إن المتأمل في تاريخ البشرية يستنكر ويمتعض من وحشية أسلافنا وسهولة جرأتهم على القتل والظلم واغتصاب النساء واستعباد البشر واستباحة حقوق الغير وسلب حرياتهم بمنطق البقاء للأقوى.
وخير دليل على ذلك الحروب الطاحنة التي جرت بين القبائل والإمبراطوريات والدول حيث تم استعمال جميع أنواع وسائل القتل سواء عبر الآلات الحادة كالسيوف أو السموم أو الرصاص والمدافع والحرق والقنابل وكل طرق الفتك
هذا الجانب الوحشي ربما بسببه سيحصل الفناء، حيث أن أكبر خطر يهدد الحياة على الأرض حاليا هو اندلاع حرب نووية.
صحيح أن الحياة تتطور باستمرار كما أن الاختراعات تنقلها من مرحلة لأخرى مختلفة تماما، لكن الغطرسة والتجبر لا تزال موجودة بقوة، كل ما في الأمر، أنها أخذت أشكالا جديدة.
والقيام بإبادات جماعية تم تعويضه بطرق أخرى أحيانا غير مباشرة، لكن لها نفس الهدف.
فمثلا، عوض القصف والتفجير يمكن تطوير فيروس في المختبرات المتطورة وإطلاقه لكي ينتشر بسرعة بين الناس ويفتك بهم، كفيروس كورونا وغيرها.
ويمكن قتل الشعوب عبر تدجينهم وتغيير أنماط غذائهم، ليستهلكوا أكثر المعلبات والمواد الكيماوية.
يمكن استعمار الدول والتحكم فيها عبر الاقتصاد والإعلام والتدخل في المعتقدات والأعراف الثقافية لكل مجتمع والعبث بها.
بل وأخطر من ذلك، فأحدث العلوم أو ما يسمى بتقنية “النانو” تبحث في التحكم في أدمغة البشر عبر رقائق إلكترونية دقيقة يتم حقنها في الأجسام ليتم برمجة البشر من طرف المتحكم كما يحلو له.
والظاهر أن الاستعمار والاستغلال وسلب حقوق الغير لازال حاضرا بقوة. فقط تغير وأخذ أنماطا خفية وغير مباشرة، وربما أكثر فظاعة من الجرائم التي سجلها التاريخ.
هذه التركيبة الممتزجة بين الذكاء والغطرسة والوحشية جعلت من الإنسان أخطر كائن على وجه الأرض، وأكبر خطر يهدد استمرار الحياة.
والمدينة الفاضلة التي تحدث عنها أفلاطون 400 سنة قبل الميلاد حيث العدل والمساواة والتعايش بين الناس، يبدو أنها سوف تظل حلما بعيد المنال. ولو عاش أفلاطون بيننا الآن لأيقن أن حلمه مستحيل. لأن كل هذا التقدم والتطور الذي نعرفه قد يبدو أنه سعي لتحقيق المدينة الفاضلة، لكن وجهه الخفي أنه نتيجة المساعي الحثيثة للسيطرة على المطلقة على الغير .
وكمثال على ذلك أذكر اختراع الهاتف الذكي، فقد يبدو أنه جهاز رائع يجعل من الحياة أكثر سهولة وروعة، لكن الجانب الخفي أنه وسيلة للتجسس على جميع البشر ومعرفة تحركاتهم وأفعالهم وأفكارهم ومخططاتهم المستقبلية. وكل الاختراعات التي تظهر أنها مفيدة لها هدف آخر تسعى من ورائه جهة معينة للتحكم والسيطرة.
والاستعباد بدوره أخذ أشكالا متطورة، وقديما كانت تجارة العبيد رائجة وتم ترحيلهم من إفريقيا لأمريكا وأوروبا، فهل توقفت تجارة العبيد ؟
ببساطة لم تتوقف أبدا بل تطورت، أليس استعبادا أن يتم توظيف الناس بعقود مجحفة وأجور هزيلة لساعات يومية طويلة؟
هو استعباد واستخدام بشع، كذلك أن تلتزم بقرض لأجل السكن لمدة تصل لأكثر من 25 سنة هو نوع من التحكم والاستغلال. ولعل نقطة الضوء في هذا العالم الموحش الذي نعيشه هو بعض الناس الذين وهبوا حياتهم للغير، سواء من خلال الأعمال الجمعوية والخيرية أو الترافع عن الحقوق والحريات. والصراع بين الخير والشر، بين النور والظلام، بين الحرب والسلم كان ولا زال وسيبقى إلى أن تعرف قصة الحياة المبهرة نهايتها.