د. مهدي عامري (المادة الفكرية و المعرفية)
يوسف العبوبي : إدارة الحوار– مريم كروم : الكتابة و التوضيب
يوسف العبوبي : مرحبا أستاذي .أنا سعيد جدا باستضافتك في هذا اللقاء الفكري بصفتك أستاذا في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط وخبيرا في التحولات الرقمية المعاصرة. سنناقش موضوع الذكاء الاصطناعي وحقوق الانسان.
أستاذي الكريم، ما أهمية الذكاء الاصطناعي في عصرنا الحالي؟
د. مهدي عامري: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، سعيد بدوري بهذه الاستضافة الجميلة لمناقشة هذا الموضوع الذي شغل بال الكثير من الصحفيين و الباحثين و الأكاديميين و المهتمين بالتحولات التكنولوجية و المعرفية الهائلة التي يعرفها العالم، و من بينها الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر من موضة فكرية، انه الموضوع الذي يشغل بال الكثيرين و له تطبيقات عديدة و عجيبة في حياتنا اليومية. دعنا نبدأ بالبداية ونعرف مفهوم الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي فرع من فروع علم الحاسوب وإحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها صناعة التكنولوجيا في العصر الحالي ويمكن تعريفه باختصار في جملة
واحدة :قدرة الآلات والحواسب الرقمية على القيام بمهام معينة تحاكي وتشابه تلك التي تقوم بها الكائنات الذكية.
باختصار يعني ذلك محاكاة الآلة للإنسان في القدرة على التفكير و على التعلم من التجارب السابقة أو غيرها من العمليات. تقريبا هذا هو التعريف الدقيق والبسيط جدا لمفهوم الذكاء الاصطناعي.
و عندما أعود إلى سؤالك الذي طرحته بالأساس حول الأهمية التي يكتسيها الذكاء الاصطناعي في عصرنا الحالي، لابد أن أشير إلى أن الذكاء الاصطناعي له مجموعة من الإيجابيات، و من ضمنها ما يلي :
أولا. الحد من الخطأ البشري لأن الحواسيب لا ترتكب أخطاء البشر إذا برمجت بشكل صحيح، و أنت تعرف أنه من أخطاء البشر مثلا النسيان و التعب … فعندما تكون لديك مقابلة عمل مع شخص ما في الطابق العاشر ومصعد العمارة معطل، تخيل معي… تصل للطابق العاشر وأنت منهك القوى وأنت مبتل بالعرق و أنت مقطوع الأنفاس، كيف سوف تجري اذا تلك المقابلة ؟
اذا برمجت الآلة بدقة على إجراء مقابلات العمل عن بعد مع الأشخاص فذلك سوف يحد من الخطأ البشري و يسمح لنا بربح الكثير من الوقت و بلوغ أعلى و أرقى مستويات الفاعلية.
ثانيا . الروبوتات يمكن ان تعمل طوال الوقت وعلى مدار الساعة دون الشعور بالتعب و الارهاق مثل البشر. الإنسان طبعا في نظامه البيولوجي يحتاج الى 8 ساعات من أجل النوم، 8 ساعات مثلها أو أكثر من 10 ساعات إلى 12 ساعة من أجل العمل وكسب القوت اليومي و8 ساعات أخرى من أجل القيام بأنشطة اجتماعية مختلفة. الآلات لديها القدرة أن تعمل 24 ساعة دون أن تقع في الخطأ، و دون أن تحس بذلك التعب والإرهاق الذي يراكمه البشر.
ثالثا. ميزة أخرى للذكاء الاصطناعي هي المساعدة في الوظائف المتكررة معنى ذلك الأتمتة. بعبارة أخرى، بفضل الآلة و بفضل التكنولوجيات الحديثة يصبح العمل بسيطا.
بالنسبة للصحفي الذي يستعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال في عمله، فعوض أن يذهب لمنطقة معينة تشتعل فيها الحروب أو تضربها الفيضانات أو الزلازل أو منطقة موبوءة، فعوض أن يذهب طاقم كامل مكون من 10 صحفيين لتغطية حدث معين أو الوقوف على فاجعة معينة أو أمطار طوفانية في منطقة معينة أو الذهاب الى منطقة فيها الإرهاب، يمكن أن نرسل صحفيا واحدا مزودا بأجهزة تكنولوجية متطورة مثل الموبايلات عالية الجودة .. في حالات أخرى قد لا نرسل صحفيا، بل نرسل طائرات الدرون من أجل تغطية الأحداث و الرجوع الينا بكمية ضخمة من البيانات.
