من هذا الحِاضِر، أستعِيدُ ذكرياتِ طفولةٍ لا تُنسَى: كان التّلاميذُ يُلقّبُونَني “الشّاعرَ الثّقِيل”.. ويَضحَكُون.. وأنا أضحَكُ معَهُم.. نَضحكُ مع بَعضِنا على بَعضِنا.. بسَبب.. وبدُونِ سبَب..
و”الشّاعرُ الثّقيلُ” يُواصِلُ المِشوَار..
يَكتبُ ما يَحسِبُهُ شِعرًا.. وما هذه إلاّ مَشاعِرُ مُلْهَمَةٌ مِنْ علاقاتٍ طبيعيةٍ بين التّلاميذ..
كنتُ أرى أنّ مع النّمُوِّ الجَسَدِي، الفِكرُ بِدَورِهِ يَنمُو..
“كائنانِ” مُتَوازِيّان: الجَسَدُ يُنمِّي الفِكر، والفِكرُ يُقَوِّمُ الجَسَد: سِكّتانِ مُتَوازيّتان، في حركيّةٍ مُشترَكةٍ مُتواصِلة..
وصِرتُ أشعُرُ بهذا النّمُوّ الفِكري.. أراهُ بوُضوح.. يَعلُو مع مزيدٍ منَ القراءةِ والكِتابة..
ما زلتُ، وأنا بعدَ السّبعِين، أشعرُ أن الطّفولةَ المتحرّكةَ تُرافقُني..
وهذه طُفولتِي النّفسيّة..
وما زالت حتى وقد مَضَى هذا العُمرُ الجَسَدِي، حاضِرةً مُؤثّرةً مُتأثّرة.. وأنا معَها أتفاعلُ وأتأََقلَم.. ونحنُ معًا نَقفِزُ حواجزَ الزّمن..
وأُحسّ أن المسافاتِ بينَنا، أنا وطفُولتي، لا تتّسعُ بقدرِ ما تتَقارَب، وكأنَّ رجُلَ اليوم، نفسُ طِفلِ الأمس.. ومعًا، نحنُ الماضي والحاضِر، شرِيكانِ في الزّمانِ والمكان، في مسِيرةٍ واحِدةٍ يُنشّطُها التّفاعُلُ من بعِيد..
▪︎إنه زمنُ الخيالِ أستعِيدُه..
وفي الخيالِ كلُّ شيءٍ مُمكِن..
وأحيانًا يَذهبُ بِي هذا الخيالُ إلى القفزِ على المُستحِيل..
وأتصوّرُ أنّني مِن هذا الحاضِرِ السّبعِينِيّ، أستطِيعُ أن أفهمَ وأصحّحَ وأُوَجّهَ كلَّ هذا المَسار..
وهذا مُجرّدُ تصوُّرٍ عبَثِي..
بالخيالِ يُمكنُ القفزُ على الزّمن، والوُصول إلى الماضي، وإدخالُ تعديلاتٍ حتى في المكان..
وعمَليّا، هذا مُستَحيل..
يستحيلُ أن أغيّرَ الأحداثَ في ذات الطّفولة..
▪︎وهأنذا أدورُ في حلقةٍ مُفرَغة..
ولكنّ طفولتِي لم تَستَسلِم.. ما زالت تُلاحقُني أنا ابنُ السّبعين..
وإذن، لماذا كلّ هذا الخيال؟ ماذا تُجدِيني رحلاتُ الخيال؟
وأُسائلُ نفسِي: أليس الخيالُ، ورغمَ كلّ الاستِحالات، عُبُورا في الذاكرةِ إلى الماضي؟
أنا الآنَ مُقتَنِعٌ أن كلّ ما أستَطِيعُ – خياليّا – هو أن أسمعَ الأصواتَ الطفُولية، وأن أستعِيدَ الحركاتِ والسّكنات، عبرَ مُختلفِ مَراحلِ النّمُو.. أمّا العَودةُ الجسَدِيةُ إلى الطّفولة فمُستحِيلة.. مُستحِيلةٌ رغم أنّني كم تمنّيتُها..
وأمْرٌ واحدٌ مُمكِن، هو التّأثُّرَ الحالي بالذكرياتِ الطفولية..
أنا مَسكونٌ بذكرياتِ الطّفولة.. الطفولةُ صديقتِي.. رفيقتِي من المهد إلى اللّحد..
وما زِلتُ طِفلاً حتى وأنا بعدَ السّبعِين..
وحتى أفكاري الحالية، فيها صُورٌ طفوليةٌ لا تُغادِرُني..
▪︎ما زلتُ أزورُ طفُولتِي!
طفلٌ كبيرٌ يَتفَقّدُ أيّامَ الصِّبَا..
أقطعُ مسافاتٍ زمنيةً إلى طفُولتي المَنحوتةِ في كياني.. إنها زياراتٌ استِطلاعيةٌ ظَرفية.. ولكنّ الدائمَ هو أنّ الطّفلَ – الذي هو أنا – لا �