في خضم التوترات الاجتماعية المتزايدة التي يشهدها المغرب، وبعد مخاض عسير استمر لأزيد من ستة عقود، صادق البرلمان المغربي على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد “شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب”،
وهو الحق الذي ضمنه الدستور المغربي منذ عام 1962. هذا القانون، الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والنقابية، يأتي في ظل دعوات لإضراب عام من قبل نقابات عمالية احتجاجاً على السياسات الحكومية، مما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذا القانون على تحقيق التوازن بين حق العمال في الإضراب وحماية مصالح المشغلين وضمان استمرارية الخدمات الأساسية.
أبرز مستجدات القانون:
يحدد القانون الجديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، مع التركيز على ضمان استمرارية الخدمات الأساسية وحماية حقوق العمال وأصحاب العمل على حد سواء. ومن بين أبرز ما جاء في نص القانون:
– تعريف دقيق للإضراب: يعرف قانون الإضراب بأنه “توقف جماعي عن العمل يتم بصفة مدبرة ومحددة المدة، بهدف الدفاع عن حقوق أو مصالح اجتماعية أو اقتصادية مباشرة للأجراء المضربين”.
– شروط وإجراءات ممارسة الإضراب: يحدد القانون مجموعة من الشروط والإجراءات، التي يجب على العمال والنقابات اتباعها قبل الشروع في الإضراب.
بما في ذلك إجراء مفاوضات مع المشغلين، وإشعارهم بالإضراب قبل 7 أيام في حالة إضراب وطني و5 أيام في حالة إضراب إقليمي.
الشيء الذي اعتبره خالد السطي، المسؤول الإعلامي للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في تصريح ل بي بي سي، أنه بند من أجل منح أرباب العمل الفرصة لإفشال الإضراب وإفقاده فعاليته وتأثيره وفجائيته، وتعقيد مسطرة الإخطار.
– ضمان استمرارية الخدمات الأساسية: يلزم القانون النقابات بتأمين حد أدنى من الخدمات الأساسية خلال فترة الإضراب، لضمان عدم تأثر حياة المواطنين.
– حماية حقوق الأجراء:
عدم التمييز: يمنع على المشغل اتخاذ أي إجراء تمييزي ضد الأجراء بسبب مشاركتهم في الإضراب.
عدم عرقلة حرية العمل: يمنع عرقلة حرية العمل خلال الإضراب، سواء من قبل الأجراء المضربين أو المشغل.
عدم استبدال الأجراء المضربين: يمنع على المشغل استبدال الأجراء المضربين بأجراء آخرين خلال فترة الإضراب، إلا في حالات محددة تتعلق بتأمين الحد الأدنى من الخدمة.
– عقوبات على المخالفين:
عقوبات مالية:
يعاقب بغرامة مالية تتراوح بين “2,000 إلى 50,000 درهم” على المخالفات المتعلقة بالإضراب، مثل عرقلة حرية العمل أو عدم احترام شروط الإضراب. وفي حالة العود (تكرار المخالفة)، يتم مضاعفة العقوبة.
عقوبات تأديبية:
يعتبر الأجير الذي يمارس الإضراب دون التقيد بالإجراءات المنصوص عليها في القانون في حالة تغيب عن العمل بصفة غير مشروعة، وتطبق في حقه العقوبات التأديبية المنصوص عليها في النصوص التشريعية.
الإضراب الوطني العام:
تزامنت المصادقة على هذا القانون مع إضراب عام دعت إليه عدة نقابات عمالية، احتجاجا على ما وصفته بـ “السياسة اللااجتماعية للحكومة”. وقد شهد الإضراب مشاركة واسعة من العمال بمختلف القطاعات.
حيث كشف يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، عن الأرقام الرسمية الخاصة بالإضراب الوطني ليوم الأربعاء 5 فبراير الجاري، التي قال إنها “بلغت 1.4 في المائة في القطاع الخاص”، مسجلا أن “النسبة يتم احتسابها وفق عدد المضربين بالنظر للعدد الإجمالي للمشتغلين في هذا القطاع”.
