أزمتنا مع إسبانيا لم تبدأ مع بن بطوش ولن تنتهي مع غيره ، وحده الثبات على موقف المغرب الصارم تجاه قضيته العادلة كفيل بتنبيه وانذار إسبانيا أن مصالحها مع المملكة المغربية لم تضعها حكومة مدريد في ميزان توازن صراع المصالح الدولية، و بغض النظر عن ما يربطها مع اعداء وحدتنا الترابية وعلى راسهم الجزائر من اتفاقيات وغيرها ، وبغض النظر عن مواقف الجارة الشمالية من ما حققه المغرب من تطورات على المستوى التنموي بأقاليمه الجنوبية من رسم الحدود البحرية والوضع الجيولوجي البحري لجبل تروبيك الغني بالمعادن النادرة، والذي يدخل ضمن المياه الاقليمية للمملكة ، واخرى سياسية وعلى رأسها الاعتراف الامريكي بسيادة المغرب على صحرائه .
يبقى صراع المصالح هو سبب استمرار نزاع الصحراء المغربية ، فلا اسبانيا تريد حلا للمشكل ولا الجزائر تسعى الى التعبير ولو عن حسن نية في ذلك في خضم تسارع قوى عالمية على الاستثمار بالصحراء المغربية التي أضحت قطبا اقتصاديا عالميا سيربط المنطقة بإفريقيا والعالم عبر ميناء الداخلة الاطلسي وميناء مهيريز الدولي دون أن ننسى ميناء الكويرة الذي سيلعب دورا استراتيجيا بالمنطقة المطلة على الغرب الأفريقي .
فقط علينا ان نرجع الى التاريخ ، والاهمية الاستراتيجية للصحراء في بناء الدولة المغربية ، ” هذه الصحراء هي التي أعطتنا دولة المرابطين الصحراويين ، وجدتي خناثة زوجة المولى اسماعيل صحراوية ، وام سيدي محمد بن عبد الله صحراوية ، وثلاثة من أجدادي صحراويون من قبائل جنوب الصحراء عن طريق السلالة النسوية ، فليست الصحراء مغربية بالأمس فقط ولا المغرب صحراوي بالأمس .وفي الحقيقة ،هل نحن الذين سنرجع الى الصحراء ام أن الصحراء هي التي سترجع الى المغرب ، من أجل هذا أنا مطمئن ،وآمل أن تحل هذه المشكلة بأسرع ما يمكن بين إسبانيا والمغرب عن طريق الحوار .” من خطاب الملك الحسن الثاني رحمه الله بمناسبة خطاب العرش بتاريخ 3 مارس 1977.
إن صراع المصالح أو لعبة تقاطع المصالح في السياسات الدولية ،
ودون الخوض في النظريات التفسيرية للسلوك الدولي، وعملية فهم وتفسير هذا السلوك هي عملية غير سهلة ومعقدة، لما تتضمنه من متغيرات كثيرة تؤثر وتحكم طبيعة هذه المعادلة.
فلعبة تقاطعات المصالح في السياسة الدولية، صعبة الفهم و تتأثر بتغير الظروف الطارئة بين الدولة التي تتحكم فيها موازين القوى ومدى التأثير والتأثر الناتج عن تغير مراكز الدول داخل المشهدين الإقليمي والدولي ، مما ينتج عنه غالبا تفسيرات تكون أحيانا مقبولة ومختزلة وسطحية واحيانا اخرى غير مقبولة تتجاوز حدود الفهم لمفهوم حسن النية الذي يحكم العلاقات بين الدول .
ان اختزال موقف اسبانيا و الجزائر والعداء المبيت للمغرب وتغييب مبدأ المعاملة بالمثل والمصالح المشتركة التي اسست على الحوار والتفاوض ،وهنا أتحدث عن العلاقات بين المغرب واسبانيا ، والصراع المزدوج المبني على عقدة العداء الدائم للمغرب من قبل جنرالات الجزائر الذين يقض مضجعهم كابوس حرب الرمال ، هذا الصراع الذي لا يجد له تفسيرا في إطار السلوك الدولي لهذه الحالة الشاذة (اسبانيا / الجزائر )، الا بكونه نوعا من العمالة أو التبعية، وأن حالة العداء أو الصراع الدائر بخصوص ما أجمع عليه الاعلام الاسباني بقضية ابراهيم غالي والحال ان المشكل أعمق من ذلك بكثير ولم يحضى الا بالنادر من التحاليل الموضوعية من خبراء دوليين لمضمونه ،أقول أنه عبارة عن مسرحية لا أكثر صاغ سيناريو وقائعها جنرالات قصر المرادية .
