تعيش رياضة التنس، إحدى الرياضات الأكثر شعبية في العالم، لحظة مفصلية في تاريخها، إذ شارفت فترة ”العمالقة الثلاثة” ( (BIG3 :روجر فيدرير ، ورفائيل نادال، ونوفاك دجوكوفيتش، على النهاية، بعد اعتزال الأسطورة السويسرية فيدرير، والاعتزال الوشيك للإسباني نادال مع تراكم الإصابات وعُسر استعادة لياقته البدنية السابقة. فوز الصربي دجوكوفيتش بالذهب الأولمبي في باريس حقق به الإنجاز الوحيد الغائب عن خزائنه، وزاد من التكهنات حول احتمال اعتزاله.
الخبر السار لعشاق الكرة الصفراء هو بزوغ نجم الإسباني الشاب المتألق كارلوس ألكاراز الذي حصد في سن الواحد والعشرين فقط أربعة ألقاب كبرى (غراند سلام)، ويسير بخطى ثابتة نحو الهيمنة على التنس لسنوات عديدة قادمة.
في هذا الحوار المطول مع لورون شيامبريتو، الخبير في التنس، نمحص اللحظات العصيبة في مسار رفائيل نادال و فيدرير قبل الاعتزال، ومستقبل التنس بعد اعتزال ”البيغ ثري” وتأثيره على شعبية اللعبة. إضافة إلى الوضع التسييري للكرة الصفراء في العالم، وفوارق الرواتب بين الممارسين لها، فضلا عن عُسر تحقيق الإنجازات الكبرى في الكرة الصفراء.
يرى شيامبريتو أن سيناريو اعتزال نادال و فيدرير متطابق، إذ عصفت بكليهما إصابات قوية، استعصت معها العودة لمستواهما المعهود، لكن كبرياء البطل هو من دفعهم للقتال لآخر لحظة.
ويرى المحلل الرياضي أ لا خوف على مستقبل التنس مع الشابين المتألقين ألكاراز وسينر، رغم الحنين للإنجازات الخارقة لنادال و فيدرير ودجوكوفيتش، لجيل لم يعش سوى هذه الفترة الذهبية من تاريخ اللعبة.
واستبعد شيامبريتو أن تتقلص الهوة الواسعة بين المحترفين الذين يتمتعون بحياة فارهة من التنس، والمصنفين ما فوق المائة والخمسين الذين يعيشون ظروفا مادية صعبة.
- نبدأ مع جديد التنس. خرج رافائيل نادال بمجموعتين نظيفتين أمام دجوكوفيتش في الألعاب الأولمبية في باريس. هل الإسباني لا يريد أن يستمع لجسده.. هو الكبرياء الذي يمنع هذا البطل من الاعتزال؟
مسار مسيرة نادال و فيدرير متطابق، خصوصا الجزء الأخير من مسيرتهما: منذ إصابته في ويمبلدون، فعل فيدرير كل شيء للعودة إلى التنافس بشكل قوي، لكن جسده قال لا. تمكّن نادال من العودة إلى البطولات، ولكننا نشعر أن جسده لم يعد يريد ذلك.
على الملاعب الترابية، كان لدى الإسباني الكثير من المشاكل للعودة للتنافس بقوة. لقد استعدّ بشكل جيد للأولمبياد، لكن قبل يومين، تعرض لإصابة بسيطة. ارتأى المشاركة في الفردي والزوجي، لكن الخيار الأفضل كان الرهان بكل شيء على الزوجي، لأنه كان يعلم أن حظوظه ضئيلة في الفردي. لدينا انطباع بأن الجانب التنافسي لنادال له الأسبقية على الاعتناء بجسمه. هذا ما دأب على فعله طوال مشواره.
قال أندري أغاسي إن نادال يستمد القوة من إصابته. لدي انطباع بأننا شهدنا نهاية ”رافا” في عالم التنس.. على الملاعب الترابية الباريسية على الأقل.