رابعا. يعمل الذكاء الاصطناعي على تشغيل العديد من الاختراعات في كل مجال تقريبا مما يساعد البشر على حل غالبية المشكلات، هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي موجود الآن في جميع المجالات، موجود في التعليم، موجود في الصحافة، في الطب؛ و نتحدث هنا عن الطب عن بعد و بفضله تجرى عمليات جراحية دقيقة على المخ وعلى الأعصاب باستعمال الذكاء الاصطناعي والتحكم عن بعد.
هذه تقريبا أهم الإجابات عن ايجابيات و أهمية الذكاء الاصطناعي في عصرنا الحالي.
يوسف العبوبي : و ما هي ايجابيات الذكاء الاصطناعي في مجال التواصل؟
د. مهدي عامري: في مجال التواصل… هنا سوف أكون انتقائيا وسوف أتحدث عن تجربتين وهما تجربة التعليم وتجربة الصحافة باعتبار أننا ننتمي الى المعهد العالي للإعلام والاتصال سواء كأساتذة باحثين أو طلبة أو ممارسين أو أساتذة زائرين لهذا المعهد، فهناك عدة ايجابيات وعدة نقاط من نقاط القوة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي.
بالنسبة للصحفي مثلا، الصحفي الآن الذي يستعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي يقلص حدود الزمان و المكان في التغطيات الاخبارية، سوف يعمل أقل اذا كان في الماضي الصحفي يحتاج الى 16 أو 17 ساعة للعمل المتواصل الذي ينهك صحته فإنه الآن يحتاج الى عدد ساعات أقل خاصة في الدول المتقدمة التي توظف بشكل كبير ومكثف تقنيات و برمجيات الذكاء الاصطناعي ، فبذلك سوف يتحول العمل بالنسبة للصحفيين الى نشاط أشبه ما يكون باللعبة المسلية (و هنا أدعو من هذا المنبر المؤسسات الصحفية في المغرب و في الدول الصاعدة أو السائرة في طريق النمو إلى الاهتمام اكثر بالذكاء الاصطناعي و دمجه في العمل).
هناك بعض الاصوات التي تتعالى بنظريات المؤامرة و تقول ان الذكاء الاصطناعي هو مؤامرة من أجل تسريح العمالة و من أجل التخلص من فائض الصحفيين و العمال، و هذا غير صحيح، رغم أن هذه سلبية من سلبيات الذكاء الاصطناعي، و أنا أعتقد أن الايجابيات تفوق بكثير السلبيات على مستوى المردودية، لأنه سوف تتقلص ساعات العمل و سوف يصبح الصحفي بمثابة مراقب لعمل الآلات و بالتالي سوف يكون لديه وقت اكثر لقضائه مع العائلة، ثم لتكوينه المستمر و تحسين قدراته و مهاراته التواصلية و أيضا من اجل ان يطور من ادوات عمله و ما الى ذلك، هذا في مجال الصحافة…
في مجال التعليم ، أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة معرفية ورقمية نعيشها في السنوات الأخيرة، وأنا اريد ان اربطها بجائحة كورونا التي تنامى فيها وتعاظم الاهتمام بالتعليم عن بعد وتلك التطبيقات التي استعملناها كلنا، تطبيقات الدردشة والمحادثة الآنية بالصوت و الصورة و كلها بطبيعة الحال من منتجات الذكاء الاصطناعي.
هذا هو التوجه العالمي الضارب بقوة، و لكنه لا يغنينا بتاتا عن حضور الأستاذ أو المدرس في قاعات الدرس، لأنه عندما تكون لديك آلات و تبرمجها فان هذه الآلات ستحاكي سلوكيات البشر و قدراتهم و تصبح هذه الآلات ذكية، قادرة على الاستنتاج، قادرة على اتخاذ القرارات… يجب ان نفهم ان هذه الآلات و لو أنها ذكية فإنها لن تعوض الإنسان، لأنها دون روح، لأنها ليست انسانية، و لا تملك ملكات بشرية من التواصل الحميمي، و التعاطف، و تدفق المشاعر. و هنا اعتقد من باب الانصاف انه يجب اعادة التفكير في كلمة او مصطلح “الذكاء الاصطناعي” الذي اسقط إسقاطًا على الآلات و البرمجيات، فهي بالأحرى برمجة اصطناعية لأننا عندما نتحدث عن الذكاء، فإننا نتحدث عن الحدس ، نتحدث عن الروح، عن الحساسية التي يمتلكها الانسان، نتحدث عن العواطف التي يمتلكها الانسان ولا تمتلكها الآلة. الآلة فقط تحاكي الإنسان وتقلده و تتحمل ساعات العمل أكثر، لكنها دائما تحت سيادة الإنسان،ف الإنسان هو الأصل.
