ياسين طالب علوم الإعلام والصحافة بجامعة مالقا، يتذكر أول لقاء له بالجامعة: ” عكس ما كنت انتظر، استقبلت من طرف الطلبة والأساتذة بشكل جيد. لكن بقدر ما كنت سعيدا بهذا اللقاء، بقدر ما صدمت بالمعاملة القاسية لإحدى الموظفات بإدارة الكلية: ” إذا لم تسدد تكاليف التسجيل بعد ثلاثة ايام، سيتم إرجاعك لبلدك، ” .
السؤال الذي يطرح نفسه، هل ما تعرض له الطالب ياسين، هو نفس مصير كل الطالبات والطلبة المغاربة الذين اختاروا متابعة دراستهم الجامعية بالجارة الإيبيرية؟ أم هناك حالات تتقارب أو تتباعد فيما بينها؟
المملكة الإسبانية، وجهة جامعية جديدة للعديد من الطالبات و الطلبة المغاربة، أولا نظرا للقرب الجغرافي و ايضا للحضور القوي للغة الإسبانية بالمغرب، سواء من لدن الطلبة الذين درسوا اللغة الإسبانية بالثانويات و الجامعات المغربية، أو للأطفال الصغار الذين أختار أوليائهم تسجيلهم منذ صغرهم في مدارس البعثة الإسبانية (Colegios Espan̈oles).
للتذكير، فإن المملكة المغربية تعتبر ثاني دولة في العالم، بعد البرازيل، تحتضن 11 مدرسة اسبانية ( هنا بجب التمييز ببن مراكز سيرفانطس لتعليم اللغة الإسبانية و البعثة الإسبانية للتربية و التعليم).
و ربما هذا ما يبرر الحضور القوي للطالبات و الطلبة المغاربة في معاهد و جامعات الجارة الإبيرية.
الإحصاءات الأخيرة، الصادرة عن وزارة التعليم والتدريس المهني والرياضة بإسبانيا تفيد أن ” المغاربة هم أكثر الطلبة الأجانب الذين اختاروا المملكة الإسبانية لمتابعة دراستهم الجامعية “.
فضلا عن ذاك، فإن المعطيات الواردة من ذات الوزارة تسجل أن المغرب يحتل المرتبة الأولى من حيث إرسال الطلبة إلى إسبانيا خلال سنة 2023 / 2024.
رغم ذلك، خلف هذا الاهتمام و الإقبال الكبير للطالبات و الطلبة المغاربة على التعليم الجامعي الإسباني، يخفي جدلا كبيرا حول ظاهرة التمييز و الكراهية التي يعاني منها المغاربة عموما بسبب الإسلامفوبيا و ” الموروفوبيا ” (الخوف من المورو أي المغاربة)، سواء في الشارع، أو المجتمع أو في التعليم.
التقرير الأخير لوزارة الداخلية الإسبانية يشير إلى أن المغاربة يتصدرون قائمة ضحايا جرائم الكراهية والتمييز ضد الأجانب في الجارة الإيبيرية.
وبما ان موضوع استطلاعنا يركز على الطلبة المغاربة في إسبانيا، نتساءل عن حظ الطالبات والطلبة من هذه الظاهرة؟ وكيف يرى هؤلاء علاقاتهم اليومية مع زملائهم الطلبة الإسبان وأساتذتهم وإدارة جامعاتهم؟
- أرقام وإحصاءات عن التمييز والكراهية
من أجل الحصول على أرقام و إحصاءات حديثة، و تصريحات من مختلف الفاعلين الذين لهم علاقة مباشرة و غير مباشرة بهذه الظاهرة، ارتأت صحيفة ” لوبوكلاج “أن تنجز استطلاعا للرأي خلال شهري غشت و شتنبر 2024 شمل 98 مستجوبا من الطالبات و الطلبة المغاربة الذين يتابعون دراستهم العليا بالمعاهد و الجامعات الإسبانية، و الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 25 سنة ، أي الطلبة الجدد الذين تخرجوا حديثا أو مازالوا يتابعون دراستهم العليا .
