يحاول عبد الواحد الشرايبي هذه الأيام جاهدا اللحاق أو الإمساك بعقله الذي “طار”، واستقر بين دفتي إصدار جديد، متنقلا وراءه بين مراكش وفاس ومكناس والدار البيضاء والرباط وغيرها من الحواضر الكبرى، تعريفا به وسعيا لتوزيعه على محبي الكلمة والحرف.
اعتبارا لتعدد أنشطته ومهاراته.
يحتار المرء في تصنيف عبد الواحد الشرايبي، المولود في مراكش سنة 1952، فهو رسام موهوب عايش أجيالا من ألمع التشكيليين المغاربة انطلاقا من مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء منذ ستينيات القرن الماضي.
وهو مصمم “غرافيك” فني ابتكر ملصقات وهويات بصرية لعدد من المؤسسات والشركات والمؤسسات الكبرى، حملت بصمته الخاصة كواحد من رواد هذا المجال.
.
وهو أيضا رجل إعلام وتواصل بامتياز، أنشأ أول وكالة اتصال بالمدينة الحمراء سنة 1980، ثم في الرباط سنة 1990، حيث واصل مساره بإصدار العديد من المطبوعات، ضمنها مجلة “في الأولى” التي كانت مكرسة للإعلام السمعي البصري
.
ابن مدينة سبعة رجال فاعل ثقافي وعاشق كبير للفن السابع، وحاضر دائما في التظاهرات الثقافية والفنية، وباحث لا يكل ولا يمل، ومنشغل منذ سنوات بمشروعه في تتبع ورصد جذور آل الشرايبي، مسلطا الضوء على ملامحهم ورصيدهم ومنجزهم عبر التاريخ
.
مؤخرا كشف الشرايبي عن وجه الزجال، من خلال إصدار ديوانه المعنون ب” عقلي طار”، الذي طبعه على نفقته الخاصة، ووضع بين صفحاته مختارات من إنتاجه، وتناول فيه شتى المواضيع بأسلوبه الخاص في فن القول، وذلك بخط مغربي ، وفي إخراج أنيق جمع بين الصورة والرسم، كخلفية فنية تثري القصائد وتضفي عليها هالة من التوهج
.
وهو يتحدث عن نفسه للقراء بصيغته الخاصة عبر منصة الزجل، فيقول:
“شرايبي حفيد البوهالي قدور ووحداني
بمجمعكم لفريد زها حالي نورو وجداني
كل يوم نعيد فيه مقالي وأشعار الولهان
لحبابي نهديها ورود وأزهار بكل الألوان
“
في مستهل تقديمه للكتاب، حرص الكاتب والناقد الأدبي الشهير الدكتور نجيب العوفي على أن يحكي قصة اللقاء بالشرايبي الذي حل بالجوار ضيفا في حي حسان بالرباط، الذي يشكل ” ملتقى وموئلا لرموز ثقافية وأدبية وفنية مرموقة من كل المشارب والمضارب”.
” ومع الجوار كان حوار، وكانت صداقة متنت الأيام عراها وضوعت شذاها”، يضيف العوفي بأسلوبه الرشيق، مستحضرا باقة من الذكريات الفواحة بعبير المحبة
.
وعند استجلاء واستظهار ما يحفل به الديوان من ومضات وإشراقات ابداعية، كتب العوفي أن الزجل المغربي كان “حاضرا باستمرار في أعمال الشرايبي، حاضرا باستمرار على لسانه، وناضحا من وجدانه، بنبرة مراكشية وفاسية في آن، وببلاغة مغربية راقية
.”
ولم يفت العوفي أن يركز على ما سماه ب”الميزة الأساسية” التي تطبع زجل الشرايبي، في رأيه، وهي “توليفه الجمالي بين العامية والفصحى، في زجل مغربي أصيل وجميل، يعيد للسان المغربي الدارج جزالته وبلاغته وأناقته، على غرار مبدعي ومجددي الزجل المغربي الأصلاء الوازنين”.
ومن أجواء الديوان نقتطف هذه الشذرة الزجلية
:
“عقلي طار ولرياح هزات جناحو
الكسدة فتطوان والقلب فتمراحو
بين زقاق فاس ومراكش وصلاحو
ينسج خيال صورتو وينظم مداحو
هنا ذاتي تتغنى بلا روح لقات لهنا
تمشي فوق الأرض لاشغل لامحنة
فينما راح الليل تروح ياك بلادنا جنة
والقلب المغروم تايه جريح فالمعنى
آش من عطرة بقات فالورد لا من يسقيه
آش من نظرة ولات فالبدر لا من يحلم به
وأنا الراوي فجامع الربح لا من يسمع له
بوهالي هكذا حالي فتجوالي الله يشافيه.”