- ينظم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كهيئة دستورية استشارية يوم الأربعاء 20 مارس 2024، ابتداء من الساعة 11:30 صباحا بالرباط،لقاء تواصليا تحت عنوان :” من أجل مجتمعٍ متماسكٍ خالٍ من التسول” وذلك من أجل تقديم خلاصات رأيه حول هذه الظاهرة المشينة والعالمية والتي تبدو معضلة سوسيو-اقتصادية ذات منابع تربوية وسيكولوجية بالتحديد
وأتذكر هنا أنه من مفارقات صبيحة النتائج الانتخابية التشريعية لسنة 2021 ،وهي تنم في الواقع عن تناقض صارخ بين انتظارات المواطن/ الناخب الاقتصادية والاجتماعية وبين الفرحة التي عمت الفائزين ومناصريهم،أن السيدة حرم كاتب هذه السطور خرجت لقضاء بعض الأغراض المنزلية صبيحة يوم الإعلان عن نتائج الفائزين والخاسرين بالاستحقاقات الانتخابية الوطنية،فصادفت من فورها شابا محتاجا يتسول ولا يطلب سوى خبزة لأنه جائع،فسألته إن كان يريد معها مشروبا،فتعفف عن طلب المزيد،فاقتنت له عصيرا ودعا لها بالأجر والثواب ثم ذهب لحال سبيله
أمر مؤلم حقا أن يتواجد بين أفراد أمة عريقة ووطن غني بالثروات المعدنية والبحرية وخلافها و بأموال دافعي الضرائب
أناس مفقرون محتاجون لا يملكون قوت يومهم،فيضطرون إلى سلك طريق التسول حيث تنزع فيه كرامتهم الإنسانية ويصبحون عالة على المجتمع، ومنهم نساء ورجال وشباب وأطفال وأسر بكاملها تعيش على هذا المنحى اللاإنساني،بغض النظر عن محترفي هذه المهنة القذرة والذين يكسبون من ورائها أموالا طائلة معفاة من الضريبة على الدخل
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
كنت من ساكنة الرباط العاصمة أو من زوارها اليوميين ،فلن تسلم من نبش ووخز لضميرك وسؤال واستجداء واستعطاف وتذلل أمام عينيك للعشرات من المتسولين من محترفي المهنة أو من هواتها أو ممن قلت حيلتهم في طلب العيش من كل الأعمار ومن كل الجينات ومن الإناث ومن الذكور ،همهم الوحيد هو أن تستجيب لكل سؤال أو استجداء بالإيجاب لا بالسلب أو بالنهر وبالعتاب ( وأما السائل فلا تنهر ) قال المفسرون: يريد السائل على الباب ، يقول : لا تنهره لا تزجره إذا سألك ، فإن كان فقيرا،فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا،يقال:نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره
يسبقونك إلى حيث حللت أو ارتحلت أو يتبعون خطواتك حتى ولو كانت متسارعة ،كيفما كنت وأينما كنت، متحدثا عبر جوالك أو منغمسا في حديث هام مع صديقك أو ذويك بشارع أو بمقهى، أو تتناول طعامك وقت الفطور أو وقت الغذاء ،حيث تكاد اللقمة الساخنة أو الباردة تنحبس بقناتك الهضمية كلما أدركك واحد منهم أو واحدة منهن بسؤال مفاجئ لم تكن تنتظره البتة.أما إذا وقفت أمام شباك بنكي أو على رأس متجر كبير أو عند الدخول أو الخروج من مسجد أو مزار أو إدارة مالية أو بموقف الترامواي ،فإنك قد تفقد أعصابك من هول ما ترى وتسمع من جمل مكرورة غارقة في منزلة من الدونية واللا إنسانية وانحطاط في الكرامة والتي وضع فيها هؤلاء قهرا وقسرا أو اختاروا هم وحدهم أن يوضعوا فيها
ما هذا الواقع المؤسف إذن، الذي أصبح المغاربة المسلمون يعيشون فيه في كل مدينة أو قرية بتكاثر عدد المتسولين والمتسولات،ومدينة الرباط العاصمة،ليست بالطبع إلا نموذجا صارخا لاستفحال مثل هذه الآفة الاجتماعية البئيسة،وهي المدينة التي تعد عاصمة للثقافة العربية وللثقافة الإفريقية ولقبت أيضا بعاصمة الأنوار ،وتشتمل على أهم عناصر الحداثة والعمران بالمغرب ،وتضم بين جنباتها الوزارات والإدارات الكبرى للبلاد والسفارات والهيئات الدبلوماسية وممثليات الأمم المتحدة وإقامات السفراء والقناصلة والكليات والمعاهد الجامعية ومراكز البحث العلمي والمستشفيات الكبرى والمصحات المتخصصة ذات الصيت الوطني والإقليمي
قبل سنوات مضت،التقيت بمغربي متخصص في تجارة الحواسيب، سبق له أن زار العاصمة تل أبيب ،فأسر لي بأنه لم يعثر هنالك وقتها على متسول واحد يدور في شوارعها وأزقتها أو بمتاجرها،وكأنها خالية تماما من شيء اسمه التسول ..قلت سبحان الله ..لله في خلقه شؤون
لا بد إذن من تسليط الضوء على هذه الظاهرة المشينة التي تسيء إلى سمعة العاصمة وسمعة المملكة خاصة عند توافد الزوار الرسميين الكبار وقوافل السياح وأيضا بحكم تواجدنا القهري في عالم افتراضي أضحى فيه الكون قرية صغيرة عبر شبكة النت وتلفزيون الفضاء، كل شيء باد للعيان،جاهز في أي لحظة للفضح والتشهير بأمة المغرب كدولة إسلامية،كما أننا كنا قد فتحنا قبل سنوات أوراشا كبرى في المعمار العصري و بناء المستقبل وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان
