نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا أعده بيتر كونرادي قال فيه إن الـ”بانليو” أو الضواحي التي يعيش فيها 7.7 مليون نسمة بيدهم مصير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يخوض الجولة الثانية نهاية الشهر الحالي ضد زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.
وجاء فيه أن عمدة فيلتانوز، القريبة من باريس، دينور إكسلنت سيقوم بواجبه الأحد المقبل ويصوت في الجولة الثانية. ولا يتطلع إكسلنت (46 عاما) للمناسبة لأنه مثل الكثيرين في منطقته الانتخابية التي يعيش فيها 12 ألف نسمة صوتوا لصالح مرشح اليسار جان- لوك ميلنشون، زعيم الحزب اليساري “فرنسا الأبية” الذي خرج من السباق بهامش ضيق جدا في الأسبوع الماضي.
وقال إكسلينت “هذا ليس تصويتا يقوم على اعتقاد لأنني لست مقتنعا بالسياسات الليبرالية المتطرفة التي يتبعها ماكرون”. وأضاف العمدة المولود في هاييتي أن التصويت هو “عن المسؤولية، فبرنامج مارين لوبان عنصري ومعاد للأجانب وكاره للإسلام، ولهذا لن أتردد في وضع صوتي لصالح ماكرون”. وقال إنه يخطط للخروج إلى الشارع محملا بالملصقات لكي يحث أبناء بلدته على اتباع مثاله، وسواء فعلوا أم لا فإنهم والـ7.7 مليون ناخب ممن صوتوا لصالح ميلنشون أو ما يطلق عليه جيرمي كوربين الغال، سيقررون مصير الانتخابات الحالية.
ويواجه ماكرون، 44 عاما، مصاعب في إقناع الناخبين لكنه زاد من المسافة بينه ولوبان في الأيام الأخيرة، على ما يبدو. وفاز ماكرون بنسبة 27.8 بالمئة مقابل لوبان 23.1 بالمئة. واقترحت استطلاعات أخيرة أجرتها مؤسسة “أيفوب” فوزه بنسبة 53.5% مقابل 46.4% بالمئة.
وفي تجمع انتخابي بمدينة مرسيليا صور ماكرون المعركة بينه ومنافسته بأنها “اختيار حضاري” أو “بناء مستقبل معا أم تعريضه للخطر”. وخصص معظم خطابه للتحذير من “الخطر المحدق بالبلد” من لوبان (53 عاما)، والتي لم يذكرها بالاسم بل وأشار إليها بـ”مرشحة اليمين المتطرف”. كما وحاول جذب الشباب الميالين لليسار من خلال التأكيد على مصداقيته في قضايا البيئة. وردت لوبان بالدعوة إلى خلق “جبهة معادية لماكرون”، إلا أن محاولتها لتحسين صورتها والتركيز على كلفة المعيشة تعرقلت بالخلاف حول الحجاب. فتأكيدها على ضرورة منع النساء من ارتدائه في الأماكن العامة يحمل مخاطر لفت النظر لمواقفها الانقسامية وعودتها إلى مركز النقاش.
وسيواجه ماكرون ولوبان لحظة حاسمة قد تلعب دورا في تقرير مصيرهما، ألا وهي المناظرة التلفزيونية الأولى والوحيدة بين المتنافسين. وستحاول لوبان تجنب تكرار أدائها السيئ عام 2017، والتي ساعدت ماكرون للحصول على نسبة 66% مقابل 34%. والتحدي لكل منهما هو جذب نصف الناخبين الذين صوتوا لصالح ميلنشون الذي حصل على نسبة 22% أو بقية المرشحين التسعة الذين هزموا في الأسبوع الماضي.
وحثت فاليري بكريس، زعيمة الحزب الجمهوري وآن هيدالغو من الاشتراكيين الناخبين لمنح أصواتهم إلى ماكرون، مع أنهما حصلتا فيما بينهما على نسبة 6.5%، وهي نسبة مهينة لهما، كما حشد المرشحون الخاسرون قواهم وراء الرئيس.
