قبل سنوات ليست ببعيدة، كان باب المقارنة مع الآخرين ضيقاً، لا نعرف عن نجاحاتهم وإنجازاتهم سوى في لقاءات عابرة أو من خلال أخبار متفرقة. لكن اليوم، بعد غزو منصات التواصل الاجتماعي لكل مناحي الحياة، بات المجال أرحب، والنافذة التي نطل من خلالها على الآخرين أوسع.
بضغطة زر واحدة، بات بوسعنا مراقبة حياة الآلاف، أو ربما الملايين، نعيش معهم تفاصيلهم اليومية: نجاحاتهم، سفرهم، ولحظاتهم السعيدة المصنوعة بعناية. ومع هذا الزخم الهائل من الصور المفلترة، بدأت تتسلل إلى عقولنا أفكار تتسرب كسم قاتل، يعكر علينا صفو حياتنا، ويدفعنا إلى مقارنة صامتة وربما قاسية مع أنفسنا.
فنرى فلاناً يسافر كل شهر، وآخر يرتدي أحدث الماركات، وثالثاً يحصد نجاحات باهرة، فنبدأ في مقارنة حياتنا بحياتهم، ناسين أنهم يظهرون فقط ما أرادوا له أن يظهر. فالكاميرا لا تنقل لحظات الضعف أو التعب أو الفشل الذي سبق النجاح، بل على العكس، يتم اختيار أجمل اللحظات بعناية فائقة، بإضاءة وفلترات مبهرة ومونتاج ذكي، حتى يبدو الأمر أشبه بإعلان تجاري.
وهنا تكمن الخدعة: نحن نقيس حياتنا بعفويتها ونقائصها وعيوبها، على حياة صُمّمت لتبدو مثالية دون عيوب. هذه الثقافة تسلب منا شعور الرضا، وكأن الحياة سباق يجب الركض فيه دون توقف. وهذا ما يجعل البعض يضحي بسلامه الداخلي وبماله لمجاراة حياة تبدو وردية في “السوشيال ميديا”.
لكن وسائل التواصل الاجتماعي ليست الواقع، بل صورة منتقاة منه. فلنعش نجاحاتنا دون انتظار تصفيق المتابعين، ولنستمتع بكوب قهوة في صباح هادئ دون الحاجة لتصويره. فالسعادة لا تُقاس بعدد الإعجابات، بل بمدى الشعور بالرضا عن أنفسنا، دون مقارنة.
—















