محاكمة المستشار أحمد عبده ماهر وإيداعه السجن بسبب كتبه وأفكاره النقدية دليل على أن مصر الحضارة قد انحدرت إلى الحضيض الأسفل من التخلف، فالأفكار لا يرد عليها إلا بالأفكار، والرد عليها بالعنف اللفظي والمادي، أو بالمحاكم والإرهاب الفكري دليل ضعف كبير وإفلاس تام.
إن مؤسسات الكهنوت تعيش النزع الأخير، ولم يعد لها من قدرة على ستر عوراتها وإخفاء تهافتها إلا بالعنف والانتقام، فما يحاكم بسببه عبده ماهر أصبح اليوم شائعا عند الخاص والعام، وأصبح من البديهيات، وسجن المثقفين لن يغير شيئا من الحقيقة، والتي هي أن مرحلة من التاريخ قد انصرمت، وأننا على أبواب مرحلة جديدة تتسم بالنقد الجذري لأسباب التخلف، وبالغربلة الصارمة لتراث لم يعد في معظمه صالحا للبقاء.
وإن استمرار محاكمة الكتاب والمثقفين بمصر وإيداعهم في السجون بسبب أفكارهم وكتبهم سيظل وصمة عار في جبين الدولة المصرية.
مرة أخرى ينكشف واقع ما يسمى “استقلال القضاء” في مصر، فهو مستقل نسبيا عن السلطة، لكنه تابع للإخوان وللأزهر والسلفيين. ولا عدل إلا باستقلال فعلي لمؤسسة القضاء عن السلطة والتيارات الإيديولوجية التي تستعمل القضاء للانتقام من معارضيها.
سينسى التاريخ أسماء الذين حاكموا أحمد عبده ماهر، وسيذكره بوصفه واحدا من الذين أناروا شعلة الفكر الحي في ظلمة الجهل والخرافة.