مأدبة دسمة شهدها اليوم الثاني من فعاليات مهرجان بني عمار في دورته 13، تحالف فيه الفكر والتاريخ مع الادب والمسرح والموسيقى لصناعة لحظات مميزة، تمثلت في ندوة فكرية، وتوقيع كتاب ثم عرض مسرحي وفي الختام سهرة موسيقية.
في تمام الساعة 11 من صباح السبت، انطلقت الندوة الثانية ضمن برنامج مهرجان بني عمار، وواصلت الحفر الفكري في ثقافة الجبل بمحور هام جدا وهو “حفريات في التاريخ المحلي”، استهله الباحث في تاريخ المقاومة، عبد القادر بوراس، بعرض حول “جانب من مقاومة قبائل بني عمار للتغلغل الاستعماري ما بين 1911 و1912، وقبل أن يفيض في التفاصيل كان تقدميه بورقة لسعيد سوسان، ويشارك فيها ثلة من الأسماء البارزة، وهم عبد القادر بوراس الباحث في تاريخ المقاومة، أما عالمي الآثار عبد السلام الزيزوني، ومنتصر الوكيلي فقد كان في موعد الكشف عما جادت به أبحاثهم وحفرياتهم حول “موقع (دشر الحافة) ولقاه الأثرية”، بينما أسند التسيير للأديب والقاص محمد إدارغة.
الباحث الزيزوني عرض أمام الحضور في الندوة اكتشافات مذهلة توثق للإنسان العاقل في المغرب وكونه الأقدم في العالم، واستعرض جمجمة تعود إلى 315 ألف سنة، كما جال بالحضور في حفريات عثر عليها في منطقة بني عمار، حول تطور الكتابة بلوحات قربت الجميع من خصوصية تلك الاكتشافات وأهميتها.
المحطة الثانية ضمن برنامج اليوم الثاني، كانت مميزة جدا، وحضر فيها الابداع السير ذاتي الذي خطته أنامل الباحث والأكاديمي ابن بني عمار، الدكتور ادريس الكريني، الذي فتح الباب مشرعا على ذاكرته البريئة من خلال “طفولة بلا مطر”، التي تعتبر حفرا أدبيا في تاريخ المنطقة وثقافة الجبل من شرفة بني عمار الفسيحة.
وللاحتفاء بهذا المولود الأدبي للدكتور الكريني، حضرت نخبة من الأسماء الوازنة في مجالات الابداع والنقد، وأشرف على تسيير اللقاء، المؤلف المسرحي والسيناريست، عبد الاله بنهدار، وتوقف مليا عن خصوصية الكتاب وصاحبه والاحالات على ماض يجمع بين الأمل والألم، الكلمة بعد ذلك تناولها الناقد والقاص محمد إدارغة، وشرح بمقص الخبير في شؤون القراءات النقدية، كتاب الكريني، والتي شملت دلالات العنوان ومحور المتن وظلاله في السابق كما في الحاضر على حياة كاتبه.
من جهته، الشاعر عبد العاطي جميل، ارتدى قبعته الثانية وهي قبعة الناقد، واستعرض احالات ودلالات النص وعتباته وتوقف عند بعض مقاطعه، ولم ينس شخصيات “طفولة بلا مطر”، خاصة أنها من ذاكرتها هي أساس حاضر يعيشه الكريني وجيله من أبناء قصبة بني عمار.
مفجأة اللقاء تمثلت في حضور الفنان محمد عاطر، الذي أبى إلا أن يشارك صديقه الكريني في تقديم كتابه، كما أصر على مشاركة بني عمار عرسها المتمثل في مهرجان “فيستي باز”، كانت مساهمته عبارة عن طرفة عابرة للزمان والمكان لم تتوقف عند القصبة فقط، بل تجاوزتها إلى مدن أخرى تجول فيها ببرنامجه الإذاعي الناجح، واستعرض العديد من المواقف الساخرة والمضحكة، لكنه في الأساس استعرض نباهة وفطنة وذكاء الرجل البدوي أو كما يصطلح عليه “العروبي”، وخلص إلى القول، إنه كان يسيء لرجل البادية وهو الذي ظن أنه يقدمه في أحسن صورة.
المأدبة الدسمة لليوم الثاني لم تنته، بل بدأ شوطها الثاني في المساء، خاصة بعد حضور الفنان عبد الحق الزروالي ومعه المخرج المسرحي محمد بلهيسي، وكان عرض “بودهوار” وشارك الزروالي الخشبة مع حمار حقيقي احتفاء بهذا الكائن الخدوم جدا.
ورغم شغب الطفولة، كان العرض مميزا، وتمكن الزوالي من أن ينسجم مع الجمهور ويهديه آخر إبداعاته وهي مسرحية “بودهوار”، التي كانت كرنفال الحمير هو الدافع الأساس لانجازها من طرف هذا الفنان المبدع.
مباشرة بعد عرض الزروالي الذي امتد من الثامنة إلى التاسعة مساء، اعتلت منصة ملعب القرب فرقة كناوة المغربية “مباري مبا”، وألهبت جنبات الملعب بنغمات كناوية بلمسة خاصة من رئيس الفرقة الذي أشرك العماريين في حفله وأهداهم ما تيسر من مقطوعات أصيلة.
السهرة نفسها، عرفت حضور البعد الافريقي بفرقة موسيقية من الكوت ديفوار، بدورها تمكنت من أن تهدي الجمهور لحظات موسيقية لا تنسى من نبع الموسيقى الافريقية الأصيلة التي تجد صداها في وجدان المغاربة عموما بحكم الامتداد في القارة السمراء التي يعتبر المغرب أحد أقطابها.