ودون أن ندخل في تفاصيل قد تبعدنا عن الهدف الأساسي من الاستطلاع، سنحاول أن نقدم بعض الخلاصات الدالة عن هذا العمل الصحفي من خلال المحاور التالية:
- هل تعتقد أن هناك تمييزا وكراهية ضد المغاربة عموما؟
- هل تعرضت أنت شخصيا كطالب للعنصرية؟
- و ما هي الجهة التي عرضتك للتمييز و الكراهية؟
- الجامعة (إدارة، موظفون…)
- أساتذة
- الشارع العام
- أمن
- إدارات عمومية
- لم أتعرض للتمييز والكراهية من أية جهة
فحسب استطلاع الرأي الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وأرسل إلى العديد من الطالبات و الطلبة المغاربة عبر ” الواتساب “، فإن 88 % الذين أجابوا على الاستطلاع، أكدوا في آرائهم أن هناك تمييزا و كراهية تجاه المهاجرين المغاربة عموما.
و أن فقط 12 % من المستطلعة آراءهم أجابوا بالنفي، بمعنى لا توجد مضايقات و لا استفزازات من أي نوع كان تجاه المهاجرين المغاربة العاملين في مختلف القطاعات الإنتاجية الإسبانية، و أن الإسبان ليسوا كلهم عنصريون.
إذا كان المهاجرون المغاربة يتعرضون عموما لأشكال مختلفة من التمييز و الكراهية و العنصرية، فهل يعاني الطلبة، الذين لا يعتبرون مهاجرين في نظر القوانين الإسبانية المنظمة للوافدين، من هذه الظاهرة، أم أن وضعيتهم تبدو أقل سوءا ؟.
الأرقام والإحصاءات الواردة في استطلاع موقع ” لوبوكلاج “، تظهر، دون كبير عناء، هذا الفرق بين الطلبة و باقي المهاجرين المغاربة عموما.
حسب الطلبة الذين استطلع رأيهم، فإن حوالي نصف المستجوبين، و بالضبط 48 %، قالوا أنهم يعانون من التمييز و العنصرية خارج الجامعة، بمعنى أن حوالي نصف الطلبة الذين أجابوا عن هذا السؤال يعانون من هذه الظاهرة في أماكن أخرى غير الجامعة التي يتابعون بها دراستهم الجامعية، فيما عبر فقط 4 % عن معاناتهم من العنصرية داخل الحرم الجامعي.
أما 28 % من المستجوبين يقولون أنهم يعانون من العنصرية داخل و خارج الجامعة، و أن فقط 20% نفوا أية معاملة تمييزية أو عنصرية، داخل و خارج الجامعة.
- شهادات الطلبة
“كانت علاقتي مع الطلبة الإسبان جيدة، لم يسبق لي أن شعرت بضيق ما. كنا زملاء ورفاق”، يقول عبد الخالق، طالب بشعبة الترجمة بمدينة طليطلة
“لقد كان الجميع لطيفا معي، طلبة واساتذة، رغم أني كنت متخوفا بشكل كبير بسبب الصور النمطية التي طالما رافقت صورة المغربي، سواء كان طالبا او عاملا بسيطا “، يحكي صلاح الدين، الطالب بكلية العلوم بجامعة مالقا.
في الحقيقة، يضيف إسماعيل، الطالب بجامعة غرناطة: ” كنا نشعر بالتمييز والكراهية والعنصرية أكثر خارج الحرم الجامعي.
“تم رفضي من الحصول على شقة للكراء، لأنني مغربي” يحكي يوسف، طالب اقتصاد و إدارة الأعمال ببرشلونة: ” إنه أمر مهين و محبط ” يضيف يوسف بصوت حزين وغاضب
- لماذا التمييز و الكراهية؟
أما في ما يخص رأي الطلبة حول ” لماذا ” في نظرهم يتعرضون للتمييز و الكراهية من طرف الإسبان، فمن خلال ذات الإستطلاع المنجز من طرف موقعنا فإن الأجوبة كانت متباينة.
