مبدئيا فكل من “البيتزا” والفطائر المحشوة أطباق الهدف الأساسي منها هو إشباع الرغبة في الأكل أو سد الجوع.ولو قمنا بتحضير الأكلتين في نفس الوقت، فيمكننا الاعتماد على نفس المكونات تقريبا، لكن مع فارق أن الحشوة أو خليط الخضر في البيتزا سيكون فوق العجين ظاهرا للعين، عكس “الرغايف معمرين” حيث الحشوة تكون غير ظاهرة ولا يمكن معرفة وجودها إلا بعد التذوق.
وحيث أن العادات الغذائية والأكلات مرتبطة بشكل وثيق بالثقافة الشعبية لكل بلد ولكل حضارة، فإنه يمكن استنتاج بعض الملاحظات في ما يخص الفرق بين “البيتزا” وغيرها من المأكولات الغربية، وما ورثناه من أطباق عن آبائنا وأجدادنا.
والملاحظ أن الأكل الغربي الذي استوردناه مكشوف للناظرين، ويهتم كثيرا بالمظهر الخارجي في محاولة للجذب وإثارة الغرائز والشهوات. مقابل ذلك، فالأطباق المغربية الأصيلة يتم إعدادها مع الحرص على ستر المكونات وإخفائها، والأمثلة عديدة ك”المدفونة” و”كعب غزال” أو “الكعبة” والفطائر المحشوة و”الخبز معمر” و “البسطيلة” ذات الجذور الأندلسية.
إن الحمولة الفكرية التي تعكسها الأطباق الغربية تتمثل في التعري والوضوح والإفصاح، في حين أن الأكل المغربي الأصيل غلب عليه طابع الستر والإخفاء. فلا يمكن أن تجد منزلا مغربيا إلا والخبز ملفوف في منديل.
هذا الأمر يدل على أن حياة أجدادنا كانت تحكمها قواعد مجتمعية نفتقدها في زمننا الحاضر، هذه القواعد تقتضي الحياء وعدم كشف العورات الذي أصبح الآن مألوفا (مع الأسف). وتطبيقات “التيك توك” وغيرها تكاد تنفجر من محتويات تتضمن إيحاءات جنسية وعريا سافرا قطع مع الزمن الجميل الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا. والذي يبدو أنهم كانوا محظوظين بعدم وجود هذا الشيطان المارد المسمى “الهاتف الذكي” في حياتهم. والحقيقة أن ذكاءه يتمثل في استعمار عقولنا عن بعد، وترسيخ حالة الاستلاب الثقافي والفوضى التي نعيشها.
من الواضح أننا صرنا أتباعا للحضارة الغربية، وتغيرت عاداتنا بشكل كبير، سواء في التغذية أو شكل اللباس أو نمط العيش. وما يحز في النفس أكثر هو أننا أخذنا فقط ما هو سلبي من الغرب، فلم نأخذ عنهم التطور والتفوق في الصناعة والعلوم، واستوردنا كل ما يعانونه من مشاكل اجتماعية. ولذلك يمكن القول أننا مجتمع مستهلك بامتياز، لا نكتفي باستهلاك الأكل والبضائع بل حتى عيوب ومشاكل الآخرين.