتجاوز الوضع الذي تكشف عنه حركية المرضى والإيواء الاستشفائي، ومعدلات إشغال الأسرة، ومتوسط مدة الإقامة، ومعدل الدوران، وفترة فراغ الأسِرَّة؛
مواصلة الجهود في ملاءمة التشريع المغربي المتعلق بالصحة النفسية والعقلية مع الالتزامات الدولية للمغرب، والعمل على بلورة سياسة وطنية جديدة لإعمال الحق في الصحة النفسية والعقلية وفق مقاربة حقوقية تحفظ حقوق وحريات الأفراد والكرامة الإنسانية؛
تدارك الخصاص في البنيات الاستشفائية والكثافة السريرية والتأطير الطبي وشبه الطبي لترجمة الإعمال الفعلي للحق في الصحة النفسية والعقلية؛
توخي العدالة المجالية في توزيع البنيات الاستشفائية المتخصصة في الطب العقلي؛
بخصوص السياسة الدوائية، يوصي الوسيط بالعمل على:
إصدار مدونة للتشريع الدوائي تضم مختلف النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بالدواء وبإمكانية الوصول إليه، وتشكل جزءا لا يتجزأ من مدونة عامة للصحة؛
إرساء سياسة دوائية وطنية في إطار تصور شامل للسياسة الصحية، انطلاقا من رصد دقيق للحاجيات الدوائية والمشكلات ذات الصلة بمختلف المسالك المرتبطة بالدواء؛
إعداد وثيقة السياسة الدوائية الوطنية باعتبارها الإطار الشامل للتعاطي مع مشاكل قطاع الدواء، والتي يتعين أن تتسم بالشمولية في النظر إلى مسلسل إنتاج الدواء وتوزيعه وتسويقه والوصول إليه، مع ضرورة الالتزام بالنهج التشاركي الذي يمكن من مشاركة مختلف المتدخلين في مجال الدواء في إعدادها، والعمل على تحيينها بشكل منتظم تبعا للمتغيرات التي يعرفها الوضع الصحي الوطني والدولي؛
مضاعفة الجهود لضمان الولوج إلى الأدوية ذات الجودة العالية والأثمنة المناسبة في إطار فعلية الحق في الصحة؛
تحديث القائمة الوطنية للأدوية الأساسية، ونشرها، وتحيينها بانتظام؛
توفير الأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية بالمستشفيات العمومية، وذلك للتخفيف من ممارسات الأداء المباشر عن العلاجات، خصوصا بالنسبة للمنتسبين لنظام المساعدة الطبية؛
الالتزام بالتسعير العادل للأدوية الأساسية لتسهيل إمكانية الحصول عليها من طرف مختلف الشرائح الاجتماعية؛
نهج سياسة لتسعير الأدوية تساهم في تحقيق نتائج ذات وقع ملموس على الولوج إلى الأدوية، وهو ما يقتضي بالضرورة تقليص عدد المتدخلين في تحديد أسعار الأدوية، والذي يترتب عنه تخفيض هامش الربح التراكمي الذي يتعين على مستهلك الدواء أداؤه؛
إعادة النظر في أسلوب التسعير المرجعي الخارجي، بالنظر إلى الفجوة الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة بين المغرب والدول المرجعية المختارة، وذلك باستبدال هذه الدول بدول مرجعية أخرى يتشابه مستوى تنميتها الاقتصادية والاجتماعية مع المستوى السائد بالمغرب، أو بتعديل السعر المرجعي ليتناسب مع مستوى الدخل الفردي المحلي؛
الاستمرار في خفض أسعار الأدوية الأصلية والجنيسة الأكثر استهلاكا بالمغرب، ورفع التعريفات الجمركية عن الأدوية، وإلغاء الرسوم عن جميع الأدوية الأساسية، ومواصلة جهود إعفاء الأدوية من الضريبة على القيمة المضافة، واتخاذ التدابير اللازمة لزيادة حصة السوق من الأدوية الجنيسة، وجعلها تقارب معدل الاستهلاك العالمي الذي وصل إلى 58 ٪؛
تعزيز سياسة الدولة في مجال الأدوية الجنيسة بوضع إطار قانوني مناسب، متجانس، وشامل لمختلف المقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالدواء الجنيس؛
تبسيط المقتضيات المسطرية المتعلقة بمنح رخص مزاولة مهنة الصيدلة، وتحديث نظام منح الإذن بعرض الأدوية في السوق، وتبسيط مساطر معالجة الملفات؛
تشجيع الاستثمار في قطاع الأدوية، والبحث العلمي، وصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية لتحقيق السيادة الدوائية، مع ضمان عدم إضعاف الأولويات ذات الصلة بالحق في الحصول على الدواء لفائدة المنظور التجاري؛