هناك من اعتبر أن أسباب التمييز و الكراهية ضد الطلبة المغاربة تعود إلى ” أحكام مسبقة و صور نمطية متوارثة بين الأجيال الإسبانية “. وهناك آراء أخرى ترى أن ” جهل بعض الإسبان الذين لديهم أفكار مسبقة جدا عن المغاربة، خاصة أن بعض المهاجرين المغاربة يساهمون في تكريس هذه الصور
والأفكار المغلوطة من خلال معاملاتهم السيئة وتصرفاتهم الطائشة “.
وهناك كذلك، من يرجع أسباب التمييز والكراهية والعنصرية ضد الطلبة المغاربة في المملكة الإسبانية إلى ” أسباب تاريخية، وبالضبط إلى زمن دخول العرب والمسلمين شبه الجزيرة الإيبيرية ”
- التأثير في الحياة الجامعية للطلبة
إن هذا التمييز والكراهية لا يؤثر فقط في الحياة اليومية للطلبة المغاربة في الجامعات الإسبانية، و لكن يزعجهم في دراستهم الأكاديمية و يمتد إلى تجاربهم المهنية. فالطالب له قدرة معينة على التحمل، فهو لا يشعر براحة نفسية، لا يمكن أن يجتهد و يكد في دراسته تحت الضغط.
كما أن هذه الظاهرة قد تساهم في فقدان الثقة في النفس وفي الآخر، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على اندماجهم بشكل سلس في الوسط الجامعي أولا و في الحياة المهنية بعد ذلك: ” كيف يمكن لي أن أركز في دراستي، عندما يشعرونني أنني طالبة مختلفة عنهم ” تقول نادية طالبة علوم بغرناطة
- شهادات الأساتذة الإسبان
في ذات السياق، حاولنا في هذه المادة الصحفية، أن نتواصل و نحاور بعض الأساتذة الجامعيين الإسبان و كيف ينظرون لهذه الظاهرة التي يعاني منها الطلبة المغاربة في الجامعات الإسبانية.
- الأستاذة Carmen Del Rocio Monedero Morales / كلية علوم الإعلام بجامعة مالقا / الأندلس
” خلال عملي كأستاذة، درست العديد من الطالبات والطلبة المغاربة، كما أتوفر على صداقات لطلبة سابقين. أعترف أنه لم يسبق أن اشتكى لي طالب مغربي من مضايقات داخل الكلية أو الجامعة. صحيح قد تكون هناك بعض الحالات المعزولة. كأستاذة لم أر أي نوع من التمييز والكراهية تجاه الطلبة المغاربة. بل يمكن أن أزعم أن العديد من الطالبات و الطلبة المغاربة متفوقون في دراستهم و علاقاتهم جد طيبة مع الجميع.
- الأستاذة والصحفية Laura Navarro
” خلال سنوات التدريس، كأستاذة زائرة وخاصة الفترة التي كنت أعمل فيها في مجموعات بحث أوروبية وموازاة مع ذلك أعطي دروسا بالجامعة. أغلبية طلبتي كانوا إسبانيين كانت لديهم صورا نمطية وأحكام جاهزة وعنصرية تجاه الطلبة المغاربة، الأمر الذي دفع العديد من الطلبة المغاربة لمغادرة إسبانيا مباشرة بعد حصولهم على دبلوم الدكتوراه للعمل في الجامعات المغربية”.
- أول جمعية للطلبة المغاربة بمدريد
في حوار مع الطالب السابق بجامعة ” الكومبلوطينسي ” (Complutense)، الناشط الجمعوي والحقوقي سعيد بورحيم مؤسس أول جمعية للطلبة المغاربة بالعاصمة لإسبانية، والذي قضى بالجامعة حوالي 13 سنة (1991 / 2004)، قال: ” أنا قضيت حوالي ثلاثة عشر سنة داخل الحرم الجامعي بالعاصمة الإسبانية مدريد من 1991 إلى غاية 2004.
يمكن أن أجزم أنني لم يسبق لي أن تعرضت لمضايقات أو تمييز أو كراهية، إلى حدود 2004، أي موازاة مع التفجيرات الإرهابية التي شهدتها مدريد في 11 مارس 2004 التي أودت بحياة 193 ضحية و حوالي 1856 من المصابين بجروح متفاوتة الخطورة. في هذه الفترة لا أقول أنني تعرضت للعنصرية و لكن كانت فترة صعبة جدا لنا كطلبة. و هذا الحادث الإرهابي كان سببا في مغادرتي الجامعة.