فلا يمكن لأحد أن ينكر ما حققه المغرب من مكتسبات على المستويين الإقليمي والدولي في إطار دفاعه عن وحدته الترابية رغم الأخطاء التي ما كانت لتقع لو غلبنا منطق الحوار مع ذواتنا أولا ، فالنخب المغربية ومنها أبناء الصحراء الذين درسوا وتكونوا في الجامعات والمعاهد الوطنية ،ضلت مغيبة لفترة طويلة من وضع تصورها لحل المشكل ،وضع املته المقاربة الامنية التي نهجها المغرب لوضع حل للقضية بشكل أحادي الجانب واعتماده على مجموعة اشخاص سمتهم الاعيان وشيوخ القبائل ومنحتهم كل الامتيازات وشجعت قبائل على حساب أخرى وبدرجة تمركزها داخل جبهة البوليساريو وعلى ذلك منحت المسؤوليات الادارية ( ولات ،عمال ، بشوات ، قياد ……) وأخرى ديبلوماسية ( سفراء ،قناصلة ،ملحقين دبلوماسيين وغيرهم …).
بل تدخلت الادارة المفروض فيها الحياد لصالح بعض الأشخاص في العمليات الانتخابية ( برلمانيين رؤساء جماعات ) .
فاصبحنا الآن نجني ثمن المقاربة الأمنية التي تميزت بها فترة الوزير المخلوع ادريس البصري ،ليس في صحرائنا المغربية فقط بل بالوطن بأكمله .
الى ان جاء حكم الملك محمد السادس والذي أبى أن تكون قضية الصحراء المغربية قضية كل المغاربة ، وهنا سنقف على التحول الهام المتعلق بقضية الصحراء المغربية والصرامة والاستباقية في التعامل مع ملف وحدتنا الترابية ليؤكد الملك محمد السادس في خطابه أمام نواب الأمة عند افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة بتاريخ 11اكتوبر 2013 قوله :”الوقت قد حان اعتماد أسلوب الهجوم بدلا من الاتكال على الدفاع ،واعتماد مقاربة تشاركية ينخرط ويتعبأ فيها الجميع ،فالصحراء قضية كل المغاربة دون استثناء .”
كما يمكن الوقوف على ما تضمنه خطاب الذكرى 39 للمسيرة الخضراء من خطوط حمراء لا يجب تجاوزها في التعاطي الإقليمي والدولي مع ملف الصحراء ، لأن لها علاقة بسيادة دولة على أراضيها .ناهيك على أن أي تفاوض هو تفاوض حول مقترح الحكم الذاتي وهو اقصى ما يمكن للمغرب تقديمه بخصوص قضيته الأولى.
أن دور الملك الدستوري الذي يؤطره الفصل 42 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 ،الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة ، هو ما دفع الى وجود طفرة نوعية في فرض نوع من الاستباقية والصرامة التي طبعت مفاوضات المغرب امام المنتظم الدولي وبحضور ابناء الصحراء المغربية كممثلين شرعيين لساكنتها وهو ما عرى الحقيقة الواهية التي حاولت البوليساريو ترسيخها طيلة مدة النزاع بانها الممثل الوحيد لما تسميه في اجنداتها” الشعب الصحراوي”.
