إسرائيل التي تتمسك باعادة استئناف علاقاتها مع المغرب، وتضغط بقوة للانتقال من مكتب للاتصال الى مرتبة سفارة، وتعرف أن حضور القضية الفلسطينية في المغرب هو حضور قوي، غير مستعدة للتراجع عن هذا المكتسب لصالح حماس، والتي بات لها وزنها في الساحة، وباتت علاقاتها بإيران، وتركيا، غير اعتيادية، كذلك مكانتها في “الأجندة الامريكية”، وهو ما يقلق “منافسها الاسرائيلي”.
حماس لم تعد مجرد حركة مسلحة، بل باتت “ورقة” مهمة في يد أمريكا، وايران، وتركيا، وحتى مصر.
لذلك، لا يمكن حصر زيارة هنية للمغرب بدعوة من حزب العدالة والتنمية في أنها زيارة لأهداف “انتخابية”، فالأمر يتجاوز هذا التفسير الضيق الى تفسير أوسع يرتبط أولا بنتائج مفاوضات جنيف، ولقاء بايدن وبوتين، الذين اتفقا فيه على عودة السفراء الى البلدين، وبالتالي عودة “الدبلوماسية” لإدارة العالم، والتقاط المغرب لهذه الإشارة، واستيعابه ضرورة العودة للساحة العربية، خاصة في ظل التطورات الاستراتيجية السريعة التي تعرفها المنطقة.
المغرب، حرك ورقة العدالة والتنمية، الورقة التي تظهر بدورها أنها مستعدة لتقديم “الخدمات” في أي وقت، واي زمن، وانها الاسرع لتقديم خدمة التقرب من حماس، وان يكون للمغرب فيها نصيب كما لايران، وتركيا، ومصر، وأمريكا.
نفس الورقة، ورقة الإسلاميين، يريد المغرب من خلالها ان يبعث رسالة اخرى “أنهم سيتواجدون في الحكومة المقبلة رغم اصراركم على التخلص منهم”، وأن “لنا اسلاميونا ولكم اسلاميوكم”، مادام في المغرب مؤسسة أساسية في الحكم اسمها مؤسسة امارة المؤمنين قادرة على تهنئة نفتالي بينيت واستضافة مبعوثه في المغرب ديفيد غوفين، في نفس الوقت الذي تسخر فيه البيجيدي لدعوة اسماعيل هنية، و”تقاسم” استضافة مع باقي الأحزاب والهيئات المدنية، باعتبار أن القضية الفلسطينية ليست قضية “إسلامية”، ولا قضية دينية، ولا قضية الإسلاميين، بل هي شأن إنساني، مدني خالص، وبذلك يكون القصر قد سدد ضربة جزاء بحذق:
1-حافظ على الملف اليهودي/الاسرائيلي بيده وابعده عن اللوبي المغربي الذي يخدم التوجه الاسرائيلي/الاماراتي
2-حافظ على ورقة الإسلاميين باعتبارهم ورقة سياسية لصالحه وليست قوة سياسية منافسة كما يعتقد تيار في إسرائيل
3- أسس ل “النموذج المغربي” للتعاطي مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شبيه بالنموذج التركي، وبعيدا عن اتفاقية أبراهام وعن النموذج الإماراتي
3-مهد لانتقال سلس من مكتب للاتصال الى سفارة
سياسيا، أخل البيجيدي بالعديد من التزاماته تجاه المواطنين، وتخفي وراء عقلية”ماشي أنا السبب الاخر هو السبب”، لكن يحسب له أنه كان الجسر الذي مرت عبره دبابات ثقيلة من القرارات لم يكن لحزب آخر القوة على تحمل مرورها، ليظل السؤال الذي يجب أن يطرح على طاولة الدبلوماسية المغربية:”إذا كان المغرب استوعب ان دبلوماسية القطع لا تخدمه، فصححها من خلال عودته الى الاتحاد الافريقي، و”مقاومته” الضغوط لاعادة إقفال المكتب الاسرائيلي، ومحاولته العودة الى الساحة العربية، والى “وسيط سلام” بين الفلسطينيين، وإسرائيل، فهل يستوعب نفس الدرس في علاقته مع إيران خاصة بعد نتائج مفاوضات جنيف؟!!!”.