- هل هي نهاية عصر “البيغ ثري”(دجوكوفيتش ونادال وفديرير) أم أن دجوكوفيتش بإمكانه القتال لسنوات أخرى؟
دجوكوفيتش هو الأفضل مقارنة مع نادال وفديرير من الناحية البدنية. قبل سنوات كان يمكن أن نقول إن السويسري روجر هو الأحسن من هذه الناحية لأنه لم يصب أبدا قبل الإصابة التي قادته للاعتزال. عند مشاهدة لقاء “دجوكو” ونادال في الألعاب الأولمبية، نشعر أن هناك فرق خمس إلى ست سنوات بين اللاعبين. أظهر الصربي طراوة بدنية هائلة وقتالية عالية أمام نادال الذي لم يكن سوى ظل لنفسه في الملاعب الترابية المفضلة له. الكبرياء وحده من حملة على العودة في المجموعة الثانية..
- (مقاطعا) : لكن دجوكوفيتش لم يكن سوى ظلٍ لنفسه خلال نهائي بطولة ويمبلدن أمام ألكاراز، هل مازال الصربي قادرا على مقارعة أبرز وجوه الجيل الجديد :ألكاراز وسينر؟
في المستقبل، لن ينافس دجوكوفيتش ألكاراز وسينر، لكنه مازال يملك المقومات والهيبة لهزم العديد من اللاعبين. إنها المرة الأولى التي يصل فيها الموسم لشهر غشت ولم يفز “نولي” بأي لقب (الحوار أجري قبل أيام من فوز دجوكوفيتش بالميدالية الذهبية). لم يعد بإمكان الصربي أن يراكم الإنجازات.
- فضلا عن إنجازاتهم الرياضية الهائلة، فديرير ونادال كانا ماركات، ورموز، وحاملي مشعل رياضة التنس. من العسير العثور على لاعبين من الجيل الحالي، يمكنهم حمل المشعل. هل رياضة التنس ستفقد جزءا من شعبيتها؟
أتفق معك جزئيا، بالنسبة لجبل أقل من خمسة وعشرين سنة، لم يعرفوا سوى فيدرير ونادال ودجوكوفيتش، بالنسبة لجيلي، عشنا عصر أغاسي وسامبراس، بالنسبة للأكبر سنا، جايلوا بيكر ولِيندل. كلما كان هنا جيل مميز، يترك رحيله فراغا وهوة، فما بالك بهذا الجيل الأخير الاستثنائي. الأمر شبيه بفراق شخص نحبه، نشعر دائما أن الأمس كان أفضل.
من المدهش أننا شهدنا في وقت سريع جدا قدوما لاعب استثنائي مثل كارلوس ألكاراز. لا أرى في الإيطالي يانيك سينر مشروع لاعب أيقوني ورمز للعبة، لكن ألكاراز يملك كل المقومات لخلافة نادال و فديرير.
ألكاراز يملك “القوة الانفجارية” في الملعب، والمؤهلات، والضحكة الآسرة، ويعرف الأسرار لجذب الجماهير. أنا أشتغل في تنس الهواة، رأيت كل البراعم يتخذونه قدوة، إنه مشروع عملاق في التنس. فديرير في سن ألكاراز لم يكن سوى موهبة واعدة !
- في العالم العربي، نتحدث عن ”ناداليستا” (عشاق نادال) و ”فديريدستا (عشاق فيديرير). تنافس يشبه كرة القدم، هل التنس بحاجة إلى ثنائية أيقونية جديدة من أجل ترويج اللعبة؟
قبل مجيء نادال ودجوكوفيتش، كان فيديرير في كوكب آخر، يحطم منافسيه مثل روديك وهيويت, لم يكن التنس ممتعا. شعبية فديرير جاءت من منافسته الشرسة مع دجوكوفيتش ونادال. هؤلاء “الأولاد” حملوا بعضهم البعض للقمة.