وغني عن الذكر ،الحديث عن تسول من نوع آخر غزى مواقع وقنوات التواصل الاجتماعي،فأضحى كل صاحب محتوى أو صاحبة محتوى وإن كان ساقطا مهينا،يستجدي أو تستجدي دون استحياء في كل طلعة، الجمهور المتابع أن يمن عليه أو عليها “بكبسة لايك وببارتاج أو هبة مالية” لقاء المشاهدة والمتابعة للمحتوى،كل ذلك من أجل جني أموال من “الأدسنس” الذي دوخ الجميع وأسال لعاب الجميع لدرجة نزع الكرامة من الإنسان كإنسان كرمه الله تعالى وفضله على أعظم المخلوقات عنده”: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”. صدق الله العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله
تصنيف التنمية البشرية: تراجع محتشم
ومن مبشرات هذه السنة أن تصنيف المغرب في تقرير التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد تراجع إلى الرتبة 120،لكنه لا يزال بعيدا كل البعد عن دول هي نظيرتنا بالعالمين العربي والإسلامي كمصر (انفجار سكاني ضخم) وليبيا (لا استقرار سياسي) وتونس (مشاكل اقتصادية ومالية وسياسية) والجزائر (غلبة العسكر) دون المقارنة بدول أخرى خليجية وأوروبية متقدمة سبقتنا منذ زمن بعيد في مجال التنمية البشرية,ويُقصد بدليل التنمية البشرية، حسب التعريف الوارد في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قياس متوسط الإنجازات في ثلاثة أبعاد أساسية للتنمية البشرية؛ هي الحياة المديدة والصحية، والمعرفة، والمستوى المعيشي اللائق
التسول في رمضان
في مقال جميل لربى الرياحي نشر بموقع قناة “الغد” يوم 23 أبريل 2023 تحت عنوان :”التسول في رمضان.. “مهنة” يتوسع نشاطها لكسب التعاطف وجني المال”،قالت ربى فيما قالت أنه “بأساليب ملتوية؛ يفترشون الشوارع ويخرجون من كل مكان بهدف أخذ المال، مكررين ذات المشاهد التمثيلية وبقصص يقصدون من خلالها إثارة عواطف المارة، و بإلحاح مستهلك. ينتشر المتسولون في الشوارع والأسواق وعلى الإشارات ويزداد الأمر مع قدوم شهر رمضان لكونه شهر الخير والصدقات، ومن أجل كسب المال يبدأ المتسولون بالاستجداء والكذب وسرد بعض القصص المحزنة مستغلين بذلك عواطف الناس وحبهم للعطاء. ويأتي كل ذلك ذلك تحت ذريعة الحاجة. الكثير من القصص تلاحق المتسولين والتي تتحدث عن ثروات يجنونها بطرق غير مشروعة تبقى الحيرة حاضرة لدى أغلب الناس تدفعهم لأن يتساءلوا عن مدى استحقاقهم للصدقة وهل يستسلمون أمام إلحاح المتسولين أم يلجأون للجمعيات الخيرية ودور الأيتام وغيرها من الأماكن الموثوقة وحتى البحث عن عائلات محتاجة؟ اختصاصي علم الشريعة الدكتور منذر زيتون يبين أن التسول عادة سيئة ليس فيها كرامة حيث أنها إذلال وتعريض النفس للإهانة. فالمتسول يسكب ماء وجهه مقابل بعض المال وقد يعطى وقد لا يعطى فهناك من يتطاول عليه، لافتا إلى أن الحاجة للمال لا تسوغ أن يمد الإنسان يديه ,فالأصل في طلب المال أن يكون بطريقة كريمة كأن يذهب الشخص لإحدى المؤسسات المتخصصة بدعم الفقراء أو أن يلجأ إلى أقاربه الذين من واجبهم أن ينفقوا عليه شرعا وقانونا. ويضيف زيتون أن المتسول لا يكتفي بمد يديه للناس بل أيضا يتعمد أن يظهر بصورة الشخص المتهالك الضعيف وفي ذلك إمعان في إذلال النفس. ولذلك يجب على المجتمع أن يوحد تقديم النفقات والزكوات إلى الجهات المتخصصة حتى يأخذ كل صاحب حاجة حاجته ويكون هناك عدل وإنصاف من خلال عمل دراسة لوضعهم الاجتماعي. ووفق زيتون، فإن أكثر المتسولين يمتهنون التسول ليس لأنهم بحاجة للمال أو لأنهم فقراء بل يمتهنونه طمعا وعادة ولأن هذه هي ثقافتهم، ويريدون أن يستكسبوا و”فعليا نحن عندما نعطي هؤلاء الأشخاص نحرم بالطبع أصحاب الحاجة الحقيقيين”.”انتهى
حكم التسول في النصوص الشرعية
لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَٰهُمْ لَا يَسْـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ
التسول لا يحل إلا لثلاثة بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف قال: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال: سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال: سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا. رواه مسلم من حديث قبيصة
مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) رواه البخاري
مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ) رواه مسلم
إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) رواه الترمذي
روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