وبالنسبة للقطاع العمومي، أكد السكوري، خلال اللقاء الصحافي الأسبوعي بعد انعقاد المجلس الحكومي، أمس الخميس، أن النسبة الإجمالية بلغت 32 في المائة، موضحا أنه “في القطاع التعليمي بلغت 35.5 في المائة، و33.3 في المائة في قطاع الصحة، ثم 30.5 في قطاع العدل، و26.4 بالنسبة للجماعات الترابية، وكذلك 25.9 بالمائة في ما يخص المؤسسات العمومية”.
وتأتي هذه الأرقام الرسمية في وقت تتحدث الحركة النقابية عن نتائج عامة في شتى القطاعات العمومية والخاصة تفوق 84 في المائة. كما أعلنت هيئات نقابية مهنية أن النسبة تراوحت في قطاعي التعليم والصحة بين 80 وأزيد من 90 بالمائة.
ردود الفعل:
تباينت ردود الفعل على القانون الجديد والإضراب العام. ففي حين اعتبرت الحكومة أن القانون يمثل خطوة تاريخية نحو تنظيم ممارسة حق الإضراب، وترسيخ الاستقرار الاجتماعي، اعتبرته النقابات “قانونا تكبيليا” يستهدف تقييد حق العمال في الاحتجاج والدفاع عن حقوقهم.
حيث رفع مستشارو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، خلال جلسة التصويت، لافتات احتجاجية تحمل شعارات منددة بموقف الحكومة، من بينها: “الحكومة أغلقت باب التفاوض حول مشروع قانون الإضراب” و”الحكومة أجهزت على الحق في ممارسة الإضراب”، في إشارة إلى رفضهم لمشروع القانون التنظيمي.
كما انسحب فريق الاتحاد المغربي للشغل من التصويت، في حين غاب 291 نائبا برلمانيا عن الجلسة التشريعية التي خصصت للدراسة والتصويت على مشروع القانون التنظيمي للإضراب بمجلس النواب في إطار القراءة الثانية، فيما لم يحضر سوى 104 نواب من بين 395 عضوا، صوت منهم 84 لصالح مشروع القانون فيما عارضه 20 آخرون، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت. ليمرر القانون في الواقع بتصويت الأقلية بفضل الغيابات، مما يجعل المصادقة عليه فعل غير ديمقراطي.
صدى وطني ودولي:
حظي هذا القانون والإضراب بتغطية إعلامية واسعة على المستويين الوطني والدولي. وتساءلت العديد من المنابر الإعلامية عن مدى قدرة هذا القانون على تحقيق التوازن بين حقوق العمال وحماية مصالح المشغلين، وعن تأثير الإضراب على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وعلى صعيد مواقف نقابات الدول المغاربية، فلم يصدر سوى موقف وحيد من تونس، حيث عبر الاتحاد العام التونسي للشغل – في برقية مساندة نشرها – عن تضامنه المطلق مع النقابات المغربية في “دفاعها المشروع عن الحقوق النقابية، ورفضا لقانون الإضراب التقييدي”.
كما ورد في نص البيان “أن استهداف الحريات النقابية والتضييق على الحق في الإضراب وتجاهل المطالب المشروعة للنقابات في ظل تدهور القدرة الشرائية لعموم المواطنات والمواطنين يعد انتهاكا صارخا لحقوق العمال وتجاوزا لمبادئ الحوار الاجتماعي العادل”.
ختاما، تجدر الإشارة إلى أن قانون الإضراب والإضراب العام، يشكلان منعطفا هاما في تاريخ العمل النقابي بالمغرب. ففي ظل الجدل الدائر حوله، يبقى مستقبل هذا القانون مجهولاً، خاصةً مع انتظار قرار المحكمة الدستورية، التي يُفترض أن تراجع القانون للتأكد من مطابقته للدستور.
ليبقى السؤال، هل سيحقق هذا القانون التوازن المنشود بين حقوق العمال والمشغلين، ويساهم في تهدئة التوترات الاجتماعية، أم أنه سيؤدي إلى مزيد من الانقسام وتعميق الخلافات؟