سيظل مشهد سلوك الأجهزة الأمنية اتجاه شباب جيل Z، مشهدا عالقا في ذاكرة المغاربة ولا سيما الحقوقيين منهم ومتتبعي الشأن العام عموما، لأنه ببساطة كان صادما وغير مبرر وغير مقبول ،فقد اضر بصورة هذه الأجهزة لدى الرأي العام الوطني ،وأضر بصورة المغرب الحقوقية لدى المنتظم الأممي ،

لكن من حسن حظ الجميع تم العدول عن قرار التدخل بقوة إلى قرار ينسجم مع التوجهات العامة التي تؤطرها المذكرات المديرية والمصلحية للمديرية العامة للأمن الوطني التي تدرك أكثر من غيرها أن عمليات حفظ النظام هي ملتقى تتقاطع فيه وعنده موجبات صون القانون وفرض النظام العام من جهة، وإملاءات التدبير الرشيد للحقوق والحريات الفردية والجماعية من جهة ثانية.
فبالرجوع الى ادبيات و أرشيف المديرية العامة نجد أنها سعت إلى تسييج عمليات حفظ النظام بالعديد من الضمانات والشكليات التي تحول دون بروز تجاوزات محتملة ،سواء في عمليات تفريق التجمهرات او تأمين التجمعات الكبرى او مواكبة الحشود ، وجعلت هذه العمليات تتوافق مع أحكام قانون الحريات العامة ،ومع المقتضيات الإدارية والتنظيمية ذات الصلة. وبإمكاننا ان نستعرض للقارئ الكريم مجمل الضمانات والشكليات التي تؤسس لترسانة حقوقية أمنيةـ إن جاز هذا التعبير ـ تبنتها المديرية العامة في صيغة مذكرات و مناشير ولكن للاسف أخلف المنتسبون لهذا الجهاز الموعد يوم 27 شتنبر .
1ـ المذكرة المديرية المؤرخة في 27 ماي 2007 المحدثة للمجموعات المتنقلة للمحافظة على النظام GMMO حددت نطاق عمل هذه المجموعات ، وشددت على أهمية التكوين المستمر لعناصر هذه المجموعات ، ونصت على ضرورة فرض واجبات الطاعة والانضباط خلال التدخلات الميدانية وذلك درءا لاية تجاوزات محتملة.
2ـ المذكرة المديرية الصادرة في 15 فبراير2016 المحدثة للمجموعة المتنقلة للأمن GMS ، التي نصت بشكل واضح على وجوب تحصين التدخلات الأمنية على النحو الذي يضمن اتساقها مع أحكام قانون الحريات العامة
3ـ المذكرة المصلحية الصادرة في 2نوفمبر2016، وهي في واقع الأمر مصوغة تكوينية تمت بلورتها في إطار الشراكة المبرمة بين المديرية العامة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ، ومركز النخيل للدراسات والتدريب والوساطة ، والغاية من هذه المذكرة هي تعميم و إشاعة المعرفة الحقوقية في صفوف جميع موظفي الامن الوطني، فضلا عن الانفتاح على المساطر الخاصة للأمم المتحدة وآليات إعداد التقارير الوطنية في مجال حقوق الانسان.
4ـ المذكرة المديرية الصادرة في 17مارس 2012، والتي نصت ان تدخلات مجموعات حفظ النظام ينبغي ان يتم التحضير والتخطيط لها بشكل محكم بين مختلف الوحدات المشاركة في العمل النظامي ، بما فيها عناصر الدعم القادمة من مصالح أمنية أخرى ، فضلا عن (( وجوب احترام مبدأ التناسبية وعدم الركون لوسائل التدخل واستعمال القوة العمومية إلا في الضرورة القصوى لحفظ مرتكزات النظام العام )) .
5ـ المذكرة المديرية الصادرة في 22 يونيو 2012، أكدت هذه المذكرة على (( استيفاء جميع الشكليات القانونية من جانب عناصر القوة العمومية ، مع توثيق سائر الإجراءات المسطرية المرتبطة بها في محاضر معززة بصور و تسجيلات رقمية ، وإعلام النيابة العامة بها في إبانها بواسطة تقارير اخبارية تسمح للسلطة القضائية بالقيام بالمتابعات اللازمة، وتطبيق المقتضيات القانونية ذات الصلة )). إن توثيق تدخلات قوات حفظ النظام هو شرط اساسي لتفادي التجاوزات المحتملة من جانب عناصر الأمن والمتجمهرين على حد سواء.
6ـ المذكرة المديرية الصادرة في 8شتنبر 2014، بشأن الوقاية من التعذيب تنص على الحرص على تفادي الاستفزازات، وضبط النفس عند تنفيذ الأعمال النظامية وفض التجمهرات .
7ـ المذكرات المصلحية
أ… فبراير 2013
ب…. أبريل 2015
ج… اكتوبر 2018
د… مارس 2019
كل هذه المذكرات المصلحية أكدت على ضرورة تمليك ثقافة تصوير التدخلات والعمليات النظامية لجميع الموظفين سواء على الصعيد المركزي او الجهوي مع الحرص على التنسيق المحكم والانخراط التام في جميع الترتيبات و الاستعدادات الأمنية التي تسبق كل عمل نظامي ، والتي تكون فيه مؤشرات قوية على إمكانية المساس بالأمن العمومي ، كما دعت هذه المذكرات المصلحية ولاة الأمن ورؤساء الأمن الجهوي و الاقليمي بوجوب
((تنفيذ هذه التعليمات الآمرة بشكل دقيق ، مع الحرص على عقد اجتماعات مسبقة لتحسيس عناصر الأمن العمومي بضرورة تصوير التدخلات الأمنية ، وتوثيق الاستفزازات المفترضة الصادرة عن المتجمهرين بالصوت والصوره ، وإبراز الانذارات القانونية الموجهة للمشاركين، وجولات المفاوضات المحتملة معهم)) .
لابد للإشارة في الأخير أن المديرية العامة للأمن الوطني ،والتزاما منها بمضامين الاتفاقيات الدولية الخاصة بالوقاية من التعذيب وصون كرامة المواطنين ، انخرطت في ورش التكوين الممنهج لموظفيها حيث استأنفت العمل في تنظيم دورات تدريبية بتاريخ 4شتنبر 2023.
مما سبق يتضح أن المديرية العامة للأمن الوطني أفردت العديد من المذكرات و الدوريات الداخلية لتدعيم البعد الحقوقي في العمل النظامي ، ولكن يوم 27 شتنبر 2025سيبقى يوما استثنائيا باعتبار أن الأجهزة الأمنية تخطت كافة الضوابط ليس فقط الدستورية والقانونية
وإنما تجاوزت للأسف ترسانتها الحقوقية التي راكمت بنودها منذ 2007 الى اليوم مما يجعل المتتبع للشأن الأمني في شقه الحقوقي ببلادنا يطرح فرضية في صيغة السؤال الاتي ….هل كان قرار التدخل لفض تجمهر يوم 27 شتنبر من داخل المديرية ام كان من خارجها….؟؟