على المستوى العاطفي، كبّد كل واحد الآخر خسارات مؤلمة باستثناء دجوكوفيتش.
سيشهد التنس قدوم لاعبين “كاريزماتيين” جدد، سنكتشفهم لاحقا، لكن إن استمر ألكاراز في الهيمنة، سنحتفي بأرقامه كما نفعل مع أبطال كبار كمايكل فيلبس. لكن دون ثنائية تنافسية في التنس، ستفقد اللعبة حلاوتها.
- دعنا نتحدث عن الجيل الجديد (جيل ما قبل سينر وألكاراز)، لم يتميز لاعبون مثل ميدفيديفـ، وتيم، وتسيتسيباس بالاستقرار في الأداء، هل التنس مسألة صلابة ذهبية أكثر من المؤهلات الرياضية لكل لاعب؟
مع ”البيغ ثري”، عشنا لحظة استثنائية، لقد دفعوا ببعضهم البعض لبلوغ مستوى خيالي، حتى في أسوء حالتهم، كانوا قادرين على هزم الجيل الجديد من اللاعبين، لقد دمروا جيل روانيتش ونيشيكوري وروبليف. لن أضع مع هؤلاء اللاعبين الروسي ميدفيديف، لأنه سبق وأن فاز بالغراند سلام وكان المصنف الأول عالميا.
كعشاق التنس، لا يمكننا بالضرورة أن نكون محبطين من نتائج هذا الجيل الجديد، لقد قاموا بمجهودات جبارة لكن “العملاقة الثلاثة” كان مستواهم خارق. لقد شاهدنا مؤخرا دجوكوفيتش يعود من عملية جراحية ويصل مع ذلك لنهائي ويمبلدن. هذا أمر استثنائي.
- بالحديث عن بطولة ويمبلدن، لقد أثار دجوكوفيتش مسألة التفاوت الهائل بين الأرباح الهائلة لبعض لاعبي التنس مقارنة مع باقي الممارسين للعبة، هل من شأن تصريحاته أن تغير شيئا؟
لا. في كل البلدان، من يحكمون هم من يقررون، مثل ”رابطة محترفي التنس”، والتي وضعت إصلاحا لتحديد حد أدنى لمداخيل لاعبي التنس. هل يعقل أن يعيش لاعب غولف أو كرة القدم بالحد الأدنى للأجور؟ في التنس، هذا هو واقع الحال إن كان تصنيفك فوق المائة والخمسين، وهذا وضع غير عادٍ بالنسبة لرياضة من أكثر الرياضات متابعة في العالم. دجوكوفيتش هو الأكثر شجاعة للحديث عن الأمر، على عكس نادال وفديرير اللذين أبديا تحفظا حول الحديث حول الموضوع.
- بالحديث عن السياسات الرياضية، إنجازات أبطال مثل دجوكوفيتش وديلبوترو، لا تعكس بالضرورة مستوى التنس في بلديهما صربيا والأرجنتين. النجاح في عالم الكرة الصفراء هو مشروع شخصي محض؟
نجاح لاعب تنس هو نجاح مشروع وطموح رياضي. سواء بدعم من العائلة أو الاتحادات المحلية. في فرنسا، نملك واحدا من الاتحادات الذي تتوفر على إمكانيات مادية كبيرة بفضل تنظيم بطولة رولان غاروس، لكننا لم نفز ببطولة ”غراند سلام” للرجال منذ سنة 1983 وهذا أمر محير.
لكن من حين لآخر، هناك فلتة، يظهر لاعب خارق مثل فديرير أو الفرنسي مارشان الذي برز في الألعاب الأولمبية.
أعرف لاعبة كاميرونية متميزة تعمل على تطوير اللعبة في بلدها لكن الأمر غير كاف، بالنسبة للأفارقة، إمكانيات النجاح أقل بكثير، إنجازات التونسية أنس جابر كانت استثناء جميلا إضافة للجيل الذهبي للمغرب مع أرازي والعيناوي وكريم العلمي.