بعيدا عن خشبة المسرح، واضوائه وكواليسه، وهي التي كرست حياتها كلها لخدمته، قبل أن يقعدها المرض، رحلت أمس الاثنين، الى دار البقاء، الممثلة المغربية الحاجة فاطمة الركراكي، عن عمر يناهز 80 سنة.
فنانة بدون خصومات ولا صراعات، لم يعرف عنها يوما أنها دخلت في مشاحنة أو تنافس أو صراع مع أحد.
لا تتصرف أبدا كنجمة مشهورة، بل كواحدة من بنات الشعب البسيطات، رغم أنها من رائدات المسرح في المغرب، ومن أشهر وجوهه وأسمائه اللامعة.
سواء في الدراما أو الكوميديا، في المسرح أو التلفزيون أو السينما، كانت فاطمة الركراكي تخطف الإعجاب من عيون المشاهدين بخفة روحها ورشاقة حركتها واندماجها في الأداء دون تكلف أو تصنع.
ظلت محافظة على معدنها الأصيل بتواضعها وعفويتها في تصرفاتها مع الجميع، لدرجة أنها قد تجلس معك في مسكنها على الأرض، كأنك واحد من أسرتها الصغيرة، قبل أن تفتح لك قلبها في حديث صحافي عن شؤون المسرح المغربي وشجونه، وهي التي عايشت مختلف أطواره وتحولاته منذ انطلاقته.
لم تتردد يوما في تشجيع الممثلين الشباب، تشد بأيديهم في بداية المشوار الفني، وتحضنهم بكل حب كأنهم أولادها، كما كانت تصفهم دائما في أحاديثها.
قلبها كان يسع الجميع، بشهادة الكثيرين منهم.
وهذا ما كتبه ذات يوم الإعلامي والمبدع جمال بدومة،عن إشراكها في عمل مسرحي ضمن فرقة مسرحية جديدة:” كانت فاطمة الركراكي راقية في علاقتها مع بقية الفرقة، التي تتكون في معظمها من شباب نزقين، تخرجوا للتو من المعهد،(المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط). رغم تاريخها الحافل، وشهرتها الكبيرة، كانت تتصرف بكثير من التواضع. تأتي دائما في الوقت، وتنخرط بمنتهى الجدية في التداريب، وتحفظ نصها عن ظهر قلب، وفوق ذلك كانت تتعامل معنا مثل أبنائها”.
وخلص الصديق بدومة الى القول عن فاطمة الركراكي:” كانت أما مثالية، وفنانة راقية”.
وهذا هو حال كل من عرفها أو تعامل معها عن كثب، او جمعته معها جلسة أو لقاء صحافي أو تعامل فني.
إنها تدخل إلى أعماقه بطيبوبتها وابتسامتها وحسها الفكاهي الطريف.
في السنوات الأخيرة، أبعدتها أزمتها الصحية الطويلة عن وقوفها فوق الخشبة، ولا شك أنها كانت تشعر بالحزن والاشتياق إلى الجمهور الذي طالما استقبلها بعاصفة من التصفيق معبرا عن إعجابه الكبير بها.
يمكن القول عنها بدون تحفظ إنها لعبت مع الرواد الكبار، الذين بصموا تاريخ المسرح المغربي على مدار السنين والأجيال، ومن بينهم الطيب الصديقي، وأحمد الطيب العلج، ومحمد سعيد عفيفي.
واشتغلت أيضا تحت إشراف المخرج عبد اللطيف الدشراوي في فرقة مسرح محمد الخامس، في أعمال حملت توقيع الفنان الكوميدي الضاحك محمد الجم.
في العروض المسرحية، كانت أول من يحضر، وآخر من يغادر، حرصا منها على الانضباط الفني، وإعطاء النموذج عن الفنان الحقيقي الملتزم بعمله.
وفي كل إطلالة لها كانت تترك في ذاكرة المتلقي صورة متوهجة لفنانة رسمت لنفسها مسارا فنيا متميزا اتسم بالتألق.
وهذه الصورة الجميلة هي التي ستظل حية عند الجميع.
رحم الله الفنانة والممثلة المقتدرة فاطمة الركراكي.