هي صورة واحدة من بين صور متعددة استحضرها في سياقات متعددة، إبان لحظة التفكير في كتابة هذه المحاولة التحليلية الجديدة، إنها صورة الملك محمد السادس وهو يؤدي صلاة عيد الأضحى لهذه السنة، ملامح غارقة في تعب صحي و عينين توضحان حالة الملك الصحية في هذه الأيام، فما الذي يجعل ملكا يفضل القيام بواجبه في مناسبة كهاته بدل الاكتفاء مثلا بحضور ولي العهد او الامير مولاي رشيد بالنيابة عنه؟ ما هي دلالته السياسية والتواصلية والمؤسساتية في إطار تحليل الصورة كفن من فنون التواصل السياسي؟
لقد كان لي شرف تحليل صورة الملك إبان تلقي أول جرعة من اللقاح، ولأن هذه الصورة تأتي في سياقات مختلفة ومهمة في الآونة الأخيرة، فكرت في تسليط الضوء عليها ايضا في هذه المحاولة التحليلية الجديدة، هذه المحاولة ستنقسم منهجيا كالعادة لثمانية محطات رئيسية.
1) السياق
–السياق العام:سياق ديني
في بال السياقات المختلفة … تأويلات مترابطة!
دأب المغاربة على متابعة ملكهم في كل مناسبة دينية، وبصفة خاصة في عيدي الفطر والأضحى، هذا الحضور يشكل دعامة أساسية ” لإمارة المؤمنين” وامتدادا للبيعة بين الملك والشعب، كما أنه يشكل مناسبة حميمية يحس فيها المغاربة بقرب الملك من تفاصيل حياتهم اليومية، لما لهذه المناسبات الدينية من قدسية لدى الشعب المغربي، فأصبح حضوره في الشاشة الصغيرة لقنوات الإعلام العمومي في كل بيت مغربي، جزءاً أساسيا في طقوس الاعياد لدى المغاربة، ولهذا السياق أهمية ستنقلنا بشكل عفوي ومترابط لسياقات أخرى.
–السياق الخاص: ربط القول والفعل، تقريري مؤسساتي
في الوقت الذي تتحجج فيه الكثير من المؤسسات بمجموعة من الأعذار لتتخلف عن الالتزام بمسؤولياتها وواجباتها تجاه المواطنين، منها تلك الأعذار المرتبطة بالدين والتدين، كأن يذهب بعض الموظفين لصلاة الجمعة دون عودة، يقدم الملك نموذجا للالتزام بالواجب وبروح المسؤولية، متحديا مختلف الظروف، واحيانا بسبب نزلة برد بسيطة يغيب المسؤول عن مكتبه ويتسبب في تأخر قضاء مصالح المواطنين، وذلك في إطار الدور الأساسي للمؤسسة الملكية كنموذج لباقي المؤسسات.
-سياق جانبي غير مباشر: تأويلي،
الجانب الصحي:
إنتشرت مؤخرا اخبار عن تدهور الحالة الصحية للملك محمد السادس، ما استدعى شمله بالعناية الخاصة من طرف طاقمه الطبي، هذا السياق الصحي فتح الباب لأعداء الوطن للخروج بالاخبار المفبركة حول الحالة الصحية للملك، وخاصة المعادين للوحدة الترابية للمملكة، مما يجعل ظهوره وإن كان في حالة صحية معينة ذو جدوى سياسي ومؤسساتي ودبلوماسي مهم جدا.
الجانب السياسي والديبلوماسي:
تعرضت المملكة المغربية بمختلف رموزها لهجمات اعلامية متعددة، على غرار نشر سيل من الأخبار الكاذبة، تقحم بالضرورة الحالة الصحية للملك، ذهبت لما لا يقبله عاقل حول اسباب سفره لفرنسا للتداوي، والبحث عن كل ما يمكن حسب وجهة نظرهم ان يضعف قوة وحضور الرموز المغربية في ” تواصلهم السياسي” داخليا وخارجيا ، لكن ظهور الملك مجددا في هذه الظرفية مباشرة من المغرب، يعطي إشارات سياسية ودبلوماسية وأجوبة مهمة لمن يهمه الأمر في هذا الإطار.
الجانب التواصلي:
داخلي: علاقة الملك يالشعب.
خارجي: علاقة الملك والمملكة بمختلف الأطراف الخارجية.
قيادي: الملك دائم الحضور للقيام بواجبه ملتزما بمسؤولياته، مهما كانت حالته الصحية.
2) إدراك الصورة:
عندما ترى هذه الصورة ، وبعيدا عن هذا التحليل المفصل الذي قدم والذي سيقدم، كيف تدرك هذه الصورة كمواطن مغربي؟ فكر بعيدا عن هذا الصندوق التحليلي المنهجي الصارم الذي أضعك داخله، وقارن جوابك بما سيتم تقديمه؟
3) البحث عن المعنى في الصور:
يأتي المعنى لاصورة من خلال سياقها، ومكوناتها، ومن فيها، وتفاصيل من فيها، “إنها غاية في ذاتها”، تعبر عن معنى يصل إلينا من خلال بحثنا عن المعنى، وبين مختلف المعاني والتأويلات الممكنة، يستقر تأويل واحد ليخبرنا بشكل متفرد ومباشر عن المعنى الذي فهمناه كنتيجة لمختلف العمليات التي قمنا بها والمترابطات التي شكلناها، وبعد الحديث عن السياق ومكونات الادراك، ندرك أخيرا أن معنى الصورة يؤكد لنا الفرضية التي وضعناها مند بداية التحليل، الفرضية التي وضعناها في العنوان ، وهي أن الصورة وإن كانت في إطار ديني معين، فأنها تحمل دلالات تواصلية وسياسية مرتبطة منطقيا بمجموعة من المؤشرات.
