يُحكى أن الصدفة جمعت عَالِما بشاب يقود مركبا ودار الحوار بينهما، فسأل العَالِم الشاب بنبرة متعالية: “ما هو مستواك الدراسي؟” فأجاب الشاب ببساطة: “لم أدرس في حياتي”. ابتسم العَالِم بسخرية واستهزاء وقال: “إذًا نصف عمرك قد ضاع!”
وفجأة، اضطرب الجو وهاجت الأمواج وارتفعت بشكل مخيف. التفت الشاب للعَالِم وسأله بهدوء: “هل تعرف السباحة؟” فارتعب العَالِم وأجاب مذعورًا: “لا، لا أجيد السباحة!”
فابتسم الشاب وقال بحكمة: “إذًا عمرك كله قد ضاع وليس نصفه فقط!”
قياسا على ذلك فإن بلوغ أعلى مراتب التحصيل الأكاديمي بالمغرب لا يعني بالضرورة توفير كل حاجيات العيش الكريم في ظل غلاء متوحش.
في المقابل، قد تتمكن عاملة بحقول الفراولة جنوب إسبانيا من جني ما يعادل مليوني سنتيم شهريا ما يسمح لهن بتحقيق أحلام العمر كمساكن لائقة أو تمويل مشاريع مربحة، وانتشال أسرهم من الفقر.
المفارقة المؤلمة تكمن في أن أستاذنا الجامعي، رغم شهاداته وتأهيله، يجد نفسه محاصراً بقروض مصرفية قد تمتد لعقدين من الزمان، بينما تستطيع عاملة الفراولة – بفضل دخلها المرتفع- شراء منزل أو تمويل مشروع في غضون سنوات قليلة.
وبشكل تقريبي يتقاضى الأستاذ الجامعي المغربي – بعد سنوات من الدراسة والتأهيل – راتباً يتراوح بين 14.000 و20.000 درهم شهرياً، حاملاً على كاهله أعباء علمية جسيمة بين التدريس، والبحث، والتأطير، والتصحيح، والإشراف على الرسائل الجامعية…
مهام تستنزف الطاقة الفكرية والجسدية، وتتطلب سهرات طويلة وجهداً عقلياً مضنياً.
وإذا بدى متقاربا دخل أستاذ جامعي بالمغرب وعاملة فراولة بجنوب إسبانيا فبماذا نقارن أجور أساتذة التعليم ما دون العالي ؟!
وليس مبالغة إذا قلنا أن أجراء وموظفين كُثر بالمغرب ” عايشين بالبركة”.
جلهم يجد صعوبة بالغة في تغطية المصاريف والفواتير اللامتناهية، أما الادخار والاستثمار بالنسبة لهم ترف وحلم بعيد المنال.
ولن يكون صادما إذا أجاب طفل عن سؤال بماذا تحلم أن تصبح مستقبلا ؟…عامل فراولة !