اللغةُ نتاجُ أفكارٍ وثقافاتٍ ومعارف وعلوم ومنتجات مجتمع إنسانيّ ما. من وجهةِ نظرٍ عاطفيّة، الفرنسيُّ أو محبُّ الفرنسية يدعّي أنّ لغتَهُ هيَ الأثرَى والأعظم ومحبّ العربيّة يقول إن العربيّة أجلُّ اللغات وأرقاها ومُحبّو الأمازيغيّة والألمانية والصّينيّة سيقولون الكلامَ عَينهُ. جزءٌ كبيرٌ من هذا الكلامِ صحيح وجزءٌ آخر منهُ وليدُ العاطفة.
كلّ اللغات ظواهر “سوسيوثقافيّة” قابلة للتطوير؛ كما قد يمسُّها الركودُ ويُضعِف وهجَهَا الاهمالُ. لذلك، فاللّغات الّتي انتشرت انتشارا واسعاً، إنّما مَردُّ ذلكَ إلى الاهتمام الذي أولِيَ لها من قبلِ المُتَحدّثينَ بهَا والرّاغبينَ في تَعلُّمهَا؛ ويُعدُّ الدّينُ أقوى عاملٍ أسهَمَ في صُمودِ اللّغة العربية، ذلك أنّ العرب والفُرسَ والأمازيغ نذروا حيَاتهُم لخدمة العربيّة و الغَوص في بَواطنهَا واستكشاف مغالقها والتّقعِيدِ لنحوها وصرفها، فضلاً عن الاهتمامِ بعلوم البلاغة والبيان. هذه المكانةُ التي تحظى بها الّلغةُ العربية لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة مُنتظرة ومنطقيّة. فهل نحنُ ملمّون إلماما كافيّا شافيّاً بلغات العالم جمعاءَ حتى نؤكّدَ ونجزمَ بأنّ لغةً ما هي الأفضلُ؟ وأنّى لبَشرٍ أن يُحيطَ بلغات العالم، الحيّة منها والميّتة؟ ! العلمُ لله.
من منظور لساني صِرفٍ، فاللغة هي، كما عرّفها ابتداءً ” دو سوسور” نسق منتَظمٌ من الإشارات والرّموز تحكُمهُ توافقاتٌ اجتماعية؛ والسّيمةُ المُميّزةُ لهذا النسق قابليّتُهُ للتطوير.
بما أنّّ اللغةَ منتوجٌ سوسيوثقافيّ، فهي تتطور بتطور أهلها، وازدهارُهَا مرهونٌ بازدهار أهلها. فبقدر أهتمامِ المتكلّمِ بلغتهِ بقدرِ ما يتحسّنُ حالُهَا وكلّما تطوّر المُجتمع اقتصاديّا وثقافيّا إلاّ وتطوّرت لغتهُ وانتَشرت. لا يختلفُ عاقلان على أنّ القُرءانَ الكريم أسهَمَ في حماية العربية، بل والمُضيّ بها قُدُما.
واللّغات التي تعاني اليومَ تأخراً على مستوى الانتشار، إنّما أُهمِلَت عن غير قصد أو عن سبق إصرارٍ وبنيّةٍ مُبيّتَةٍ.
لكل لغةٍ خَصائصها التركيبيّة والصّرفيّة والصّوتيّة والدّلاليّة ومقوّمَاتها الفنَيّة والجماليّة.إذن، فكلُّ لغةٍ تتفوّقُ على نظيراتها بمقوّمٍ وهلُمّ جَرّا. معيار المفاضلة بين اللّغات: الاهتمام.
اللغةُ العربيّة، مُعجَمُها بحرٌ؛ وهذه حقيقة لا ينكرها إلاّ جاحدٌ؛ لكنّها في أمَسّ الحاجة إلى ثورةٍ معجمية تواكب ما جَدّ في عالم التكنولوجيّا والابتكار. واللّغةُ الأمازيغيّة، تركيبها الّلغوي مدهشٌ و لاَفِتٌ للنّظرِ وَ مُعجَمُها ما يزالُ يغتني شيئا فشيئا إلى أن يُحَقّقَ المُرادُ إذا تظافرت الجهودُ وكثرَ العملُ وقلّ الكلامَ.
اللغات غنيّةٌ بغِنى أهلها وفقيرة بفقرهم وسوء اهتمامهم.
والأهمٌّ أن نحترمَ اللغةَ التي نكتُبُ بها. وكفى!