في مشهد يختصر معاناة الطبقة العاملة الهشة، يجد عشرات العمال الذين خدموا قناة العيون لسنوات طويلة أنفسهم فجأة في مواجهة البطالة و التشرد. هؤلاء الذين عملوا بجهد و تفانٍ عبر عقود المناولة، يتقاضون أجورًا زهيدة لا تعكس حجم تضحياتهم، يتم الاستغناء عنهم اليوم بقرار قاسٍ و دون أي إشعار مسبق أو حقوق اجتماعية تضمن لهم العيش بكرامة.
عشرات العمال الذين أمضوا أكثر من 15 عامًا في تغطية الأحداث والبرامج الإعلامية بالأقاليم الجنوبية، كانوا يشكلون العمود الفقري لكثير من العمليات التقنية و الإعلامية بقناة العيون. و رغم ذلك، لم يكونوا سوى أرقام ضمن نظام استغلالي أدار ظهورَه لهم حينما أصبحوا غير “مفيدين”. و ها هم الآن يُمنعون من دخول القناة، كأنما جُردوا من إنسانيتهم بعد سنوات من التفاني.
هذه الفئة من العمال تتعدى معاناتها الطرد غير العادل، فغالبية هؤلاء لديهم أسر تعتمد كليًا على دخلهم المتواضع. كيف سيوفر هؤلاء لقمة العيش لعائلاتهم بعد أن تجاوزوا السن القانوني للعمل، ما يجعل فرصهم في الحصول على عمل آخر شبه مستحيلة؟ إنهم الآن في مواجهة مباشرة مع واقع اقتصادي مرير، دون أي حماية اجتماعية أو تأمين تقاعدي يحفظ لهم كرامتهم.
في ظل هذا الوضع المأساوي، لم يجد العمال المطرودون خيارًا سوى اللجوء إلى السيد والي جهة العيون الساقية الحمراء، مطالبين إياه بالتدخل لإنصافهم و إعادة حقوقهم المسلوبة.
هؤلاء العمال الذين قضوا أكثر من 20 عامًا في خدمة قناة العيون، تعرضوا لخديعة كبرى على يد السيد بدة عليوة، رئيس قسم الإنتاج بالقناة. حيث أوهمهم بأن تقديم استقالاتهم الطوعية سيكون مفتاحًا لتوظيفهم بشكل مباشر و بعقود دائمة داخل القناة.
إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا، فقد استغل رئيس قسم الإنتاج ثقتهم و وعدهم بتلك العقود، ليقوم بعد ذلك مباشرة بطردهم و منعهم من دخول القناة التي كانت مصدر رزقهم الوحيد لسنوات طويلة. اليوم، يجد هؤلاء العمال أنفسهم في مواجهة مصير مجهول، و يأملون أن يتدخل السيد الوالي لإعادة الاعتبار لهم و إنقاذهم من هذا الظلم الذي تعرضوا له.
طوال سنوات، كان هؤلاء العمال يخضعون لنظام “عقود المناولة”، وهو نظام لم يكن سوى غطاء قانوني لاستغلالهم. فرغم أن القناة استفادت من عملهم المتواصل، إلا أن هؤلاء العمال لم يحصلوا على أدنى حقوقهم. فلا تغطية صحية ولا معاش تقاعدي ولا حتى أجرٍ لائق يُعبر عن الجهد الكبير الذي بذلوه. العقود المؤقتة تحولت إلى قيد يمنعهم من الاستفادة من الحقوق الأساسية التي يفترض أن يتمتع بها كل عامل.
إن اتخاذ قرار بطرد هذه الفئة من العمال بهذه الطريقة المفاجئة يفتقد لكل أشكال الإنسانية. فكيف يُمكن لمؤسسة وطنية، تُمول من أموال الشعب، أن تتنكر لعمالها الذين خدموها لسنوات طويلة؟ أين هي المحاسبة؟ وأين هو الضمير المهني والإداري في التعامل مع هؤلاء العمال كأنهم آلات يمكن الاستغناء عنها في أي لحظة؟
هذا القرار الذي اتخذته إدارة القناة يعكس حالة الفوضى وسوء التدبير داخل مؤسسات الإعلام العمومي. إدارة تتخذ قرارات دون النظر إلى العواقب الاجتماعية و الإنسانية، و دون احترام لأبسط قواعد العدالة المهنية.
العاملون المسرحون يعيشون اليوم حالة من اليأس و الضياع، دون أفق واضح للمستقبل . مصيرهم مجهول، و عائلاتهم مهددة بالتشرد. لا أحد يستجيب لنداءات الاستغاثة، و كأنهم أصبحوا منسيين في عالم لا يعرف إلا الاستغلال و الظلم.
النداء اليوم إلى الجهات المعنية، إلى وزارة الاتصال و إلى الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة، للتحرك السريع و إنقاذ هؤلاء العمال. المطلوب هو إعادة النظر في هذا القرار الجائر، و تمكين هؤلاء العمال من حقوقهم القانونية و الإنسانية.
هذه المأساة التي تعيشها عشرات الأسر اليوم ليست سوى نتيجة لاستغلال منهجي تعرض له هؤلاء العمال لسنوات طويلة. الاستغناء عنهم دون حماية اجتماعية أو تأمين تقاعدي هو جريمة في حقهم وحق عائلاتهم. يجب على كل الأطراف المعنية أن تتحمل مسؤولياتها، وأن تعيد لهؤلاء العمال كرامتهم وحقوقهم، حتى لا يظلوا ضحايا لعقود من الاستغلال بلا نهاية.