ألن تنجح أعمالكم إن بقيتم هادئين فيما تقدمون؟
لم يتبق عمل إلا واستشفينا منه كمشاهدين ملامح العنف.
إن أغلب الأعمال الإبداعية الدرامية أو الفكاهية المغربية التي تم بثها مؤخرا أصبحت تقحم العنف في مشاهدها. أقصد العنف بوجهيه الجسدي وكذا اللفظي.
فحتى لو لم تكن العبارات الملفوظة من طرف الممثلين قدحية أو مخلة بالآداب العامة، إلا أنها تكرس لرد فعل عنيف.
عنف يصاحبه الصياح ربما إقناعا لنا نحن من نشاهدهم بأدائهم. نأخذ مثالا على ذلك الكاميرا الخفية التي تبث على القناة الثانية (مشيتي فيها) فالصراخ والعنف عنوانها. حتى بات من البديهي أن نجد في كل سنة الفكرة التي تتمحور حولها هذه الكاميرا الخفية هي خلق وضعية معينة واستضافة وجه مشهور مدعين أنه لا يعلم بأنه مجرد مقلب.
لتختتم بأصوات طلقات البندقية (أتحدث عن النموذج الذي يبث هذه السنة) وإيهام المستضاف بقتل أحد الحاضرين ليدخل هو الآخر في حالة من الذعر والخوف من المصير المجهول. ناهيك عن التفاصيل . وبالتالي فهاته الصورة النمطية التي تجسد العنف بشكل استمراري باتت لصيقة بهذا الجنس من الأعمال الترفيهية الرمضانية فكان أن فرضت نفسها على الموائد المغربية.
كحقن تحت الجلد يأخذها المغاربة جرعة بعد جرعة, فتجد أفراد العائلة مستديرين حول المائدة وعوض ما ينتبهون إلى ما يقضمونه فأعينهم مشدوهة نحو التلفاز الذي يطلق ضجيجا لا يطاق حتى في الأيام العادية ما بالك بأيام الصيام والجسد والعقل منهكان يحتاجان زادا نافعا لا ضارا. بل وأحيانا فقد يخلق الضجيج نوعا من الرغبة في ممارسة العنف لا إراديا من طرف المتلقي.
مما لا شك فيه أن هذا العنف يعكس صورة المجتمع المغربي. فحياتنا اليومية لا تكاد تخلو من الممارسات العنيفة وهذا مالا يمكننا نكرانه.
ويقينا نحن على دراية بما يكتنف هذا الواقع الذي نحيا بين تفاصيله، من ظواهر باتت مرتبطة بمجتمعنا.
لكن حيال اصطدامنا بمعالجة ضعيفة لهذا الواقع وتجسيده كما هو دون محاولات للتخفيف من حدته أو على الأقل استحضار مشاهد من شأنها أن تسهم في التحسيس بخطورة القضية المتربصة بنا. أو لنقل بتعبير آخر أنها أعمال اقتصرت على تجسيد جانب من الواقع المعيش في غياب شبه تام للمعالجة الفعلية له وللتناول المنطقي لوقائعه “فقط نقل التفاصيل بدون أهداف تحسيسية وتوعية بأهمية المجسد”.
ومن المفترض أن الفن بصوره المتعددة يرتقي بالمجتمعات. وعموما فالفن يستنبط الكليات والجزئيات من الحياة التي نحياها ويراها أكثر وضوحا. صانعا بذلك إبداعات تعكس بجد فكرا ورؤى يستنير بها المجتمع.
وإنتاج مسلسل أو فيلم أو أي عمل تلفزيوني إبداعي متضمن لمشاهد عنيفة في غياب البعد التوعوي الحق، بدعوى أنه يعالج ظاهرة مجتمعية فذلك في حد ذاته يمكن أن يقوي من حضور تلك الظاهرة وبالتالي لما لا يغدو ذلك العمل الإبداعي آلية لتكريسها (الظاهرة) .
وإلى جانب العنف يطغى على الإبداع التلفزيوني المغربي برمضان كما في سائر الأيام، التجسيد القوي لمشاهد تلك العلاقات غير المؤطرة. أو بسياق آخر علاقات تبنى خارج إطار الزواج، حقيقة لا يمكننا إخفاء أنها موجودة في مجتمعنا. فقد أصبحنا نرى باستمرار الشوارع التي يجوبها العشاق باسم الحب. و ربما الادعاء المقر بأن لكل حريته الشخصية في اقتراف ما يشاء من الأفعال صحيح، لكن كفانا من الترويج لها كأنها شغلنا الشاغل في هذا المجتمع.
أ لاتوجد قضايا مجتمعية تستوجب المعالجة؟ الحب ثم الحب ثم الحب كأننا في عالم وردي خال من النواقص. بل وحتى إن اعتقدنا بأن الحب قيمة من القيم المرافقة للإنسان من المهد إلى اللحد، لكن الصيغة التي تكرسها لنا هذه الأعمال الإبداعية هي: أن الحب الذي يمارسه الجنسان ( رجل في مقابل امرأة ) هو الحب الضروري الذي لا يمكننا أن نحيا من دونه، كأنه تجسيد من أجل التجسيد ، تجسيد الواقع المر الذي نعيشه بتفاصيله لكن دون أن يحمل(التجسيد) أبعادا من شأنها أن ترتقي بمجتمعنا. بل وحتى أن هذه الأعمال أفقدت الحب جوهره الحقيقي، وأصبحنا نشيئه كأنه سلعة تنتهي صلاحيتها حيال ما أردنا ذلك .
لكن الطامة الكبرى هي إن كان المشاهد المغربي يحبذ هذا النوع من المضامين التلفزيونية بل ويتلذذ بمشاهدتها وكأنها تغذي ذلك الجانب المرضي فيه. ويدق ناقوس الخطر حيال توفر إبداعات “هادئة” تعالج القضايا والظواهر الاجتماعية ببعد تحليلي ومن منطق التأثير الإيجابي على شرائح المجتمع المستهدفة ،وفحواها الإبداعي يحمل بين طياته قيما هادفة ومستنيرة .لكن تقابل بعدم الاهتمام .
وهنا تطرح إشكالية كبرى : هل المشاهد المغربي هو من يوجه منتجي مايقدمُ له عن طريق رصد اهتماماته من خلال قياس نسب المشاهدة ؟ أم أنها أعمال فرضت عليه فوجد نفسه بين ظلالها مكتوم الأنفاس فما تبقى له إلا خياران اثنان المتابعة
أو المتابعة !