كنت شابا قادما من طنجة أدرس بالمعهد العالي للصحافة..وكانت دروس الصحافة مع مواد القانون والاقتصاد عبوسة منمطة لاتشفي الغليل فصرت رفقة زملاء أصدقاء نبحث عن الرباط الأخرى عاصمة الانوار والثقافات التي نعشق خارج أسوار مدينة العرفان البائسة..
كنا نجد ذلك في حلقات ندوات نادي فلسفي بكلية الاداب ينسق ويقود أشغاله محمد عزيز الحبابي و يشارك محاضرا ومناقشا وجوه جامعية فكرية رفيعة ..كتاب وباحثون مدرسون مثل الجابري ومحمد سبيلا ومحمد الواقيدي ومحمد الدكالي وسالم يفوت وعلي أومليل ومحمد السطاتي وبنسالم حميش وبشير قمري وغيرهم ..
كان يرافقني في هذه الهربة من بؤس المعهد الى رحابة الفلسفة وسلسلة الفلسفة الى أين..الصديق علي أنوزلا من كلميم ومولاي عبد الرحمان عبد الوالي القادم من ميدلت وعمر عبد الحفيظ الفكيكي الأصيل..
الصورة التي ظلت راسخة في ذهني عن محاضرات الفلسفة هي تدخلات وآراء محمد سبيلا الذي كان درسه سلسا واضحا ممتعا غنيا بالمعرفة والمنهج والتحليل الذي يسري في عقلك بيسر..
الفريق كله كان فريق محترفين مهووسين بالفكر والفلسفة لكن سابيلا كان له طعم خاص..كان رقايقيا في لمساته وطروحاته الفكرية..كان مثل عازف ملحن كبير يبحث عن ميزان موسيقي يخاطب العقل والحداثة والخيال وأحوال مجتمع مكبل محافظ تقليدي..
رحل معظهم فلاسفة حلقة كلية الآداب بالرباط..
لكن تبقى في ذهني صورة راسخة ..كنت أحب وأميل إلى محاضرات سبيلا على الجابري..لا أقارن بينهما لكن هناك طاقة ايجابية ومحبة تفتح صدرك وحواسك وأنت تشرب و ترتوي من تلك العين الصافية الرقراقة ..عين وساقية محمد سبيلا ..
رحم الله المفكر والكاتب الفيلسوف..