- تجارب سابقة
أحمد صيدلي مغربي يشتغل بالرباط، طالب سابق بكلية الطب والصيدلة بمدريد، يحكي كيف كان يواجه بعض الصور النمطية التي كان يتداولها بعض الطلبة الإسبان في بداية تسعينيات القرن الماضي: ” كانوا يسألوني هل أتحدث الإسبانية جيدا؟ هل يوجد بالمغرب أساتذة للغة الإسبانية أو فقط درست على يد أساتذة مغاربة .
عندما ارتدي لباسا مغربيا تقليديا، كنت أشعر أنهم يحكمون علي من خلال ملابسي و ليس على شخصي أو كفاءتي العلمية و الأكاديمية “.
علاقة باللباس المغربي التقليدي، يحكي زياد و هو صحافي و ناشر لموقع إخباري رقمي بالرباط، عندما كان طالبا في سلك الدكتوراه بكلية علوم الإعلام بمدينة مالقا: ” في يوم مناقشة رسالة الدكتوراه، كنت أرتدي جلبابا تقليديا و طربوشا مغربيا أحمر و حذاء تقليديا (بلغة)، و قبل بداية المناقشة خاطبني أستاذي المشرف قائلا ” ما هذا اللباس الفلكلوري، كان علبك أن ترتدي غيره.
العديد من الطالبات و الطلبة المغاربة القدامى بالديار الإسبانية يتقاسمون بعض الحكايات المشابهة: نظرات مشبوهة، في الشارع، في المقهى، وفي وسائل النقل العمومية و الخاصة ( الحافلة، الميترو، سيارات الأجرة …)، صعوبات في إيجاد سكن جامعي أو غيره..
إجمالا يمكن أن نسجل، من خلال ما سبق، أن الطالبات والطلبة المغاربة الذين اختاروا طواعية متابعة دراستهم بالمعاهد والجامعات الإسبانية، لم يتعرضوا بشكل كبير، واضح ومباشر للتمييز و الكراهية داخل الحرم الجامعي بقدر ما كان مصيرهم هو ذات المصير العنصري خارج الجامعة. ” كنا كطلبة، نحيى حياتين اثنتين، واحدة في فضاء الجامعة، وبين الطلبة حيث نشعر بنوع من الحماية و الثانية في فضاء أوسع، الفضاء العام، حيث نختلط بالجميع و نعامل كمهاجرين، رغم أن القوانين الإسبانية لا تعتبر الطالب مهاجرا ” تقول دينا، الطالبة في كلية الحقوق بمدريد.
و تأسيسا على ذلك، يمكن القول أن طريق القضاء النهائي على التمييز و الكراهية ضد المغاربة عموما و تجاه الطالبات و الطلبة خصوصا مازال طويلا.
لكن بفضل المجهودات المبذولة من طرف الدولة و المجتمع المدني و الحقوقي و بدرجة أكبر من طرف الإعلام في الجهتين، خاصة مثل هذه المواد الصحفية الميدانية، التي ستساهم لا محالة، أولا في معرفة ما يجري بالأرقام و الإحصاءات و أيضا تصريحات الأطراف المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه الظاهرة، و أبضا بإلقاء مزيد من الضوء على مثل هذه الحكايات و بتشجيع الحوار بين المغاربة و الإسبان ، سواء كان حوارا رسميا أو موازيا، يمكن آنذاك أن نبدأ في تجاوز مثل هذه الظواهر التي تضر بمصالح البلدين و تسيء إلى القيم الإنسانية .
” إن حياتنا في المملكة الإسبانية، ترتبط في بعض الأحيان، بطبيعة العلاقات السياسية بين البلدين الجارين، فإن كانت سيئة ضيقوا علينا و إن تحسنت، انشغلوا عنا ” يقول مامون الطالب بكلية الصيدلة باليكانتي.