البوليساريو لم يعد لها وجود الا في مخيمات تندوف ولدى بعض مطبلي الانفصال ،فهي لم تعد تمثل مايسمونه في اساليب التحريض والدعاية “الشعب الصحراوي ” ونتحداها نحن أبناء الصحراء وابناء المغرب قاطبة ، الذين اختاروا من خيرة ابنائهم من يسير جهات الصحراء وجماعاتها الترابية وممثلوها بالبرلمان وجميع المؤسسات الدستورية وعلى راسها المجلس الوطني لحقوق الانسان من خلال لجانه الجهوية بالعيون والداخلة و جهة كلميم وادنون ، أن تقدم إجماعا صحراويا على انها دافعت عن مصالح الصحراويين وانها حققت لهم مكتسبات ، لم يميز تاريخ الجبهة الوهمية الا الصراع وتصفية الحسابات بين قياديها ولم تجر الا الويلات والانتكاسات مع توالي جرائمها على الانسان الصحراوي ، الحقيقة أن البوليساريو فرقة عسكرية من وحدات الجيش الجزائري ومصلحة سياسية بالقسم السياسي بوزارة خارجيتها ، هدفها العداء المستمر للمغرب والوقوف ضد نمائه .
فالمدعو غالي او بن بطوش مجرد مواطن جزائري ومن بقي اليوم معه في مناصب تسيير البوليساريو اما صحراويون من أصول جزائرية او مرتزقة من جنسيات بعض دول الساحل و الصحراء يستغلهم جنرالات المرادية في التهريب وجميع أنواع الجريمة المنظمة وحدهم من يملكون الحق في رخص التنقل خارج المخيمات الى منطقة الرابوني عصب مثلث قندهار الذي تنشط فيه مختلف الجماعات الارهابية .
المغرب مستمر في سياسته الخارجية الصارمة وهو يعلم جيدا انه لا حل مع البوليساريو ولا حوار معها لأن من وراءها هم المعنيون بكل خطة للحل. حاجتنا اليوم في ظل تطور الأحداث هي الى دبلوماسية هجومية استباقية لمواجهة كل محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب .
كما أن الباحث في نزاع الصحراء المفتعل لن يفوته التساؤل الآتي : لماذا أنشأت البوليساريو مخيما بتندوف وأبقت عليه فوق أرض ليست ذات المطالب بها واحتجزت سكانا لا يحملون وثائق هوية وممنوعين من التنقل ؟
علينا ان نمتلك الشجاعة وأن نجزم بأن محتجزي المخيمات مراقبين ليل نهار من طرف مليشيات البوليساريو التي تنتزع منهم أبناءهم إما لبيعهم لأسر اسبانية او ادخالهم المدارس الجزائرية لتعليمهم اساليب التحريض والدعاية او تجنيدهم وهم أطفال للقتال ضد وطنهم الأم ، لنتساءل من جديد عن الأسباب غير مقبولة إنسانيا والتي تسمح بقبول كل هذه الجرائم ضد الانسانية فضلا عن جرائم الاختطاف والإحتجاز والإغتصاب التي تكاثرت شكايات ضحياها والتي اقترفها قادة مرتزقة البوليساريو وعلى رأسهم المدعو إبراهيم غالي، أين كانت المنظمات الحقوقية الدولية ؟ لماذا ابتلعت جمعيات ومنظمات المجتمع المدني باوروبا و بإسبانيا على الخصوص ألسنتها أصابها الصمم أمام صراخ ضحايا قائد عصابة البوليساريو؟ وماذا أصاب القضاء الإسباني ؟ …
ماهو الهدف الحقيقي من هذا السكوت والتواطؤ ؟ والاهم لماذا تحتجز البوليساريو مواطنين عزل لم تسمح الجزائر للمفوضية السامية لغوث اللاجئين بإحصاءهم ؟هل هي ورقة للمقايضة ؟
الواضح أنه بدون وجود هذه المخيمات ،لم يكن ممكنا وجود حركة سياسية وعسكرية تحمل اسم البوليساريو، فوجود هذه الأخيرة رهين بوجود المخيمات نفسها .
ليبقى المتضرر الوحيد هو الإنسان الصحراوي المحتجز الذي عانى ويلات الفقر والتهميش و حرم من حق العودة لوطنه والاستفادة من خيراته وأصبح وسيلة يستفيد منها قادة جبهة البوليساريو للحصول والاستحواذ على المساعدات الإنسانية بتخطيط ومباركة جزائرية .
فحق العودة لجميع محتجزينا الصحراويين بمخيمات تندوف مطلب يجب الدفع به أمام جبهات الصراع الأممية وعلى جميع الأصعدة .
*محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.