بخصوص تمويل الصحة يوصي الوسيط بالعمل على:
الرفع من مستوى الاستثمار في الصحة وتمويل المنظومة الصحية من منظور كونها قطاعا إنتاجيا وليس قطاعا اجتماعيا فحسب؛
تعبئة الاستثمارات وموارد تمويل الصحة باتجاه الانتقال من منظومة للصحة العلاجية إلى منظومة للصحة الوقائية والاستثمار الأمثل فيها؛
ضرورة اعتماد نظام للتمويل العمومي للصحة يقوم على تنويع مصادر التدفقات المالية، وعلى الابتكار في تعبئة الموارد وكيفيات استعمالها وقواعد توزيعها؛
زيادة الإنفاق العام على الصحة، وذلك بالرفع من ميزانية قطاع الصحة لتصل إلى 10٪ على الأقل من الميزانية العامة كما توصي بذلك المنظمة العالمية للصحة؛
العمل على تحسين نجاعة النفقات المرصودة للصحة وضمان الفعالية والنجاعة، وذلك بتعزيز آليات التقييم المواكب والتقييم البعدي وترسيخ آليات المساءلة في القطاع الصحي؛
التخفيف من عبء الإنفاق الصحي على الأسر، وذلك من أجل تقليص معيقات الولوج إلى الخدمات الصحية، وتفادي الإنفاق الكارثي؛
مضاعفة الجهود لتعبئة المزيد من التمويل الخارجي للاستثمار في مجال الرعاية الصحية وخدماتها؛
تحقيق التوازن بين متطلبات التسيير وفعالية الاستثمار على مستوى الميزانية العامة لقطاع الصحة، وذلك بتحسين الأداء الاستثماري للقطاع للرفع من القدرة على التعاطي مع إلزامية توفير الخدمات الصحية وتجويدها؛
بخصوص الحكامة في قطاع الصحة العمومية، يوصي الوسيط بالعمل على:
الالتزام بمعايير منظمة الصحة العالمية في تركيز جهود حكامة المنظومة الصحية على جودة وفعالية العرض الصحي؛ والولوج إلى العلاجات والحماية المالية للأفراد والأسر؛ ونجاعة المنظومة الصحية، والاستدامة المالية على المدى البعيد؛
فتح ورش تشريعي وتنظيمي لإصلاح النصوص القانونية المؤطرة للمنظومة الصحية في أفق إحداث مدونة عامة للصحة لتجاوز تشتت المقتضيات القانونية الصحية، وتحقيق انسجام القواعد والأحكام القانونية ووضوحها بشكل يساهم في إرساء الأمن القانوني في المنظومة الصحية؛
وضع إطار للشراكة الاستراتيجية، واعتماد النهج لتشاركي في تعبئة الشركاء على مستوى المجالات الترابية: قطاع صحي خاص، منتخبون، جامعات، ومجتمع مدني، لتعبئة الموارد المالية والاستثمارات في مجال البنية التحتية واقتناء المعدات؛
استكمال ورش اللاتمركز الإداري بالاستمرار في النقل الواسع للصلاحيات التقريرية والتدبيرية المركزية إلى المصالح الصحية الجهوية والمؤسسات الاستشفائية؛
إعادة النظر في الهيكلة التنظيمية للمنظومة الصحية، ومساطر التدبير الإداري والمالي، وإدارة الموارد البشرية؛
تنسيق المسارات التي يسلكها المرضى بين مختلف مستويات عرض العلاجات الصحية؛
تحقيق العدالة المجالية في التمويل الصحي باعتماد معايير دقيقة وشفافة في توزيع الاعتمادات بين الجهات على مستوى نفقات العتاد، والنفقات المختلفة العامة المخصصة للمصالح الخارجية؛
مواصلة الجهود في تحديث نظام تدبير المؤسسات الاستشفائية وتعزيز استقلالها المالي والإداري؛
اتخاذ التدابير اللازمة لتبسيط المساطر الإدارية والمالية الخاصة بقطاع الصحة، وترسيخ مبدأ نجاعة التدخلات الإدارية والمالية وشفافيتها؛
تعزيز مهام المراقبة والتدقيق والتفتيش، وإرساء نظام للتتبع والتقييم اعتمادا على النهج التشاركي في قياس أداء المنظومة الصحية في بناء ثقة المواطن في الصحة العمومية وقياس درجة رضاه عن الخدمات الصحية المقدمة؛
مضاعفة الجهود لضمان الحق في الوصول إلى المعلومة الصحية، ونوعية ومحتوى المعلومات التي يتعين وضعها رهن إشارة العموم؛
إرساء آليات للتشاور العمومي في مجال الصحة تضمن إعمال الحق في مشاركة السكان والمجتمع المدني ومختلف الفاعلين في إعداد السياسات ووضع البرامج والخطط وتتبعها وتقييمها ومراقبتها.