محطة من المحطات المحزنة في تاريخ الاعتقال السياسي بالمملكة المغربية في عهد الراحل الحسن الثاني، يحكي عنها المعتقل السياسي السابق محمد الأمين مشبال. محطة المرض و الاكتئاب و ارتفاع حالات الجنون في صفوف المعتقلين السياسيين .
- الجنون في السجون
في بداية الثمانينات أصيب باضطرابات عصبية كل من المرحومين البوحسن واشديني ميلودي إذ كانت حالة الذهول تظهر عليهما بوضوح لكن معاناتهما كانت بصمت، وهنا لابد من الإشارة إلى العطف والعناية والمحبة التي كان يشمل بها المرحوم اليزمي عبد العالي صديقه البوحسن خلال السجن ثم لما غادراه..
الحالة الثالثة التي برزت وكانت مصدر قلق وتوتر داخل مجموعتنا فتتعلق بحالة المرحوم أحمد الفصاص(كان محكوما بـ20 سنة سجنا) الذي كان شديد الصراخ ويدخل في شجارات وشتائم مع رفاق مختلفين ويتهم البعض بالتجسس عليه وقراءة رسائله، بل وصل به الحد إلى توجيه لكمة غادرة إلى عين السريفي، فأصبح بالتالي أشبه بقنبلة موقوتة داخل المجموعة ونخشى أن يقدم على طعن أحدنا بالسكين مثلا.
كانت هناك حالات أخرى أقل عنفا، ربما كانت تعيش تحت وطأة الاكتئاب، وأذكر أن أحدنا أصبح بأشبه المجاذيب فلا وقت مضبوط له لا للنوم ولا للاستيقاظ ولا للأكل، يعيش في عزلة، والأدهى من ذلك لايمكنك حتى الاقتراب منه لأنه كان لا يذهب إلى الحمام ولا يغتسل ولا ينظف ملابسه وبالتالي فإن الرائحة التي كانت تنبعث منه لا تُطاق.
أما عن أسباب ذلك فلست مؤهلا علميا لتقديم تفسيرات، لكن كانت هناك عوامل موضوعية ساعدت على ذلك. فما كان يوحد تلك الحالات هو مدة العقوبات القاسية التي تتراوح ما بين 10 سنوات و20 سنة، وغياب الأنثى في حياتهم، ثم الهشاشة الاجتماعية إذ كان أولئك الرفاق ينحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة مما يجعل السجين لا يتوفر على المؤازرة المعنوية والمادية المطلوبة وحسب بل يتأثر لمعاناة أسرته..ولا ننسى أن الصراعات السياسية وتفكك التنظيمات جعل معظمنا يحس بأن جزءا رئيسا من عالم المثل الذي كان في ذهنه قد انهار.
طبعا كان هناك رفاق من كانت تعتمد عليهم أسرهم لتوفير معيشتها، ومن كان متزوجا وله أولاد ويخاف عليهم من التشرد والضياع، وهناك من كان مخطوبا ومرتبطا عاطفيا، ويخشى أن تهجره أوتخونه حبيبته لأن قدرة الاحتمال على الجوع الجنسي وغيره من الإكراهات ليست في متناول الجميع..
باختصار ما أود قوله كانت هناك حالات إنسانية تجتر معاناتها في صمت وكبرياء وعزيمة نادرة وهذا ما يميز ويخلق التفاوت ما بين البشر. فالتركيبة البيولوجية و طاقة الاحتمال تختلف من فرد إلى آخر بحيث لا تؤدي نفس الأسباب إلى نفس النتائج كما هو الشأن في عالم الطبيعة.
واغتنم هذه المناسبة للتعبير عن امتناني لأسرتي الصغيرة وعلى رأسها المرحومة والدتي على كل ما قدمته لي وكان لها دور كبير في أن أحافظ على توازني خلال سنوات المحنة، كما أشكر ثلاث صديقات غمرتني كل واحدة منها بعطفها ومؤازرتها ويتعلق الأمر بكل من أمينة بوعياش التي رافقت تجربتنا منذ بدايتها والصديقة الاسبانية إنكارنا كابيللو ومراسلتي الأمريكية من منظمة العفو الدولية جوان زيمرمان.