في إحدى ضواحي العاصمة الإسبانية مدريد، وتحديداً في حي خيتافي الشعبي، وُلد طفل لأبوين مغربيين مهاجرين، لم يكن أحد يتوقع أن يصبح في يوم من الأيام أحد أفضل الأظهرة في العالم.
أشرف حكيمي، الطفل النحيل، الذي تعلّم الانضباط من والده العامل البسيط، والحنان من والدته العاملة في تنظيف البيوت، بات اليوم نجماً لامعاً في سماء الكرة العالمية، وواحداً من أبرز ممثلي كرة القدم المغربية في الملاعب الأوروبية.

PHOTO LE PARISIEN / ARNAUD JOURNOIS
الطفولة المزدوجة: هُوية مغربية بنَكهة إسبانية
وُلد أشرف حكيمي في 4 نوفمبر 1998 بمدينة مدريد، لأبوين مغربيين ينحدران من منطقة وادي زم. ورغم نشأته في إسبانيا، إلا أن الأجواء العائلية كانت مشبعة بالثقافة المغربية، لغةً وأكلاً وانتماءً.
تلك الهوية المزدوجة زرعت في قلبه حباً خاصاً لبلد الأجداد، وهو ما ظهر لاحقاً عندما اختار الدفاع عن ألوان “أسود الأطلس” بدل منتخب “لاروخا”.
منذ سنّ السادسة، التحق حكيمي بأكاديمية نادي كولونيا أوفيستا، قبل أن تلتقطه أعين كشافين من ريال مدريد، حيث التحق بمركز “لا فابريكا” الشهير، وهناك بدأ يتشكّل الحلم.
الانفجار الأول: من ريال مدريد إلى دورتموند
لم يكن طريق أشرف مفروشاً بالورود داخل أروقة ريال مدريد، لكنه أثبت قدراته بسرعة خارقة. في موسم 2017-2018، تم تصعيده للفريق الأول تحت قيادة زين الدين زيدان، ولعب مباريات في “الليغا” ودوري الأبطال، مسجلاً أهدافاً وصانعاً للفارق رغم صغر سنه.
لكن الانفجار الحقيقي جاء مع إعارته إلى بوروسيا دورتموند الألماني (2018-2020)، حيث تحوّل إلى جناح هجومي متكامل. تألقه الكبير جعل اسمه يتردد في كبرى الصحف الأوروبية، خاصة بعد مساهمته في تسجيل وصناعة العديد من الأهداف، وأسلوبه السريع والفني في الجناح الأيمن والأيسر على حد سواء.
محطات التألق: إنتر ميلان ثم باريس سان جيرمان
في 2020، انتقل حكيمي إلى إنتر ميلان الإيطالي، ليُسهم في تتويجه بالدوري الإيطالي لأول مرة منذ أكثر من عقد. هناك، تألق تحت قيادة أنطونيو كونتي، وأثبت نفسه كأحد أفضل اللاعبين في مركزه على مستوى العالم.
بعد موسم واحد فقط، انتقل إلى باريس سان جيرمان في صفقة بلغت 60 مليون يورو، ليلتحق بكوكبة من النجوم، بينهم ميسي ونيمار ومبابي. ورغم التحديات، حافظ حكيمي على مكانته الأساسية في تشكيلة الفريق الباريسي، وقدم مستويات مبهرة في دوري الأبطال والدوري الفرنسي.

قصة عشق خالدة مع المغرب
ورغم المجد الأوروبي، فإن القلب ظل معلقاً بالمغرب. شارك حكيمي لأول مرة مع المنتخب المغربي سنة 2016، وكان أحد الأعمدة الأساسية في كل المحطات: من كأس إفريقيا إلى كأس العالم.
لكن لحظة المجد الأكبر كانت في مونديال قطر 2022، حيث قاد أشرف حكيمي، إلى جانب زملائه، المنتخب المغربي لصناعة التاريخ بالوصول إلى نصف نهائي كأس العالم، في إنجاز غير مسبوق عربياً وإفريقياً. لم ينسَ العالم تسديدته الحاسمة “بانينكا” أمام إسبانيا، في ركلات الترجيح، التي أظهرت شجاعته وثقته في النفس.
الكرة الذهبية… حلم مشروع أم مستبعد؟
رغم أن مركز الظهير نادراً ما يُفضي إلى التتويج بالكرة الذهبية، فإن الحديث عن ترشيح حكيمي مستقبلاً للفوز بالجائزة بات مطروحاً في الأوساط الإعلامية، خصوصاً بعد موسمه الأسطوري مع المنتخب المغربي في المونديال، وتألقه مع أندية النخبة.
صحيفة “ليكيب” الفرنسية أشادت به كـ”أحد أكثر اللاعبين حسماً في مركزه”، بينما وصفه النجم البرازيلي داني ألفيس بأنه “الخليفة الطبيعي في الجبهة اليمنى”. أما النجم الفرنسي كيليان مبابي فقد قال: “لو كان حكيمي مهاجماً، لفاز بالكرة الذهبية منذ زمن!”
معايير الجائزة لا تقتصر فقط على الأهداف، بل تشمل التأثير، الحسم، والتميز الفردي… وكلها متوفرة في مسيرة حكيمي. وإذا نجح مستقبلاً في قيادة منتخب المغرب إلى لقب إفريقي أو دوري أبطال أوروبا مع باريس، فإن اسمه قد يُدرج بقوة في سباق “البالون دور”.
ما بعد المجد: نضج ومسؤولية
اليوم، في عمر 26 سنة، لم يعد حكيمي مجرد نجم صاعد، بل قائد ملهم ونموذج يحتذى. تزوج من الممثلة الإسبانية-التونسية هبة عبوك، وله طفل، قبل أن ينفصلا لاحقاً وسط أضواء الإعلام، لكن اللاعب استطاع أن يحافظ على تركيزه في الميدان، رغم الضغوط.