يوسف العبوبي : من المؤكد أن للذكاء الاصطناعي ايجابيات، لكن ايضا هناك سلبيات. كيف تنتهك التكنولوجيات الحديثة حقوق الانسان؟
د. مهدي عامري : في واقع الامر، قبل أن نتحدث عن انتهاك التكنولوجيا لحقوق الانسان، نبدأ و نشير في نقاط سريعة الى سلبيات الذكاء الاصطناعي. سلبيات الذكاء الاصطناعي كثيرة جدا، ومن بينها، التكلفة المرتفعة نتيجة الاحتياج إلى تحديث البرامج التي غالبا ما تحتاج للتحديث والتتبع من اجل تلبية أحدث المتطلبات، و من اجل ان تكون دائما معاصرة ومواكبة للتكنولوجيا الحديثة. السلبية الثانية هي ان الذكاء الاصطناعي يجعل البشر كسالى وهنا نشير للأتمتة التي مكنت العديد من الاشخاص من العمل داخل المنزل و هذا أمر مفيد وفي نفس الوقت غير مفيد لأنه يشجع على الخمول ويزيد في البدانة، فهناك دراسات علمية و طبية اثبتت ان هناك اشخاصا كثيرين ازدادت اوزانهم، و عانوا من البدانة، و هناك من اصيب بامراض، فالذكاء الاصطناعي يجعل البشر كسالى، يعتمدون فقط على ما هو موجود في الانترنت دون ان يتحركوا.
السلبية الثالثة هي ان التدخل البشري في الآلات أصبح يؤدي الى البطالة. في الصين مثلا تم تسريح ما يقارب مليون صحفي وتعويضهم بالآلات وهنا نتساءل عن مصير هؤلاء الصحفيين في دولة لا تتبع اسس الممارسة الديموقراطية، فهؤلاء الاشخاص الذين تم تسريحهم ليس مضمونا 100٪ انهم سيعملون سريعا في مكان آخر.
السلبية الأخرى ان الآلات لا يمكن ان تطور علاقة مع البشر بالمعنى العاطفي، الآلات فقط تحاكي، و تنجز ما عليها.
و حتى اعود لسؤالك حول حقوق الانسان وانتهاك الخصوصية، أجيب عن سؤالك عن طريق مثال:
في العواصم الكبرى، مثل لندن التي تضم من 10 إلى 12 مليون من كاميرات المراقبة. السؤال الذي يطرح، هل استعمال الذكاء الاصطناعي متاح في إطار المسألة الأمنية ام هو يغتصب الحق في الصورة والخصوصية؟ تصور أنك تتجول في الشارع، تخرج وتذهب لقضاء فسحة من الوقت مع اصدقائك ولكنك مراقب في كل حركاتك و سكناتك، في كل مكان…إن كانت هذه من مفرزات الذكاء الاصطناعي، فيجب هنا اعادة السؤال حول الخصوصية، في الحق في الحياة الشخصية وايضا الحق في وجود فضاء خاص داخل الفضاء العام.
ان هذه المراقبة- التي اصبحت موجودة في جميع مدن و دول العالم عن طريق تلك الكاميرات التي أصبح عددها هائلا يقاس بالملايين- تلغي مباشرة الخصوصية وتجعل الإنسان في الوقت نفسه سجين هذا الذكاء الاصطناعي الذي كان يعتقد الكثيرون من الأشخاص غير المتخصصين انه بمثابة “فردوس وردي” كله ايجابيات و أن التكنولوجيا حاضرة هنا لتحقيق الرفاهية، و لكن الحقيقة المرة و القاسية أن التكنولوجيا تسهم في استعباد هذا الانسان و في تكريس العبودية ان لم يتم استخدامها بالشكل المعقلن و المطلوب.
يوسف العبوبي : في الختام، ما نصيحتك للطلبة الصحفيين حول التعامل مع التكنولوجيا؟
د. مهدي عامري: النصيحة التي أقدمها للطلبة هي أن هذه التكنولوجيا مفيدة ولكنها في الوقت نفسه سلاح ذو حدين. ينبغي ان تفهم ايها الطالب الصحفي ان التكنولوجيا جيدة من اجل الوصول للبيانات الضخمة، من اجل الوصول الى أمهات الكتب، من اجل اختصار زمن التعلم، من اجل تفعيل التعلم السريع ، ولكن يجب ان لا ننسى الوسائل التقليدية والأصيلة للتعلم : الكتاب المطبوع، الرحلات، و التعلم بالمشي.. فلا يجب ان ننسى اذا هذا الجانب الطبيعي، وهو الجانب الأصيل و العريق في التعلم.