لا جدال في أن العلاقة بين الصحافي و القاضي ، أي بين الإعلام و القضاء كانت دوما علاقة توجس و حذر شديد، إن لم نقل علاقة توتر يشوبه سوء فهم كبير، رغم أن المؤسستان، القضائية و الإعلامية، كانتا دوما شريكتان في حماية الحقوق و الدفاع عن الحريات الفردية و الجماعية و تقوية الخيار الديمقراطي و الشفافية و النزاهة.
و أعتقد أنه لهذا السبب، كان الصحافيون المغاربة، خاصة أولئك الذين يتابعون في قضايا الصحافة و النشر، يطالبون دوما بقضاء متخصص ، و بقضاة لهم معرفة و دراية و لو أولية بقضايا الإعلام و الاتصال و الصحافة، بل كانوا في بعض الأحيان يرفقون مطالبهم المعرفية بتخصيص غرف خاصة لمتابعة و محاكمة الصحافيين، كما هو الشأن في العديد من الدول الغربية.
و لكن اليوم يجب أن نعترف أن هناك أشياء كثيرة تغيرت و تطورت رغم بعض الملاحظات الناتجة عن بعض الإكراهات، فإن العلاقة بين الصحافي و القاضي باتت علاقة سلسة و منفتحة.
يجب أن نعترف ثانيا، أن القضاء بكل مكوناته، سواء كان قضاء واقفا أو جالسا بات يدرك أكثر من أي وقت مضى، أن مهنة الصحافة لها خصوصيات، ربما تختلف عن باقي المهن الأخرى، لأنها مهنة تساهم في صنع الرأي العام الوطني و تساهم أيضا في التنشئة و التربية و التثقيف و التحسيس و الوعي بقضايا الوطن و المواطنين.
كما يجب أن نعترف ثالثا، أن الجسم القضائي انفتح بشكل كبير على الفضاء الصحافي، بل استجاب للعديد من انتظارات نساء و رجال الصحافة و الإعلام، بتخصيص جلسات خاصة أو غرف خاصة لمتابعة و محاكمة الصحافيين المتهمون في قضايا الصحافة و النشر، بل من بين القضاة من بات متخصصا في المخالفات و الجنح والجرائم التي ترتكب بواسطة النشر.
في ذات السياق، يخضع العشرات من قضاة النيابة العامة لتداريب مكثفة طيلة خمس أسابيع بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط على ” مهمة الناطق الرسمي للنيابات العامة في دورات تنظمها رئاسة النيابة العامة. نسجل في الأخير أن هذه الدورات التدريبية، سواء في مجال التواصل مع الإعلام و الصحافة أو في علاقاتهم التواصلية مع المتقاضين، انطلقت منذ سنة 2019 و تستمر إلى اليوم، مع توقف تقني في سنة 2020 بسبب الجائحة التي ملأت الدنيا و شغلت الناس.
فالعالم يقول رئيس النيابة العامة السيد الحسن الداكي ، ” أصبح يعتمد بشكل كبير على الاتصال والتواصل خلال استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة والمتطورة، وهذا الأمر أدى إلى سرعة كبيرة في انتشار الأخبار والشائعات، وأيضا سهولة فبركة الصور والفيديوهات التي أضحى أي شخص ولو كان غير مختص في المجال يستطيع إنجازها بواسطة تطبيقات متوفرة للعموم، وهذا ما قد يؤدي إلى انتشار الأخبار الزائفة التي قد تمس بالأمن والنظام العامين أو تشكك في مصداقية و موثوقية السلطات العمومية”