ويمكن للوبان الاعتماد على معظم أصوات الناخبين الذين دعموا المرشح اليميني الجدلي، إريك زمور الذي هدد بالتفوق عليها في خريف العام الماضي لكنه لم يحصل إلا على نسبة 7.1% في الجولة الأولى. وربما دعم بعض الجمهوريين مرشحة اليمين المتطرف رغما على توصية بيكريس. ولم يكن ميلينشون واضحا في موقفه مثل البقية، ففي خطاب قبوله نتائج الانتخابات حث أنصاره وثلاث مرات على عدم دعم مرشحة اليمين لكنه لم يطلب منهم دعم الرئيس.
وقدمت استطلاعات الرأي صورة متناقضة عن توجهات معسكر ميلينشون، وربما توجه بعضهم لدعم لوبان التي لا يختلف برنامجها في تدخل الحكومة بالاقتصاد عن ميلينشون. وسيتضح موقفهم أكثر بعد الكشف عن نتائج استطلاع تشاوري عبر الإنترنت. وستقرر فيما إن طلب منهم الامتناع عن التصويت أو تخريب أصواتهم أو دعم ماكرون.
ويرى المحللون أن 7.7 مليون ناخب هم بمثابة “صانع الملك” ومعظمهم من الشباب، فقد كان ميلينشون أكثر مرشح شعبية بين من هم دون سن الـ35 عاما، وهناك عدد كبير منهم من الأقليات العرقية. ودعمت نسبة 69% من المسلمين البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة المرشح اليساري المخضرم. ومعظمهم فقراء نسبيا ويعيشون في الضواحي التي تحيط بالمدن الفرنسية. وحصل ميلينشون على أكبر حصة من الأصوات (1.7 مليون صوت) من منطقة سينه سان دونيه، شمال العاصمة باريس. وكانت أصوات فلياتونيس الواقعة غرب العاصمة محورية في التصويت له. ومع أن البلدة تبعد ثماني دقائق عن غار دي نورد إلا أنها تبدو عالما مختلفا. وهنا تختلط المباني الشاهقة التي تعلم المدن الفرنسية بالبيوت الريفية الصغيرة. وفي قلبها مبنى البلدية الجديدة وحرم جامعة السوربون- شمال. ويقدمان معا معظم الوظائف للسكان إضافة لفرع متجر “ليدل” الذي يعد واحدا من مصادر العمل في القطاع الخاص.
ولدى إكسلنت الذي انتخب عام 2020 سلسلة من التحديات التي تواجهه من نسب البطالة التي هي ضعف المعدل الوطني والفقر الذي تزيد نسبته ثلاثة أضعاف عن بقية البلاد وتدني الإنجاز التعليمي، كما أن نسبة 65% تعيش في بيوت البلدية. لكل هذه الأسباب دعم الناخبون ميلنشون الذي يبدو أنه رد بطريقة أفضل من غيره على المشاكل الاجتماعية- الاقتصادية في المناطق التي “لم تنس ولكنها تعتبر أقل أهمية وعاملتها الدولة بدونية” حسب إكسلنت. وبسبب هذا سيواجه ماكرون معركة لإقناع السكان كي يصوتوا له.
وقالت تشيرل ليلوب، 26 عاما، الداعمة لميلنشون وتعمل في مشاريع تعليمية تابعة للمجلس المحلي إنها دعمت ماكرون في عام 2017 لكنها تفكر إن كانت ستدعمه مرة ثانية “في ذلك الوقت بدا ماكرون شابا ولديه برنامج جديد” و”أدار كوفيد جيدا، ولكن بعد خمسة أعوام فإنني أتساءل حول ما سأفعل، ولكن لدي وقت لكي أقرر”.
أما ماكس غروس، 62 عاما، الماركسي الداعم لميلينشون فإنه لا يستطيع التفكير بدعم ماكرون وسيخرب صوته حتى لو قاد إلى فوز لوبان و”لن تكون مسؤوليتي لو فازت، بل هو خطأ من صوتوا لها”. ومشاعر كهذه قد تؤدي إلى تدني المشاركة التي كانت في الأسبوع الماضي 73.7% وهى الأقل بالمعايير الفرنسية. وتشعر الغالبية بأنها مجبرة على الاختيار بين مرشحين غير مستساغين بنفس القدر. ويخشى البعض جولة ثالثة بعد الإعلان عن الفائز، أي تظاهرات بالآلاف كتلك التي شهدتها باريس والمدن الأخرى يوم السبت ضد لوبان.