بطلب من موقع ” لوبوكلاج ” يكتب الأستاذ والحقوقي المغربي ابراهيم الأشهب، الأمين الوطني للرابطة المغربية للمواطنة و حقوق الإنسان، الحاصلة على الصفة الاستشارية لدى الأمم المتحدة عن المخزن بالصيغة المغاربية و بربطه بالشعب الجزائري الذي يتبنى نفس الهوية الثقافية المعاربية، كما بربطه أيضا بالحاكمين بقصر المرادية بالجزائر .. لنقرأ.
المخزن حسب المفكر المغربي عبدالله العروي هو ” الحكومة بمعناها اللغوي، أي الحكم بين هيئات اجتماعية تميل طبيعيا إلى التسيير الذاتي و له علاقة وطيدة بكل قوة من القوى الاجتماعية بتأثيرها في تصرفاته داخليا و خارجيا… و السياسة المخزنية هي مرآة العلاقات الاجتماعية”
لا يمكن فهم طبيعة المخزن و ماهيته دون فهم طبيعة الثقافة المغربية، و لا أبالغ إذا قلت المغاربية، لأن المخزن بكل بساطة هو الوجه الآخر للثقافة المغربية المتسمة بالتنوع و العمق التاريخي و الإغراق في التقليدانية، الوجه الآخر الذي يعني طرق التدبير و التسيير و السياسة و الحكم.
فما يقوم به سلاطين المغرب، منذ أن استوى النظام المخزني و اكتمل في العصر السعدي، هو نفس الدور الذي يقوم به رب العائلة في تدبير شؤون أسرته. و لهذا فالأفراد مستعدون سلفا لحكم المخزن، لأن تدبيره لا يختلف في شيء لما نشأوا عليه داخل أسرهم و جماعاتهم و زواياهم الدينية.
إنه تدبير ممركز حول رب الأسرة و شيخ الطريقة و قائد القبيلة و سلطان الأمة و زعيم الحزب و النقابة حديثا.
فهم المخزن لا يمكن أن يتم خارج دائرة النسق السياسي المغربي، الذي يقوم، حسب الباحث المغربي محمد ظريف، على ثلاثة حقول أساسية: 1/ حقل الدولة الحديثة، 2/ حقل إمارة المؤمنين، 3/ حقل التحكيم.
فالشخص الوحيد الذي يحضر في هذه الحقول الثلاثة مجتمعة، هو شخص السلطان الذي تم استبداله بلفظ الملك مع تجربة الراحل الحسن الثاني رحمه الله في الحكم منذ 1961. لأن لفظ السلطان لا يستقيم لغويا و دلاليا مع مفهوم الدولة الحديثة التي بنيت أساسا على فصل السلط.
إن النظام المخزني هو تحصيل ما راكمته السلطة في المغرب من تدابير و إجراءات في حقلي إمارة المؤمنين و التحكيم، في إطار ما كان يعرف بالآداب و التقاليد السلطانية. هذا التراكم الشفوي هو ما أفرز عرفا غير مكتوب في الحياة السياسية عبر قرون أطلق عليه و ما يزال بالمخزن ( لفظ يدل على تمركز المال و المؤونة و العتاد و الرجال و كلها تشكل عماد السلطة).
إذا عدنا للتاريخ نجد أن حجم المخزن اتسم بالمرونة و عدم الثبات. فقد عرف المخزن فترات تمدد و فترات انكماش وفق الوضع الداخلي للمغرب ( من قبيل قوة شخص السلطان، طبيعة العائلات المتحكمة في دواليب الاقتصاد، تحالفات القبائل، قوة و ضعف مؤسسات الزوايا و تأطيرها للمريدين…).
فتمدده، كان يوصله إلى مشارف ليبيا و تخوم الصحراء الكبرى في النيجر و مالي و بوركينافاسو، بالرغم من وجود حكام محليين في هذه المناطق من شمال إفريقيا الذين كانوا ملزمين بشيئين اثنين: أولا، بعث المكوس ( الضرائب) إلى سلطان مراكش أو فاس أو مكناس و ثانيا، الدعوة للسلطان في مساجدهم.
و كل منطقة غير خاضعة لحكم المخزن في هذا الامتداد الجغرافي كان يطلق عليها، بلاد السيبة، بلاد لا تتمتع بالأمن و الأمان و الرخاء.
كل ما سبقت الإشارة إليه آنفا يبرر الخوف الشديد لحكام الجزائر، الدولة الفتية، المنشأة بمرسوم 1962 من الجار الغربي الذي يستبطن قرونا من التدبير السياسي للمنطقة المغاربية. لهذا ، فساكن قصر المرادية يرى أن فتح الحدود ( من وجهة نظره) أمام المخزن هو تهديد الوجود، ما دام الشعب الجزائري يحمل نفس الهوية الثقافية. و المخزن، كما أسلفنا، هو مظهر من تجليات هذه الثقافة في بعدها التدبيري و السياسي.
خلاصة القول، أن المخزن في المغرب يتمدد و يتجدد، لأن مقومات وجوده قائمة: عمق الثقافة المغربية المغرقة في التقليدانية، و هذا من بين أهم أسباب الاختلاف بين رجلين كبيرين في التاريخ المغربي الحديث: الراحل الحسن الثاني رحمه الله و الراحل المهدي بن بركة رحمه الله. فالأول كان يرى أن الحداثوية يجب أن تكون في خدمة التقليدوية، في حين أن الثاني رأى خلاف ذلك: التقليدوية في خدمة الحداثوية و المخزن هو انتصار للرأي الأول على الثاني.