4) سنن التعرف :البنية الإدراكية
البنية الادراكية للصورة تنبني على تحليل ذلك التفاعل بين العلامة البصرية وبنيتنا الإدراكية، العلامة البصرية لها مكوناتها التي سأتحدث عنها بعد قليل، هذه المكونات، إذا ما ربطناها بمعرارفنا السابقة وعلاقتنا بمن في الصورة سنستطيع التوصل إلى تحليل دقيق توضح لنا مرجعية البنية الادراكية التي نؤول من خلالها اي صورة، ما الذي توصلت إليه؟
5)المستويات التركيبية للصورة:
مستوى أيقوني:
الحركة، الجلوس الوضعية، النظرة، اللباس … ما المعنى الذي نصل إليه عندما نربط هذه المكونات… هل يخدم يا ترى ما سنقدمه في الجانب التشكيلي للصورة ؟
المستوى التشكيلي:
لغة الجسد:
هناك مؤشرين بارزين هنا في هذه الصورة:
المؤشر الأول: الوجه.
وجه الملك محمد السادس لا يحتاج لتحليل متخصص لمعرفة
المؤشر الثاني: اللباس
المكونات: جلباب مغربي أصيل و” طربوش وطني” احمر، يرمزان لما هو وطني أصيل .
التأطير:
الصورة التي نحللها ليست بورتري او نوع من انواع الصور الملتقطة خصيصا بكاميرا معينة تخفي رغبة المصور لإبراز جانب معين، وإنما هي صورة ثابتة من سلسلة صور متحركة مكونة لمقطع فيديو تم تصويره أثناء صلاة الملك محمد السادس بمناسبة عيد الأضحى، وبالتالي هي صورة تحمل طابعا عفويا، يقوي من دلالتها.
اللقطة:
هي صورة ثابتة ملتقطة من مجموعة صور متحركة.
زاوية التقاط المشهد:
بما أنها صورة عفوية ثابتة تم اختيارها من ضمن سلسلة صور متحركة تكن الفيديو المذكور، فإن زوايا التقاط الصور تؤكد ما على مؤشرات إيجابية وتواصلية سيتم توضيحها في باب تحليل تركيب الصورة بعد قليل.
الألوان:
الأصفر: لون يوحي بالأمل، كما انه من الألوان الرئيسية التي لطالما اعتمدت في الهنادم المغربي الاصيل على مر التاريخ .
ثنائية الأحمر والأخضر: لما لهما من رمزية وطنية مرتبطة باللونين الرسميين للعلم الوطني.
الجمع بين الألوان الثلاث يعني قيادة أصيلة ومتفائلة.
الفضاء: الفضاء المكاني يزخر بمجموعات من المكونات الدالة كذلك على الأصالة المغربية.
التركيب:
الجمع بين اللباس والوجه: يعني تأكيد الملك على التشبث بالاصالة والامل وروح القيادة والالتزام رغم كل الظروف الصعبة.
الفضاء: الجمع بين مكونات الصورة ومكونات الفضاء الذي التقطت داخله والذي يضم أفرادا من الاسرة الملكية، تؤكد الوقوف إلى جانب الملك من طرف أسرته كما عهد المغاربة على الاسرة الملكية، وخاصة فيما يرتبط بظهور إبن الأمير مولاي رشيد، بعفويته التي خطفت الأنظار وإشارته إلى المستقبل إلى جانب ولي العهد الحسن الثالث.
6)دلالات الصورة:
المستوى المباشر : – التقريري–
هو ما تم الحديث عنه في باب المستويات التركيبية للصورة ومعانيها المباشرة.
المستوى غير المباشر : ” الإيحائي –التأويلي –
هو ما تم التركيز عليه في جانب التأويلات المقدمة للصورة في مختلف محطات التحليل… لا داعي لتكراره.
7) تحليل ملخص للصورة:
دعوني أكرر ما قلته عن صورة الملك وهو يتلقي اول جرعة ضد وباء كورونا “وفق المستويين الأيقوني والتشكيلي للصورة كعلامة دالة تربط بين دال ومدلول بالمعنى السيميائي لأي صورة، أو علامة بصرية بمختلف أشكالها، فإنها تحمل نسقا لا محدودا من الدلالات في سياق حدث استثنائي يعيشه المغرب خاصة والعالم بصفة عامة”، لكن الذي يختلف هنا ان هذا السياق الاستثنائي يرتبط بشخص الملك، وما يربط بين هاته وتلك، هو رغبته المتواصلة في التأكيد على روح الالتزام والمسؤولية في جميع المناسبات ورغم كل الظروف، كما انه يربط أواصر الثقة بينه وبين شعبه في محطات مختلفة، توضح توجه المؤسسة الملكية عموما، كما أنها تحبط محاولات خصوم الوطن لزرع الشك في النفوس، وتؤكد قوة وتماسك المملكة في مختلف الظروف والسياقات.
8) خلاصات الصورة في خمس أفكار أساسية:
1) الملك الملتزم رغم كل الظروف الصحية العصيبة على المستوى الشخصي.
2) المؤسسة الملتزمة كنموذج لدولة المؤسسات التي يشرعنها الملك في خطاباته مرارا وتكرارا.
3) الأسرة المتماسكة، كنموذج للتٱخي المغربي المعروف عادة على الاسرة المغربية.
4) التواصل السياسي والديبلوماسي للملك وللمؤسسة، داخليا وخارجيا، ضد كل محاولات الإضرار بالملك او بالمملكة .
5) التشبث بالأصالة المغربية على مستوى الألوان والفضاء المكاني، والطقس الديني .
*صحفي/ وباحث متخصص في الإعلام و التواصل والتواصل المؤسساتي و السياسي