وسط حالة من القلق المتزايد، عاد مرض الحصبة ليحجز مكانه في المشهد الصحي بالمغرب، متسببًا في موجة جديدة من الإصابات أثارت مخاوف المختصين. في الأحياء الشعبية كما في المدن الكبرى، تتناقل العائلات أخبار الإصابات بين الأطفال، فيما تعيش المستشفيات ضغطًا متزايدًا بفعل الحالات المتوافدة. البعض يتحدث عن نقص في اللقاحات، وآخرون يشيرون إلى ضعف الوعي المجتمعي، لكن الثابت هو أن الأرقام الرسمية تنذر بوضع يستدعي التدخل العاجل.
وفقًا لآخر المعطيات الصادرة عن وزارة الصحة، فقد تم تسجيل أكثر من 25,000 حالة إصابة بالحصبة في المملكة، إضافة إلى 120 حالة وفاة بسبب المرض منذ بداية العام الجاري.
هذه الأرقام تثير القلق وتسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه المنظومة الصحية في المغرب، في وقت يُلاحظ فيه تراجع ملحوظ في معدلات التلقيح في بعض المناطق، ما يعزز من خطورة تفشي هذا المرض.
في هذا السياق، يبرز رأي سمير العلوي، الطبيب المتخصص في الأوبئة في مستشفى محمد الخامس بمكناس، حيث يرى أن الوضع الصحي في المغرب يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة لتدارك الوضع. ويؤكد العلوي أن نقص الوعي بأهمية التلقيح والتساهل في بعض المناطق مع مواعيد اللقاحات يعد أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تفشي الأمراض المعدية.
كما يضيف العلوي في تصريحه لجريدة البوكلاج الإلكترونية: “الركود في التلقيح يعد أحد التحديات الكبرى التي تواجهنا، وعلينا أن نكون حذرين في التعامل مع هذه الأزمات الصحية المتتالية”.
من جهته، يشير أحمد الزهروني، المسؤول عن جهاز اللقاح بمستشفى الكوثر في فاس، إلى أن الحملة الوطنية للتلقيح تشهد بعض التحديات في وصول اللقاح إلى جميع المناطق في الوقت المناسب. ويوضح أن هناك نوعًا من الفجوة في المعلومات التي تصل إلى المواطنين في بعض المناطق البعيدة عن المراكز الحضرية، مما يؤدي إلى قلة الإقبال على اللقاح.
ويضيف: “علينا أن نركز على تحسين التوعية، وتوفير اللقاح بسهولة في القرى والمناطق النائية، لتفادي التحديات المستقبلية في مواجهة الأوبئة”.
كما يشدد على ضرورة تعزيز التنسيق بين الجهات الصحية لضمان وصول اللقاحات في الوقت المحدد، حيث إن أي تأخير قد يؤدي إلى تراجع معدلات المناعة الجماعية ويفتح المجال أمام انتشار أوسع للمرض.
أما الخبير الاقتصادي محمد جدري، فيشير إلى أن تراجع الإقبال على اللقاحات لا يؤثر فقط على الصحة العامة بل له تداعيات اقتصادية خطيرة أيضًا. ويعتبر أن الجهود المبذولة في مجال الصحة العامة تحتاج إلى استثمارات أكبر لدعم الاستراتيجيات الوقائية، لما لها من تأثير مباشر على سوق العمل والنمو الاقتصادي في المملكة.
وفي تصريحه لجريدة البوكلاج الإلكترونية، يؤكد جدري: “في غياب استجابة صحية فعالة، سنواجه تبعات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك الضغط على الخدمات الصحية وتكلفة علاج المصابين”.
وحسب جدري، فإن أي تفاقم في الوضع الصحي سينعكس سلبًا على إنتاجية اليد العاملة، مما يؤدي إلى تراجع الأداء الاقتصادي في عدة قطاعات حيوية. كما أن ارتفاع الإنفاق على الرعاية الصحية الطارئة قد يفرض تحديات إضافية على الميزانية العامة للدولة،
وهو ما يستدعي اعتماد سياسات صحية استباقية تقلل من المخاطر المحتملة وتضمن استقرار المنظومة الاقتصادية على المدى الطويل.
يبقى التعامل مع تفشي المرض مسؤولية مشتركة تتطلب استجابة فعالة وتنسيقًا مستمرًا، لضمان الحد من انتشاره وتقليل آثاره الصحية والاقتصادية.